علي حرب – «صدى الوطن»
تم التوصل إلى اتفاق تاريخي بين القوى العالمية وإيران بشأن برنامجها النووي. ويجمع الخبراء المحليون فـي شؤون منطقة الشرق الأوسط على أن الاتفاق يمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ويفتح الأبواب للتعاون بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية ورفع العقوبات التدريجي عنها.
«ان هذا الاتفاق هو نبأ جيد للعدالة، لجميع الناس الذين يهتمون بالسلام، فـي العالم»، أعلن الشيخ محمد علي إلهي، مرشد دار الحكمة الإسلامية.
الشيخ محمد علي إلهي مع وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف |
وقال إلهي، الايراني الأميركي، إن ايران والولايات المتحدة فازتا فـي المعركة من دون حرب. وأضاف «لحظة الإعلان عن اتفاق نهائي، كان بمقدورك ان ترى الفرح يعم كل مدينة فـي ايران. فالعقوبات كانت جائرة وظالمة كما أنها أثرت على حياة الناس العاديين فـي شتى مجالات الحياة».
وأضاف إلهي أنه بعد الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ والحرب العراقية الايرانية والعقوبات الدولية، كسبت مثابرة الشعب الإيراني الإعجاب وانتزعت اعتراف العالم. وأردف «حقيقة أن البلد فـي ذلك المكان من العالم يمكن أن يتخلص من العقوبات دون حرب أو خضوع وذلك انتصار بحد ذاته».
وتابع إلهي «ان الاتفاق هو وضع مربح للجانبين ولجميع الأطراف المعنية. ان إيران من البداية لا ترغب فـي وجود سلاح نووي، نقلا عن فتوى من قبل المرشد الأعلى الإيراني السيِّد علي خامنئي التي تحظر تطوير الأسلحة النووية. اسرائيل لديها المئات من القنابل النووية، لكنها فـي الوقت نفسه تراها خائفة من اتفاق سلمي».
واكد «ان إسرائيل توفر الدعم الطبي للمسلحين المتشددين فـي سوريا، بمن فـيهم مسلحو «داعش» و«القاعدة» المنتشرون على حدودها، فـي حين تشكو ليلاً ونهاراً ضد إيران.
ووفقاً لإلهي، «تقوم إسرائيل بتسعير الخوف من إيران وتأجيج نيران الطائفـية لإلهاء العرب والعالم عن معاناة الفلسطينيين والتي هي القضية الحقيقية فـي الشرق الأوسط».
واستطرد «أن الإيرانيين والأميركيين ليسوا أعداء كامنين، عندما يقول المتشددون الإيرانييون «الموت لأميركا»، فهم يقصدون السياسات الظالمة للولايات المتحدة، وليس البلد نفسه. كما ان الجالية الإيرانية فـي الولايات المتحدة هي مثال على التبادل الثقافـي المثمر بين أميركا وإبيران».
وتابع «الإيرانيون الأميركيون يخدمون هذا البلد فـي الجامعات وفـي مجال الأعمال التجارية وفـي المستشفـيات. إن إقامة علاقات بين هذا البلد وإيران سيوفر فرصة للولايات المتحدة للاستفادة من الحضارة الايرانية».
وانهال إلهي، بالثناء على الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني، الذي كان قد عرفه شخصياً على مدى عقود. وواصل القول «لقد كان دائما نجماً مشرقاً وكان إيجابياً دائماً، انه يتبع الحس السليم وهو معتدل وذكي وصاحب حكمة وبناء وفرد محترم».
وأضاف إلهي أن كلا من أوباما وروحاني تركا إرثاً عظيماً بانتصار الدبلوماسية ضد العنف.
الاتفاق ومصالح الولايات المتحدة
من جانبه، قال البروفسور هوان كول، أستاذ التاريخ فـي «جامعة ميشيغن»، ان الاتفاق يضمن تطبيق نظام تفتيش للتحقق من عدم تخصيب الإيرانيين لليورانيوم بالمستوى الذي يمكن أن يستخدم لأغراض عسكرية.
وأوضح كول أن تكنولوجيا الطرد المركزي من الناحية النظرية يمكن أن تستخدم لصنع قنبلة نووية. لكنه أضاف أن إيران وافقت على إبقاء معدل تخصيب اليورانيوم بنسبة ٥ بالمئة، ما يكفـي لتزويد محطة للطاقة النووية، ولكن أقل بكثير من درجة تخصيب ٩٥ بالمئة اللازمة لصنع قنبلة نووية.
«التفتيش سيكون دورياً ومتكرراً بما يكفـي لانجاز هذه المهمة»، قال كول الذي أضاف أن «جميع الخبراء يؤكدون أن الاتفاق يمنع إيران من إمكانية تطوير أسلحة نووية لذلك فإن موقف الحكومة الإسرائيلية ضده يشوبه الكثير من الغموض».
الأستاذ المحاضر، الذي كتب العديد من الكتب حول الشرق الأوسط، يشتبه أن إسرائيل ترفض الاتفاق لأنها تريد أن تبقى التوترات موجودة فـي المنطقة. «لقد استخدمت إسرائيل الخوف من ايران للتعتيم على معاملتها للفلسطينيين لاسيما فـي قطاع غزة. فعندما تكون العناوين غير بارزة حول خطر إيران، ربما يقوم العالم عندها بإيلاء المزيد من الاهتمام إلى ما تقوم به إسرائيل فـي الضفة الغربية وقطاع غزة».
وقال كول «ان المملكة العربية السعودية تعارض اتفاق رفع العقوبات على إيران لان ذلك من شأنه أن يحرمها من الموارد التي تعزز نفوذها فـي الشرق الأوسط. السعوديين لا يريدون من إيران ان تبيع النفط إلى الغرب، لان ذلك يدفع الاسعار الى الهبوط. السعوديون يريدون إضعاف الإيرانيين اقتصاديا وسياسيا»، وخلص للقول «مناصرو السعودية والفصائل الموالية لإيران يتقاتلون فـي جميع أنحاء المنطقة، والسعودية ترغب فـي الحصول على نصر ما».
مصير الاتفاق
من ناحية ثانية، يعارض بعض أعضاء الكونغرس (معظمهم من الحزب الجمهوري) والمتشددون الإيرانيون الاتفاق، مثيرين الشكوك حول مصيره.
وقال الدكتور رونالد ستوكتون، أستاذ العلوم السياسية فـي «جامعة ميشيغن» بمدينة ديربورن ان الاتفاق وجد ليبقى. وتوقع ستوكتون ان يصوت مجلس النواب ومجلس الشيوخ ضد الاتفاق، إلا أن الرئيس سيمارس حق النقض ضد قرار الكونغرس فـي اليوم نفسه. عند ذلك يحتاج مجلس الشيوخ الى أغلبية الثلثين لتجاوز «فـيتو» الرئيس، ومن غير المرجح أن يحدث هذا. بل ان بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين سيصوّتون فـي نهاية المطاف لصالح الصفقة بعد أن تحدثوا ملياً ضدها، وفقاً لستوكتون.
أما كول فقال إنه ليس من المستحيل أن يسقط الكونغرس الاتفاق النووي. لكن ذلك لن يلغي مفاعيل الاتفاق على الساحة الدولية، وخاصة بعد أن صوت مجلس الأمن الدولي على رفع العقوبات ضد إيران يوم الإثنين الماضي.
وافاد كول «رجال الأعمال الفرنسيون والصينيون والهنود فـي حاجة ماسة للوصول الى السوق الإيراني، ووزارة الخزانة الأميركية لا تستطيع أن تقول لهم الآن إننا سنعاقبكم إذا كنتم تتعاملون مع إيران».
وأوضح كول، أنه على الجانب الإيراني يبدو الاتفاق آمناً لأنه يحظى بتأييد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.
منتدى دبلوماسي
وأكد القادة فـي واشنطن وطهران أن إيران والولايات المتحدة لا تزال على طرفـي نقيض فـي رؤيتيهما ومصالحهما فـي المنطقة، على الرغم من الاتفاق.
ومع ذلك، قال كول ان الاتفاق النووي يشكل مساحة للحوار الدبلوماسي بشأن القضايا الأخرى. وتوقع تبلور التنسيق بين إيران والولايات المتحدة فـي العراق، حيث يقوم بينهما حلف واقعي لمحاربة «داعش».
وأوضح كول «قصفت الولايات المتحدة مواقع نيابة عن الميليشيات المدعومة من ايران (قوات الحشد الشعبي) ولكن لا يمكنها الإفصاح علناً بذلك. غير أن الاتفاق يجعل من الوضع أسهل وأكثر كفاءة للتعاون مع إيران».
وردد الدكتور كمال الساعدي رئيس المنظمة الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، تصريحات كول عن التعاون الإيراني الأميركي فـي العراق ضد «داعش» وتساءل «لكن هل سوف يستفـيد العراق مباشرة من هذا الاتفاق؟ لا اعتقد ذلك. المستفـيد الرئيسي هو إيران. إيران ليست جمعية خيرية. والسياسة هي لعبة أخذ وعطاء». وأضاف أنه فـي حين أن إيران قد تساعد فـي هزيمة «داعش» فـي العراق، فإنها سوف تكسب المزيد من النفوذ فـي البلاد.
من جانبه، أكد الدكتور ستوكتون أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن المملكة العربية السعودية وإسرائيل، أقوى حلفائها فـي المنطقة، ولكن الاتفاق يخلق «علاقة عمل» مع إيران ويفتح الأبواب أمام واشنطن وطهران لمناقشة الخلافات والمصالح المشتركة.
من ناحيته اعتبر الناشط اليمني الأميركي والي الطهيف ان الاتفاق لن يؤثر على الوضع المتردي فـي وطنه، وأضاف ان الاتفاق أثبت أن الدبلوماسية يمكن أن تعمل، وختم بالقول «إن اليمن ضحية لتصارع القوى الإقليمية، وسيواصل السعوديون عدوانهم على اليمن بغض النظر عن الاتفاق النووي».
وفـي الشأن السوري، رأى ستوكتون أن الاتفاق قد يمهد لتنحي الرئيس بشار الأسد وقال «ان مواقف البلدين حول سوريا ليست متناقضة كثيرا. ومن شأن الاتفاق أن يسمح بتقاسم السلطة ولكن يبقى معظم أركان النظام فـي مكانهم من دون الأسد مما يجعل الاتفاق هذا مقبولاً من قبل جميع الدول المعنية فـي سوريا. والأمر الذي تغير هو أننا قادرون على التفاوض على هذا الآن».
أما بالنسبة لاستعداد إيران للتضحية بالأسد، قال ستوكتون: «ليس لدى الدول ولاء للأفراد، ولكن للمصالح».
Leave a Reply