كمال ذبيان – «صدى الوطن»
الحكومة فـي لبنان هي المؤسسة الدستورية التي تملأ شغور رئاسة الجمهورية الذي قارب الـ 14 شهراً، دون أن يظهر أن انتخاب رئيس للجمهورية، سيحصل فـي وقت قريب، بسبب التعقيدات الداخلية اللبنانية، والتطورات الإقليمية والدولية التي يتأثر بها لبنان، مما فرض الحفاظ على الحكومة برئاسة تمام سلام الذي يهدد بالإستقالة، أو بالإعتكاف، وفـي كلا الحالتين، فإن الوضع السياسي المأزوم سوف يزداد تعقيدا وتدخل البلاد فـي المجهول، كما حذّر الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ودعا سلام الى التروي فـي الإستقالة، لأن نتائجها ستكون سلبية وكارثية على اللبنانيين، الذين يعانون من أزمات عديدة، تبدأ بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية، الى تعطيل أعمال مجلس النواب، وتعثر الحكومة فـي عملها وقلة إنتاجيتها بسبب خلافات أعضائها حول آلية عملها، كما على التعيينات الأمنية والعسكرية التي تحتل البند الأول عند «التيار الوطني الحر» الذي يتمسك بتعيين قائد للجيش ويرشح قائد فوج المغاوير شامل روكز، وهو ما لا يماشيه فـيه «تيار المستقبل» وقوى سياسية أخرى، مما عقّد عمل الحكومة وبات مشلولاً قبل تلبية شروط العماد ميشال عون، الذي يقابله رفض من قبل رئيس الحكومة الذي يتمسك بصلاحياته، فـي وقت يشدد عون على أن مجلس الوزراء مجتمعاً يمثل رئيس الجمهورية ويمارس صلاحياته، وهو ما أدى الى خلاف حول تفسير الدستور، وما وُصف بآلية عمل الحكومة.
![]() |
صورة تذكارية لحكومة الرئيس تمام سلام مع الرئيس المنتهية ولايته ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب الممدد له نبيه بري. |
هذه الخلافات التي تعصف بالحكومة التي وُلدت متعثرة وتحت ضغط إقليمي-دولي، للحفاظ على الإستقرار فـي لبنان ومنع إنهيار مؤسساته الدستورية، باتت مهددة باستمراريتها، بالرغم من أن كل مكوناتها تدعو للحفاظ عليها، لكن ضمن شروط كل مكوّن منها، مما دفع برئيسها الى تعليق جلساتها لمدة ثلاثة أسابيع كي يمنع سقوطها، لكن «التيار الوطني الحر» قرر المواجهة فـي الشارع ولو أدّى الأمر الى سقوط الحكومة التي لا يرى منها فائدة، طالما لا تستجيب لمطالبه، وقد أجرى «بروفة» لتحركه فـي الشارع، لكن لم تأتِ التنائج كما يشتهي العماد عون، لأن حلفاءه لم يشاركوه استخدام الشارع، حيث قد يوقع الصدام مع أطراف أخرى، وهو ما لا يريده «حزب الله» الذي يتطلع إلى أن تبقى الساحة اللبنانية بعيدة عن حرائق المنطقة، لاسيما السورية منها، لأنه لو عمّت الفوضى الأمنية وحصل الإحتراب الداخلي، فإن القوى التكفـيرية ستستفـيد هي من الفلتان الأمني، وتعزز وجودها العسكري والشعبي فـي المناطق ذات «الكثافة السنية»، مما يضعها فـي مواجهة الحزب فـي بيروت وصيدا والبقاع وطريق الساحل بإتجاه الجنوب، وهو ما لا يرغب به الحزب الذي يخوض معركة وجودية واستباقية مع التكفـيريين الإرهابيين فـي سوريا وعند الحدود مع لبنان فـي السلسلة الشرقـية، ومنع إنتقال المعركة الى الداخل اللبناني، وقد نفّذتها الجماعات الإرهابية التكفـيرية بافتعال أحداث عبرا فـي شرق صيدا من خلال الشيخ الفار والمطلوب للعدالة أحمد الأسير، أو ما كانت تشهده طرابلس من أعمال قتل واغتيال وتفجير واشتباكات بين باب التبانة وجبل محسن، وكان محركها مجموعات إرهابية ارتبطت بتنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» كشادي المولوي وأسامة منصور الذي قتلته دورية أمنية، أو الشيخ حسام الصباغ وغيرهم من أمراء المحاور فـي عاصمة الشمال.
فـ«حزب الله» الذي ظهر أمينه العام فـي خطاب أخير له، أنه حريص على الحكومة أكثر من رئيسها و«تيار المستقبل» الذي يدعمها، فإن إنتهاء صلاحياتها يراها بعض السياسيين والمحللين، أنها مرتبطة بـ«أجندة» خارجية وتحديداً سعودية، بعد الإتفاق النووي بين إيران والدول الست والذي أزعج المملكة ووقفت منه موقفاً سلبياً، واعتبرته أنه يقوّي نفوذ إيران فـي المنطقة ويطلق يدها فـي العديد من الدول العربية كاليمن والعراق وسوريا ولبنان، وأنه آن الأوان لفك الإرتباط مع إيران فـي الحكومة التي تشكّلت تحت شعار رفعه الرئيس سعد الحريري وهو «ربط نزاع» مع «حزب الله» والقبول به شريكاً فـي الحكومة بالرغم من مشاركته فـي القتال الى جانب النظام السوري.
فهل يكون تهديد الرئيس سلام بالإستقالة، نهاية وجود حكومة وُلدت من رحم إتفاق سعودي-إيراني غير مباشر، للحفاظ على الإستقرار فـي لبنان، وهو مطلب دولي دائم ينقله السفراء والموفدون الى المسؤولين اللبنانيين، أن يبعدوا نار الحرائق عن «وطن الأرز»، وهي النصائح والدعوات نفسها التي مازال يُسمعها سفراء الدول الكبرى الى رئيس الحكومة والوزراء، والقيادات السياسية أن لا يفرطوا بالحكومة لأنها عنوان لإستمرار المؤسسات الدستورية، ومنع إنزلاق لبنان نحو المجهول، حيث نقل سفراء أميركا وفرنسا ومصر الى الرئيس سلام تمنيات سلطات دولهم، أن لا يُقدم الإستقالة وأن لا يسمح بشل الحكومة وتعطيلها، واتصل به الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند متمنياً عليه أن يبقى فـي موقعه.
والرئيس سلام الموصوف بأنه رجل حكيم وصبور وغير متهوّر ويرفض جر لبنان الى المجهول، لكنه فـي المقابل لا يمكن أن يبقى شاهد زور ومكبّل وأن توضع الأزمات السياسية على عاتقه وتحميله مسؤولية الخلافات السياسية، كما يؤكد دائماً لزواره، فهو عندما سمي رئيساً للحكومة، فكان لمرحلة إنتقالية، تنتهي مع إنتخاب رئيس للجمهورية، والإشراف على إنتخابات نيابية لم يترشح لها، إلا أنها لم تحصل بسبب الخلاف حول قانون الإنتخاب والتذرع بالوضع الأمني، فتمّ التمديد لمجلس النواب مرتين، وتعطلت جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية، وهذه ليست مسؤولية سلام يقول لمن يراجعه بشأن الحكومة، بأن عملها هو تحت سقف إدارة شؤون الدولة وتسيير مؤسساتها حتى عودة الحياة الدستورية الى طبيعتها، ومهام الحكومة محصور بحفظ الأمن والإستقرار ومعالجة الأزمات التي تعصف بالوطن، وهي كثيرة ومنها النفايات التي هي نتيجة تراكمات تعود الى عقود، وتتحمل مسؤوليتها كل الحكومات المتعاقبة ومجالس النواب والعهود الرئاسية، والكتل النيابية والأحزاب التي شاركت فـي السلطة، وليس رئيس الحكومة الذي جاء لمرحلة إنتقالية، فإذا به يواجه أزمات سياسية ودستورية، يساعد هو على حلها لكنه لا يمكن أن يكون ساحراً، وهذا ما أوصله الى حالة من «القرف» واليأس، يقول رئيس الحكومة لزواره، بأنه لا يتمسك برئاسة الحكومة، بل هو فـي كل يوم يحاول أن يقدم استقالته، لكنه يتراجع، لأن لديه حس المسؤولية الوطنية، إذ لا تفـيد مع غياب رئيس الجمهورية يجب أن تتقدم إليه دستورياً، ليعكف على تكليف شخصية أخرى، ولكن الشغور الرئاسي يمنع ذلك، وأن الحكومة ولو استقال رئيسها فهي بحكم تصريف الأعمال فـي هذه المرحلة، لأن الحكومة تعتبر مستقيلة عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وانتخاب بديل عنه، أما وأن الإنتخاب لم يحصل، فهي تملأ الفراغ، ولكن لفترة قصيرة، أما وأن الإنتخاب تأخر 14 شهراً، فلا تنفع استقالة رئيسها أو مكونات منها، لأنها لا تغير فـي الواقع السياسي والدستوري، بل تزيد الأوضاع تعقيداً فـي مرحلة دقيقة وخطيرة.
من هنا فإن التهديد الذي أطلقه سلام بالإستقالة، أو الإيحاء الذي أعلنه عنها، جرى تطويق هذه المحاولة دولياً، وزار سفراء دول كبرى رئيس الحكومة منبهين من خطورة مثل هذه الخطوة، كما أن السعودية المتضررة من الإتفاق النووي الإيراني، لم ترَ فـي لبنان الساحة التي يمكن أن تواجهه فـيها، وإن كان صدر كلام كثير وتحليلات عديدة، عن أن زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الى السعودية واستقباله بحفاوة من قبل ملكها بعد أن وطأت قدماه أرضها ودون أن يلتقي مسؤول آخر، لها دلالاتها وعناوينها، ومنها أن المملكة سترد فـي لبنان بالتصعيد ضد «حزب الله»، وأن جعجع سيكون رأس الحربة فـي المواجهة، مع إخراج الحزب من الحكومة باستقالة رئيسها، لكن مصادر جعجع نفت هذه المعلومات، ووصفها هو نفسه فـي إطار التعارف على القيادة السعودية الجديدة التي يرأسها الملك سلمان، الذي نقل عنه جعجع حرصه على الإستقرار فـي لبنان، وهو ما عبّر عنه السفـير السعودي فـي لبنان علي عواضّ العسيري، بأن المملكة لا تسعى الى أي توتير فـي لبنان، ومتمسكة بالحكومة ورئيسها تمام سلام وهو ما ابلغه الى سلام فـي لقائه الاخير به وان بلاده حريصة على الحوار بين اللبنانيين، و بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، حيث شجّع السيد حسن نصرالله، أن يعود الحوار أيضاً بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، والذي بدأ إيجابياً وكاد أن يصل الى خواتيم سعيدة، إلا أن تدخلات حالت دون حصولها، وتمّ تعطيل وصول العماد عون الى رئاسة الجمهورية، والعميد شامل روكز الى قيادة الجيش.
فاستقالة الحكومة أو رئيسها ممنوعة دولياً، وهي خط أحمر فـي هذه المرحلة، لأن استقرار لبنان مرتبط بوجودها وتضم كل مكوناته السياسية، ولن يقوم رئيسها بمغامرة منفردة، لأن تكلفتها عالية جداً على اللبنانيين، لذلك هو وإن فكّر مرات بالإستقالة، لكنه يتوقف عنها، لأن هناك مَن يسأله عن البديل، ويناقشه عن الإفادة منها، لأن لبنان المضمون استقراره دولياً، يجب أن لا يفرّط به، وهو ما يجري أيضاً مع العماد عون الذي استخدم الشارع، ولكنه لا يملك الجواب عن المرحلة المقبلة، وما إذا كان تحركه هو لحرق المركب أو إغراقه، وجميع الركاب فـيه، وهي سياسة «شمشونية» لن يقدم عليها عون الذي يدرك خطورة الأوضاع، والتغيرات التي تحصل فـي المنطقة، لذلك هو فرمل تحرك أنصاره، وفتح باباً للحوار مع الرئيس سلام الذي بات يعلم أن صلاحيات حكومته لم تنتهِ بعد، وأن المرحلة تفرض بقاءها، وأن الأزمات لها حلول على «الطريقة اللبنانية» ومنها النفايات التي حرّكت الشارع ولم تشعله.
Leave a Reply