خليل إسماعيل رمَّال
إحدى معجزات المقاومة العظيمة المهمة فـي لبنان أنها حوَّلت إسرائيل إلى دولة متخاذلة تشبه الكيانات العربية المصطنعة وإعلامها الممثَّل بأحمد سعيد الذي كان مشهوراً بزيف إعلامه، تماماً مثل محمد سعيد الصحَّاف وزير الإعلام العراقي زمن الطاغية صدَّام حسين، حيث كان سعيد مذيعاً فـي راديو «صوت العرب» إبان حرب الأيام الستة فـي حزيران (يونيو) ١٩٦٧، فأوهم الناس أن الجيوش العربية وصلت إلى تل أبيب فـي حين أنَّ العدو كاد يحتل كل عواصم دول المواجهة.
فالكيان الصهيوني لم يكن يتلفظ بنيته العدوانية بل كان يفعل فعلته فـي الخفاء ومن دون إعلان وقرع طبول، كما فعل عندما ارتكب مجزرة مدرسة بحر البقر فـي مصر وكما اعتدى على سوريا وضرب المفاعل النووي العراقي وكما نفَّذ المذابح فـي لبنان مئات المرات الى أنْ جاء عصر المقاومة والإنتصارات فأصبح «يُبَعْبِع» ولا يفعل شيئاً. وهكذا بعد إنجاز الإتفاق النووي مع إيران، أوحى النظام الصهيوني أنَّ الورقة العسكرية لضرب المنشآت النووية الايرانية لا زالت مطروحة، وذلك من أجل التهويل فقط وابتزاز أميركا مالياً وعسكرياً لأقصى الحدود لكنه فـي الواقع أجبن من أنْ يقوم بهذا الفعل فالزمن الأول تحوَّل. وإذا كان العدو مردوعاً من قبل المقاومة اللبنانية وهي ليست دولة (رغم أنها أهم من دولة لبنان التعيس) فماذا سيحل به إذا أغار على إيران، الدولة الإقليمية الكبرى والتي توجه فقط أكثر من ٣٠٠ صاروخ نحو تل أبيب سيؤدي إطلاقها لكوارث بشرية واقتصادية وبيئية ماحقة؟!
إذاً، فأكلاف أي عملية عسكرية إسرائيلية متهورة ضد إيران هي عالية جداً وغير مأمونة العواقب وليست كالمرجلة على موقع للجبهة الشعبية-القيادة العامة مثلاً، ولو كانت سهلة وممكنة لإسرائيل لما توانت ثانيةً واحدةً عن تنفـيذها، كما فعلت عندما دمَّرت المفاعل النووي العراقي رغم إدانة أميركا والعالم لها فضربت بعرض الحائط وأخته وحريمه كل القرارات الدولية. لكن إسرائيل، كأنظمة العرب، أصبحت تتكلم عن خياراتها العسكرية ونواياها فقط من قبيل الجعجعة (السميرية) الإعلامية ومن أجل أخذ المزيد من أميركا. لكن هذه المرَّة يوجد شريف جديد فـي واشنطن هو باراك أوباما، رغم أنَّ فتيلته ليست طويلة معنا بكل الأحوال، ونائبه جون كيري الذي أمضى حياته (٢٩ عاماً) فـي الكونغرس مدافعاً شرساً عن اسرائيل ومصوتاً لصالحها ١٠٠ بالمئة حسب اعترافه الدنيء، وهو الأعلم بمغامراتها غير المحسوبة. من هنا جاء تحذيره لها من مغبة ضرب المنشآت النووية الإيرانية ليس بسبب مصير الإتفاق النووي بل لأنه يحرص على مصلحة إسرائيل أكثر من رئيس وزرائها المهووس المقامر نتنياهو.
ووصل الخلاف بين الجانبين إلى حد استثناء كيري لإسرائيل من زيارته للمنطقة فـي مطلع الشهر المقبل. لذا فنتنياهو ودولته الغاصبة هما اليوم فـي وضع «بالع الموسى». فمن جهة، إذا تمكَّن الكنيست الأميركي من إسقاط الإتفاق النووي، تسقط عندها مصداقية أميركا وتصبح إيران فـي حِلٍّ من التزاماتها وتتحرَّر من العقوبات بقرارٍ من الأمم المتحدة والدول الكبرى التي لن تتخلى عن الإتفاق وستمضي به من دون الولايات المتحدة لأنَّ العالم، الأوروبي خاصةً، تواق لفتح صفحة جديدة مع إيران ليس حباً بسجادها العجمي الرائع، بل لأنه بحاجةٍ اليها لكبح جماح التطرف الوهَّابي والداعشي الذي بدأ يهب على العواصم الشقراء ويجذب فـي طريقه أبناء أوروبا من النساء ليعملن عبيدات فـي الجنس والتجارة بالرقيق، اضافة الى المصالح الاقتصادية الهائلة المشتَرَكة بين العالم وإيران. فحتى لوران فابيوس، الوزير الفرنسي العلوج الذي «علوَج» عليه آل سعود لفركشة الإتفاق فـي فـيينا، كان أول المهرولين إلى طهران الأبية.
ومن جهةٍ، ثانية إذا صمد الإتفاق ولم يتمكن الكنيست الأميركي من إسقاطه فإنَّ العلاقات ستزداد تدهوراً بين دولة الإغتصاب والدولة الراعية لها على الأقل حتى انتهاء ولاية أوباما فـي آخر سنة ٢٠١٦، كما أن فشل اسرائيل سوف يوهن جماعات الضغط لديها فـي واشنطن ويفت فـي عضد مناصريها وقد يأتي اليوم الذي يقف فـيه بعض أصحاب الضمائر فـي الكونغرس (ولا يبدو أنَّ ممثلي ميشيغن منهم، عوضناكم البركة يا عرب أميركا) ويقولوا لا لإسرائيل من دون أنْ تتدمَّر حياتهم السياسية إلى الأبد. وهذا هو الخوف الأكبر عند تل أبيب وهي ترى الأصوات المعترضة على نبأ إطلاق سراح جاسوسها المجرم جوناثان بولارد، بعد ان كانت كل الاصوات تخرس لأن مجرد انتقاد إسرائيل كان يعني معاداة السامية وهي التهمة-المحرقة الجاهزة.
هذا حال العدو أما حال حليفته السعودية فأشد مضاضةً حيث جاءها الظلم من القريب العم سام. لذلك تسعى اليوم لتشديد براغيها فـي لبنان حيث سقت تمَّام سلام حليب الضباع فأخذ «حردة»، تراجع عنها فـيما بعد، بحجة تراكم النفايات فـي بيروت والمناطق، إلى أنْ أعطاه السيِّد حسن نصرالله نصيحة لوجه الله بعدم فرط الحكومة لأنَّ ذلك سيكون فـي غير صالحه وصالح فريقه الذائب. لكن يجب ألا ننسى ان أزمة النفايات هي من صنع الحريرية وقد تكون مفتعلة بالتعاون مع وليد جنبلاط للقوطبة على التحرك الشعبي العوني ولإبقاء سيطرة وحوش المال ولا يمكن حل الأزمة باعتذار بهيَّة الحريري أو دموع السنيورة الذي وعد بحل قضية جبل نفايات صيدا فشفط ١٠ مليون دولار من السعودية، اضافة لسرقة ١١ مليار دولار من أموال الشعب! كان من الأجدى أنْ يستقيل سلام ويفرقنا برائحة غير طيبة مثل بعض النفايات المتغلغلة فـي حكومته، لأن الأزمة هي بسبب فشله الشخصي ومن صنع حلفائه ولا يربِّحنا جميلة بوجوده أو يوحي بلوم العماد عون الذي يحاول تصحيح آلية الحكومة والنظام العاطل. ولقد كان على اللبنانيين غير المخدرين أنْ يحملوا الزبالة ويلقوها فـي بعبدا والسراي وامام بيوت النوَّاب والزعماء الفاسدين الذين يمضون ٩٩ بالمئة من وقتهم فـي أوروبا بعيداً عن الروائح. لكن النفايات البشرية السياسية فـي لبنان هي أشد خطراً من النفايات النووية على البلد. أما النفايات الإعلامية مثل جبري ماهر، واسمه الحقيقي دانيال الغوش من الإقليم، والمتطاول على أشرف الناس وبلغةٍ سوقية يتقيأ بها على «تويتر»، فإلى مزبلة التاريخ.
كلمة اخيرة، المشكلة أنَّ «قرطة حنيكر» التي لا تزال تحمل على المقاومة وتريد تسليم سلاحها لهذه الدولة العاجزة حتى عن رفع أوساخها وحماية مقدم فـي الجيش اللبناني (ربيع كحيل) من جرائم زعران المحلة، فكيف ستقف هذه الدويلة المشوَّهة خُلُقياً فـي وجه إسرائيل؟!
منذ عام تقريباً، حمل عدد من المواطنين الأوكرانيين الغاضبين نائباً فـي البرلمان الأوكراني وهو فـيتالي زوراسكاي، ورموه فـي حاوية نفايات، لسبب بسيط حول صياغة مشروع قانون. أما فـي بئس الوطن، رمى متظاهرو «طلعت ريحتكم» (حتى هذا التحرك بلا بركة فـي شبه الوطن حيث يحاول الزرقاويون إقحام إسم «سرايا المقاومة» لأسباب مذهبية وشد عَصّب الجمهور المستقبلي الغاضب) ببعض الزبالة على سيارة وزير ميشال الخشبي، رشيد درباس، احتجاجاً على سياسة الحكومة، فقامت قيامته وأودع الناشط طارق الملاح وثلاثة من رفاقه فـي سجن «المعلومات» بعد أنْ هدده بأخذ حقه بيده منه شخصياً(!) ولا يُعلَم مصير طارق وزملائه حتى الآن، فكيف إذا رمى الناس درباس ومتراس ونسناس مع كل وحوش الطبقة السياسية المعفنة والنظام الوسخ فـي الزبالة؟! هكذا تحل كل أزمات لبنان! بوركت أيدي الأوكرانيين التي هي أول ما نحتاج لاستيرادها فـي مسخ الوطن.
Leave a Reply