سارع مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) الأسبوع الماضي الى نفـي تقارير إعلامية عن قيام طائرة مراقبة تابعة للوكالة بطلعات تجسسية تستهدف الجالية العربية والمسلمة فـي ديربورن، مؤكداً على لسان المدير المسؤول عن مكتب ديترويت، بول أباتي، بأنه ليس لدى السلطات الفدرالية علم بأي تهديد ارهابي محدد أو ذات مصداقية فـي المنطقة.
تطمينات الـ«أف بي آي» هذه تأتي فـي ظل استمرار التقارير التي تروج لصورة قاتمة عن ديربورن بأنها وكر للإرهابيين، رغم أن هذه المدينة التي يقطنها حوالي ٩٨ ألف نسمة هي واحدة من أكثر المدن ترحيباً وانفتاحاً وازدهاراً فـي المنطقة.
على الأقل هذا ما ألمح اليه تقرير «ديترويت نيوز» حول طائرة «السيسنا» التي تقصدت ديربورن أكثر من غيرها، فخرجت الصحيفة باستنتاج أنها تراقب إرهابيين لمجرد أن ديربورن هي موطن كثافة للعرب والمسلمين.
«ديترويت نيوز» لا تغرد وحيدة، ولا شك أنها أقل عدائية من غيرها.
محطة «فوكس نيوز» ومشاهدوها مثلاً، يطلقون الكذبة ويصدقونها كحقيقة مطلقة. يؤمنون بأن هناك معسكرات تدريب للإرهابيين فـي مدينة ديربورن، لكن هذه الأسطورة الخيالية الملفقة تحظى -للأسف- بالقبول حتى بين سكان مترو ديترويت الذين لا يبعدون سوى بضعة أميال عن المدينة، فما بالكم بشخص يعيش فـي ولاية فلوريدا أو تكساس على سبيل المثال.
إن الهذيان المتعلق بقوانين الشريعة ومعسكرات تدريب الارهابيين فـي ديربورن، لم يأت من متعصبين متخيِّلين أو يعيشون على الهامش ويقتاتون على العنصرية، بل هو نتاج السياسات الفدرالية وحملات الوسائل الإعلامية التي تتقصد تشويه سمعة العرب والمسلمين.
هي بالضبط تتآتى أيضاً من ثقافة الخوف التي زُرعَت بعناية فأينعت حقداً وخبثاً من شبكات كراهية العرب والإسلام. والسياسيون من كلا الضفتين الحزبيتين يتحملون المسؤولية أيضاً، وخاصة اليمين المتطرف فـي ترسيخ ذلك الأيهام.
ومن المثير للسخرية أن الجمهوريين المتشددين، الذين يقودون عموماً زيف الادعاءات الكاذبة حول ديربورن عقدوا مناظرتهم الرئاسية هنا فـي المدينة فـي عام ٢٠٠٧.
نحن واثقون بأنه لا يوجد ما يستدعي المراقبة والتمحيص والاستطلاع والتجسس فـي ديربورن. نحن جالية ملتزمة بالقانون ومؤلفة من مواطنين أميركيين ناجحين فـي مجالاتهم المهنية المتعددة. ليس لدينا ما نخفـيه وعليه فإنه لا يجب أن يعني منح الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية على أنواعها لاستهدافنا بشكل جماعي والتدقيق فـي كل شاردة وواردة تتعلق بشعبنا. نحن نتمسك بحقوقنا المتعلقة بالخصوصية وحرية التعبير التي يكفلها الدستور.
إن مما يهون علينا وقع الخبر، تعهد مكتب التحقيقات الفـيدرالي بأن المكتب لم يكن يستهدف الجالية ونثمن استجابة الوكالة السريعة للتعاطي مع القضية الحساسة بنفـي المزاعم التي عززتها مؤخراً «ديترويت نيوز» حول استهداف ديربورن بسبب الجالية العربية والمسلمة فـيها.
فالعميل الخاص المسؤول عن مكتب «أف بي آي» فـي ديترويت، بنى صداقة حقيقية مع جاليتنا وكان يحضر مناسباتنا ويشاركنا الخبز والملح. وبالتالي نحن لا نجد فيه أي سبب يستدعينا إلى عدم الثقة به.
لكن مكتب التحقيقات الفـيدرالي بشكلٍ عام هو ليس بول أباتي فقط، ولديه تاريخ من التنميط العرقي ومراقبة المعارضة السياسية. ففـي مرحلة ما بعد هجمات ١١ أيلول (سبتمبر)، وضع المكتب شباناً مسلمين خلف القضبان بتهم تتعلق بالإرهاب بعد توريطهم من قبل عملاء سريين.
هنا فـي ديربورن، أقنع مخبر للوكالة أحد الشبان بالانضمام إلى «حزب الله» فـي حربه بسوريا للإيقاع به من أجل ادانته والحكم عليه.
نحن نثق بمكتب «أف بي آي» المحلي فـي ديتروبت، ولكن حالنا مثل حال الرئيس الراحل رونالد ريغان عندما أكد ذات مرة: «ثق ولكن تحقق».
لذلك نطالب بالمزيد من التوضيحات عن هذه الطلعات الجوية عندما يُنجز التحقيق فـي الموضوع. كما ان الإفراج عن اللقطات التصويرية التي جمعتها الطائرة بدون طيار (درون) من شأنه أن يضع حداً للمزاعم بأن ديربورن كانت الهدف.
ومن أجل طمأنة جيراننا بأنه لا يوجد شيء خاطئ فـي مدينتنا، ينبغي على «أف بي آي» دعم وتعزيز بيانها بالوثائق والادلة بأنها لا تستهدف العرب والمسلمين.
حقيقة أن الشرطة فـي ديربورن لم تكن على علم بنشاط الوكالة الأمنية الفدرالية وهو بحد ذاته مشكلة. فعدم التعاون بين وكالات حفظ القانون والنظام العام يؤدي إلى سوء الفهم وإثارة الشبهات.
إنَّ تقرير صحيفة «ديترويت نيوز» كان تضليلياً بوضعه إسم ديربورن ليتصدر عنوان التقرير رغم أنه يحتوي معلومات عن خط سير الطائرة التي حلقت فوق مناطق مختلفة من مترو ديترويت. كما أن الطائرة حلقت أيضاً فـي الجزء الجنوبي الغربي من المدينة مراراً وتكراراً أي فوق منطقة تقطنها أغلبية من غير العرب.
كذلك تُعتبر وسائل الإعلام المحلية مذنبة لتكريسها المفاهيم الخاطئة حول ديربورن. والدليل على ذلك انه عندما زار المدير العام لوكالة التحقيقات الفدرالي، جيمس كومي، ديترويت فـي العام الماضي، سأله العديد من الصحفـيين المحليين عن ديربورن، ملمحين بذلك أن العرب الأميركيين يشكلون عبئاً على الأمن القومي.
وبعد لحظات من نشر التقرير الأخير فـي «ديترويت نيوز» عن طائرة الاستطلاع، بدأت التعليقات المعادية للمسلمين تغرق الشبكة العنكبوتية.
«من الواضح، ان ديربورن هي عراق صغير. لربما فـيها عدد قليل من الخلايا الصغيرة تعشش هناك»، ورد فـي احدى التعليقات على صفحة «ديترويت نيوز» على «الفـيسبوك».
تعليق آخر وصف المدينة بأنها «أكبر جيب إرهابي من جانب إيران والشرق الأوسط». وعلق مستخدم آخر بالقول ان ديربورن «قنبلة موقوتة تنتظر فقط إشارة التفجير».
وأنحت تعليقات لا تعد ولا تحصى باللائمة على صحيفة «ديترويت نيوز» لأنها «حذرت إرهابيي ديربورن ولفتت نظرهم إلى عمليات تجسس مكتب التحقيقات الفدرالي».
كراهية الأجانب تشكِّل عاملاً خطيراً فـي المجتمع المدني والنسيج الوطني فـي بلد بناه المهاجرون. ووصم ديربورن بالإرهاب والتهم الاخرى المشينة، وهي من كل ذلك براء وتكريسها سوف يؤدي إلى تأجيج نار الحقد والكراهية التي قد تتحول يوماً ما الى أعمال عنف تستهدفنا فـي مدينتنا.
اننا ندعو جيراننا فـي المدن القريبة الذين يخشون من ديربورن أن يأتوا إلى مدينتنا المسالمة الطيبة كأبنائها، وان يتفضلوا على موائدنا السخية فـي مطاعمنا الشهية، ويتسوقوا من محلاتنا العامرة بكل انواع المنتجات والسير فـي أحيائنا الودية والصدوقة. نحن نؤكد لهم انهم لن يجدوا سوى الطعام اللذيذ والثغور الباسمة والوجوه المرحبة وكرم الضيافة العربية.
Leave a Reply