علي حرب – «صدى الوطن»
انتخابات المندوبين التمهيدية فـي ولاية أيوا لن تعقد قبل شهر شباط (فبراير) من العام المقبل، ولكن هذا الموعد البعيد نسبياً لا يعني ان الانتخابات الرئاسية ليست حامية الوطيس منذ الآن. فالجمهوريون عقدوا أولى مناظراتهم التي نجم عنها بروز الشخصية التلفزيونية وحوت المال والعقارات دونالد ترامب كمرشح مرجح يتقدَّم على زملائه حالياً، وفقاً لاستطلاعات الرأي العام المتعددة.
المرشحون الجمهوريون خلال مناظرتهم المتلفزة يوم الخميس الماضي على شبكة «فوكس». (رويترز) |
ترامب، الذي يعني اسمه بالعربية الورقة الرابحة، هو رجل أعمال لم يُنتَخَب قطّ فـي موقع عام من قبل، يجذب الأضواء إلى السباق الجمهوري أينما حل ربَّما بسبب غرابة أطوار شخصيته ومواقفه الفجة الصريحة جداً والتي يراها بعض الناخبين واقعية لا تحمل الالتباس المغلف كما فـي مواقف السياسيين الآخرين. فتجاهله لأصول اللياقة السياسية، وعدم اعتذاره عن التعليقات الهجومية قد أكسبته الاهتمام ولكن أيضاً ألقت ظلالاً من الشك حول قدرته على التعامل مع المنصب الأقوى فـي العالم أجمع. ردود فعل العرب الأميركيين الذين قابلتهم «صدى الوطن» كانت متباينة حول ترامب. ولكن حتى النشطاء الذين يختلفون مع وجهات نظره أقروا بأن له صفات محببة.
ففـي نفس الوقت الذي أعلن فـيه ترشيحه الشهر الماضي، ادعى ترامب ان المكسيك «ترسل حثالة شعبها عبر الحدود الى الولايات المتحدة». وقال «انهم جلبوا لنا المخدرات والجريمة. انهم مغتصبون».
وقال خالد بيضون، أستاذ القانون فـي «جامعة باري» فـي أورلاندو، بولاية فلوريدا، «يهدف خطاب ترامب المتركز على المهاجرين غير الشرعيين لتجنيد شريحة قوية فـي مجتمعنا تحمل كراهية للأجانب». وأضاف بيضون أن «هناك مشاعر معادية للاتينيين الذين يكثر أعداؤهم بسرعة هائلة، وبعض الأميركيين يخلطون بين المجتمع المكسيكي والمهاجرين الذين يعبرون الحدود بطريقة غير مشروعة». وخلال المناظرة الجمهورية، بدا جيب بوش كأشد المرحبين بالمهاجرين، فدعا لتعزيز أمن الحدود لكنه قال «يجب أن يكون هناك مسار طبيعي ليحصل المهاجرون غير الشرعيين الذين هم موجودون هنا بالفعل على تسوية اوضاعهم القانونية».
«كان جيب بوش حاكماً لفلوريدا، وهي ولاية ذات تركيبة سكانية لاتينية كبيرة»، أفاد بيضون. وأردف «تدرب على التحدث أكثر بمدنية وببعد استراتيجيي حول الهجرة».
وانتقد بيضون السياسيين لعدم تطرقهم لسياسات الولايات المتحدة فـي أميركا الوسطى والجنوبية فـي سياق النقاش حول الهجرة غير الشرعية. واستطرد بالقول «يجب على المهاجرين الالتزام بالقوانين السائدة، لكن لا يمكنك تمييز القوانين الأميركية عن السياسة الأميركية. السياسات الأميركية، بما فـي ذلك اتفاقية «نافتا» (اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية)، أدت إلى حرمان وإفقار أفقر الفقراء فـي أماكن مثل المكسيك وبنما وهندوراس، فالناس لم يتمكنوا من العثور على عمل ولا خيار لديهم إلا الهجرة شمالاً».
ولم يتحدث المرشحون الجمهوريون، الذين هم فـي المقدمة، عن العرب والمسلمين فـي الولايات المتحدة بشكل سلبي، على الرغم من التهويل المتزايد عن المسلمين الذي يشنه اليمين الأميركي.
وأشار بيضون إلى «أنَّ موضوع الجالية المسلمة سيأتي فـي سياق الخوض بموضوع الأمن ولأن المرشحين الجمهوريين يقفون على مقربة من هذا الموضوع، فإنَّ التصريحات عن المسلمين الأميركيين قد لا تطفو على السطح حتى قرب موعد الانتخابات العامة». غير انه توقع «أن ينجذب المرشحون نحو نموذج ترامب المتطرف كلما حمي السباق».
وعلى الرغم من انتقاصه وانتقاده الشديد لترامب، تفهم بيضون سر جاذبيته للناس. وتابع «أنا لا أتفق مع مواقفه السياسية، ولكن لديه الكثير من الصفات المنعشة ويقول ما يدور فـي ذهنه. ويبدو صريحاً لدرجة انعدام الحساسية».
شخصية إعلامية
وقالت مايا بري، رئيسة المعهد العربي الأميركي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، ان فرص ترامب فـي تأمين ترشيحه عن الحزب الجمهوري ضئيلة، على الرغم من شعبيته الواضحة.
واستدركت بالقول «أن هناك انفصاماً بين ترامب والناخبين الجمهوريين التقليديين الذين سوف يقبلون فعلاً على الانتخابات. ترامب هو شخصية إعلامية، ويحمل اسماً معروفاً، وهو يمشي متقمصاً شخصية معينة تلعب دورها بشكل فعال خلال هذه الفترة».
وأضافت بري «وضع ترامب إصبعه على شعور عدم الرضا الذي يكنه الناس حول التوجه الذي تسير به البلاد، لكنه لن يكون قادراً على الحفاظ على هذا الزخم. كما أنني لا أعتقد أنه يمكن أن يترجمه إلى مرشح قادر على الفوز فـي الانتخابات العامة وأنا لا أعتقد أنه يمكن أن يترجم ذلك إلى عملية ميدانية يمكن أن تفوز فـي المؤتمرات الحزبية أو الانتخابات التمهيدية». ووصفت مساهمة ترامب فـي النقاش حول الهجرة بأنه «شاذ وغريب».وأن «تصريحه بأن المكسيك ترسل المغتصبين إلى الولايات المتحدة وغيرها من التعليقات المشينة أطلقها لكي يتصدر العناوين».
وواصلت بالقول «انه يقوم بتحديد ما هو الخطاب الأكثر غرابة واثارة للجدل والذي يمكن أن يلفت الانتباه أكثر، فـيقوم باعتماده»، وشككت فـيما إذا كانت هناك أي قيمة سياسية ذات مغزى لتصريحاته. والمعهد العربي الأميركي متخصص فـي جمع البيانات عن العرب الأميركيين فـي جميع أنحاء البلاد.
وذكرت بري أن «هناك عرباً أميركيين متحمسون فـي دعم مجموعة من المرشحين فـي السباق الرئاسي. ويواصل جيب بوش الحصول على الدعم لأن عائلة بوش تتلقى تقليدياً الدعم من قبل الجمهوريين العرب الأميركيين وأنا أعرف أن هناك أناساً فـي ولاية أوهايو سعداء جداً بدخول «حاكم ولاية أوهايو» جون كاسيك إلى حلبة هذا السباق».
ومضت للقول «أن نحو ثلث العرب الأميركيين يعتبرون أنفسهم مستقلين ويدعمون بشكل عام المرشح، وليس الحزب السياسي. وعادةً ما يبلي مرشحو الحزب الجمهوري بلاء حسناً بين الناخبين العرب غير الحزبيين مما يضع راند بول فـي الصف الأول من حيث الشعبية بين العرب الأميركيين».
الجمهوريون العرب المؤيدون لترامب
تزدحم الانتخابات التمهيدية للجمهوريين بوجود ١٧ مرشحاً، مما استدعى تقسيمهم إلى قسمين فـي المناظرات، اختيار المرشحين العشرة الأوائل للمشاركة بالمناظرة الأبرز.
وقال الناشط الجمهوري العربي الأميركي بول صوفـيا، الذي رشح نفسه لمقعد نيابي فـي الولاية عن مدينة ديربورن فـي العام المقبل، «إنه لأمر إيجابي أن نرى هذا العدد الكبير من المرشحين، مما يظهِر نكهات الحزب الجمهوري المختلفة».
وذكر« ونحن ندخل فـي هذا الأتون يمكن ان تكون المناقشات ودية، ويمكن أن تكون تقدمية ولكن كل الأفكار بحاجة إلى أن تُسمع فـي نهاية المطاف».
ولاحظ صوفـيا بروز ثلاثة مرشحين كخيارات أكثر جدية بعد المناظرات – راند بول، جون كاسيك وكارلي فـيورينا، المديرة التنفـيذية السابقة لشركة «هوليت باكارد». فـيورينا لم تشارك فـي المناظرات الاساسية لكنها استحوذت على عناوين الصحف بعد ادائها المتميز فـي النقاش مع آخر سبعة مرشحين.
وأوضح صوفـيا ان بول يقدم نفسه على أنه نوع مختلف من الجمهوريين، فـي حين أن كاسيك وفـيورينا لديهما العزيمة والخبرة اللازمة للقيادة.
ورداً على سؤال حول ترامب، ابتسم صوفـيا على الفور وقال «ان الميلان نحو ترامب يعود الى نهجه المختلف والشهرة وإنجازاته الشخصية كرجل أعمال». واردف «جزء من ذلك هو الفضول ولقد وضع إصبعه على وتر حساس داخل الحزب لكنه سيخضع للمزيد من التمحيص كلما ازدادت الاضواء الإعلامية تسليطاً عليه كغيره من المرشحين الآخرين، وهذا ما سيكشف الفروقات الدقيقة فـي نظري والتي ستنجم عنها دورة حياة قصيرة». لكن الناشط الجمهوري لم يستبعد فرص ترامب فـي تأمين ترشيحه للحزب.
نيك حواتمة، الذي ترشح لمجلس نواب ميشيغن العام الماضي ولم ينجح، يدير النقاش حول السباق الجمهوري على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
«كاسيك قريب جداً وهاديء ولديه سجل ناصع لكي يترشح على أساسه»، كتب حواتمة فـي ٦ آب (أغسطس) الماضي، حواتمه مشيداً بحاكم ولاية أوهايو.
لكن الناشط الجمهوري العربي الأميركي ليس من محبي ترامب. وقد غرد بهذا الصدد بالآتي «أوهام أوهام ومزيد من الأوهام». ووضع هاشتاغ «#DonaldTrump #debate»، أثناء المناظرة. ويختلف البعض مع رأي حواتمه من بينهم الناشط البارز فـي الجالية العربية الأميركية علي جواد، وهو جمهوري منذ زمن طويل، الذي عبر عن إعجابه بصراحة ترامب غير التقليدية ونهجه فـي السياسة.
وبمشاهدة ٢٤ مليون متفرج على للمناظرة يوم الجمعة الماضي، صنفها المحللون بأنها أكبر مناظرة أولية شوهدت فـي التاريخ. ونسب جواد الفضل الى ترامب للاهتمام غير المسبوق بالنقاش السياسي. وأردف «بسبب دونالد ترامب، حطم المشاهدون الرقم القياسي. فـي السنوات الماضية، كان النقاش الذي يدور بين أكثر من أربعة أشخاص منفر. الجميع كانوا يجترون نفس الشيء لعقود وسنوات. لكن دونالد ترامب كان عنده شيء جديد ليقدمه».
ومن دون التعهد بدعم لترامب، وصف جواد رجل السياسة القادم من عالم المال والاعمال والعقارات بأنه غريب على المؤسسة الحزبية «واشنطن معطوبة، وربما تحتاج إلى شخص من الخارج لاصلاحها». منذ انتخابات العام ٢٠٠٠، دعم العرب الأميركيون بأغلبية ساحقة المرشحين الديمقراطيين. وأوضح جواد أنه لا يزال من المبكر جداً بالنسبة للأميركيين العرب اختيار مرشحهم، و«لكن إذا بقي ترامب صامداً فـي السباق، ربما ينبغي لنا أن نعطيه فرصة».
وختم جواد بالقول «أن خطاب ترامب غير مصقول ومن دون رتوش لأنه ليس سياسياً تقليدياً، ولهذا السبب يطلق فـي بعض الأحيان مواقف تبدو فجة وغير حساسة».
Leave a Reply