نبيل هيثم – «صدى الوطن»
يبدو ان ترتيبات ما بعد الاتفاق النووي فـي فـيينا تسير بوتيرة سريعة. حراك ديبلوماسي مكوكي شهدته الايام الاخيرة على خط طهران – دمشق « موسكو » الرياض، فـيما عادت الانظار متجهة الى مسقط، التي يحاك خلف اسوار قصورها نسيج تسوية سورية، تماماً كما حيكت هناك، قبل عامين او اكثر سجادة تسوية نووية بين ايران والغربيين، وما زالت تحاك فـيها كذلك تسوية يمنية.
ليس الحراك الديبلوماسي على تلك الخطوط، وبينها، مجرّد محاولات جديدة لحل سوري، فشل مرّة واثنتين فـي جنيف، لتتكشف بين جولة تفاوضية واخرى تعقيدات ميدانية، صار من الصعب فـيها تحديد من يحارب مَن فـي الصراع المفتوح، الذي بدأ العد العكسي لعامه السادس.
وليست الجولات المكوكية التي يقوم بها نجم الديبلوماسية الايرانية بين عواصم الخليج، وبيروت ودمشق، ومن ثم موسكو ونيودلهي واسلام اباد – الى جانب زيارة تركية «مؤجلة» – مجرّد زيارات جس نبض، مع دخول العلاقات بين الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة مرحلة «السلام النووي».
وليس تكرار الموقف الروسي المبدئي من الازمة السورية، مجرّد موقف خطابي من قبل الرئيس فلاديمير بوتين، يردد صداه بقوة، رئيس ديبلوماسيته الصلب سيرغي لافروف، لمقارعة الاميركيين، فـي خضم ما يشبه «حرب باردة» بين العملاقين اللدودين.
كذلك، ليس الموقف التركي المتجدد من مشروع المنطقة «الآمنة»، او بالاصح العازلة، فـي شمال سوريا، واعلان رجب طيب اردوغان الحرب الشاملة على الاكراد، مجرّد استفاقة متأخرة على مشروع سعى «السلطان» العثماني المكسّر الاجنحة لتحقيقه منذ بدء الصراع الدامي فـي سوريا.
كل هذا الحراك الديلوماسي، والتصعيد الميداني على امتداد اراضي سوريا، يوحي بأن امراً ما يحضّر خلف كواليس الدبلوماسية.
ولم يعد خافـياً ان الديبلوماسية الايرانية قد حسمت امرها فـي طرح مبادرة، مدعومة من روسيا، ومقبولة من حيث المبدأ من قبل الرئيس بشار الاسد، لمرحلة انتقالية ينتقل فـيه الصراع الداخلي بين الدولة السورية والفصائل المسلحة، والحرب بالوكالة بين ايران وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والخليجيين من جهة ثانية، الى «جبهة موحدة» ضد الارهاب، بانتظار تحديد مكوّناته، والاجابة على سؤال محوري، ما اذا كان مقتصراً على تنظيم «الدولة الاسلامية»، الذي يبدو انه ادى وظيفته اميركياً وخليجياً، والى حد ما تركياً، ام انه سيشمل فصائل جهادية اخرى فـي مقدّمتها «جبهة النصرة».
تلك المبادرات التفاوضية، التي بدأت تتدفق على الصراع السوري، ليست وليدة اليوم، فجوهرالمبادرة الايرانية ينطلق فـي مقاربة طرحتها روسيا، عبر رئيسها فلاديمير بوتين ورئيس ديبلوماسيتها سيرغي لافروف، لتشكيل تحالف اقليمي ضد الارهاب، يشمل ايران والسعودية فـي آن واحد، خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لموسكو.
يومها، قال كثيرون ان هذا الطرح ربما هو مجرّد مناورة سياسية او هذيان بضع زجاجات فودكا احتساها «قيصر» الكرملين. والواقع ان هذه المقاربة كانت قبل اشهر تفتقد الى الواقعية السياسية. لكن الموقف الروسي بدا حاسماً ازاءها، حتى ان حماسة الديبلوماسية الروسية تجاه هذا الطرح دفع الى تسويقه بجدّية.
ويبدو ان الروس قد انطلقوا فـي مقاربتهم هذه من يقين بأن الاتفاق النووي آت لا محال، وان ترتيبات سياسية ستترتب عليه، لجهة فك العزلة الدولية عن ايران، بما يجعلها لاعباً اساسياً فـي الشرق الاوسط، وبرضى الاميركيين، الذين اختاروا التطبيع التدريجي مع الجمهورية الاسلامية، وفق منطق «خطوتان الى الإمام.. خطوة الى الوراء»، على حساب حلفائهم التقليديين، والسعوديين تحديداً.
هكذا، ايقن الروس ان الاتفاق النووي سيعيد خلط الاوراق على مستوى لعبة النفوذ فـي الشرق الاوسط، وان الرئيس الاميركي باراك اوباما، سيكون مضطراً، مع بدء العد التنازلي لولايته الرئاسية الثانية، الى اتخاذ اجراءات غير مسبوقة، يسجل له التاريخ على اثرها مأثرة الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة دونما اهدار لقطرة دم واحدة من جنوده، خلافاً لسلفه جورج بوش الابن، الذي لن يذكر التاريخ له سوى تكبيل الاميركيين بهزيمة الحروب.
وعلى هذا الاساس، فإن المقاربة الروسية قد شكلت منطلقاً للحراك الديبلوماسي الايراني المستجد، والذي يجول فـيه محمد جواد ظريف على العواصم الاقليمية، لترويج المبادرة الرباعية النقاط، لتحقيق حل سلمي للازمة السورية.
كذلك، فقد ادرك الروس، منذ البداية، ان الولايات المتحدة، وفـي ظل المتغيرات الجارية فـي الميدانين السوري والعراقي، ومن ابرز تداعياتها دخول الحرب الغربية على «داعش» عامها الثاني، دون تحقيق اي انجاز يذكر، ربما ستكون مضطرة للبحث عن مخرج توافقي لحسم الحرب على الارهاب، تشارك فـيه ايران، التي اظهرت بأساً فـي قتالها للتنظيم المتشدد فـي العراق، وسوريا، التي يحارب جيشها منفرداً كل صنوف التنظيمات الارهابية، وروسيا، التي امتلكت خبرة طويلة فـي قتال التنظيمات الجهادية فـي الشيشان قبل عقد من الزمن، والسعودية، التي دعمت الجهاديين بالمال والعتاد طوال السنوات الماضية.
وبذلك، يمكن القول ان الروس قد انتصروا فـي معركة تثبيت واقعية طرحهم، الذي يتخذ منحى سياسياً، من خلال المبادرة الايرانية المذكورة.
ولكن خلافاً للاجواء التفاؤلية، التي يطرحها البعض، فـي كل مرّة تحط فـيها طائرة محمد جواد ظريف فـي هذا المطار او ذاك، وفـي كل جولة محادثات تجرى فـي طهران او موسكو او مسقط او جدة، فإن هذا المخاض العسير للحل المفترض، محكوم بجملة عوامل وتموضعات سياسية وميدانية من شأنها ان تجهض المولود الجديد قبل ان يبصر النور.
وعلى مستوى التموضعات السياسية، يبدو واضحاً ان السعوديين ما زالوا مصرّين على التعنت ازاء ازمات المنطقة العربية بشكل عام، وتجاه الجار الايراني بشكل خاص، وهو ما عكسته مؤخراً تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي لم يستطع هذه المرة استخدام العبارات الديبلوماسية لتغطية الخلاف العميق بين المملكة النفطية والعملاق الروسي.
ويبدو بذلك ان السعوديين لم يحسنوا فهم الرسالة الايرانية فـي اليمن، حيث تمكنت قوات الرئيس المتراجع عن استقالته عبد ربه منصور هادي من السيطرة على عدن واجزاء واسعة من ذمار، بدعم من «التحالف السعودي»، فـي تطور ميداني مفاجئ، يرى كثيرون انه لم يكن ليتم لو اصرّت الجمهورية الاسلامية على عكس ذلك.
ومن ناحية ثانية، فقد بدا واضحاً ان ثمة طرفاً يرى فـي الحل الروسي خطراً على مصالحه الحيوية، والمقصود بذلك تركيا، التي كان مفاجئاً قيام رئيسها رجب طيب اردوغان بانهاء شهر العسل الطويل مع تنظيم «الدولة الاسلامية»، واتخاذه قراراً خطيراً بفتح الحرب على الاكراد قبل اسابيع قليلة من الموعد المفترض للانتخابات التشريعية المبكرة (فـي حال فشلت المفاوضات بين «حزب العدالة والتنمية» وباقي اطياف المعارضة)، وتجديد مسعاه للمنطقة العازلة على الحدود التركية-السورية.
وليس بعيداً عن الاصطفافات السياسية، فإن التموضعات الميدانية تبدو اكثر تعقيداً. واذا كان الكل منهمكاً فـي سبل حسم المعركة الصعبة ضد «الدولة الاسلامية»، فإن بروز ما يزيد على الف مجموعة مسلحة فـي سوريا، نصفها من التنظيمات الجهادية، يفتح الباب امام تساؤلات من قبيل: هل يكفـي توحيد المعارضة السورية وفصائلها المسلحة فـي تثبيت الحل السياسي ميدانياً؟!
المبادرة الإيرانية
نشرت وكالة «فارس» الايرانية المقربة من الحرس الثوري، تفاصيل المبادرة الإيرانية بخصوص سوريا، التي عرضت للتشاور على كل من تركيا وقطر ومصر ودول أعضاء مجلس الأمن، مع استثناء السعودية.
وبحسب «فارس»، فإنّ البند الأول من المبادرة يتضمن الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
اما البند الثاني فـيدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
والبند الثالث فـي المبادرة يتضمن إعادة تعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفـية فـي سوريا، فـي حين يدعو البند الرابع إلى إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين.
المبادرة الروسية
دخلت موسكو على خط الأزمة التي تعصف بدول الشرق الأوسط، والمتمثلة فـي الانتشار غير المسبوق للجماعات الإرهابية.
وفـي هذا الاطار، برزت قبل اسابيع دعوة روسية إلى إقامة تحالف إقليمي موسع لمحاربة تنظيم «داعش»، فـي الوقت الذي أثبتت فـيه الأحداث أن التحالف الأميركي لم يثبت فاعليته حتى الآن.
المبادرة الروسية اطلقها الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، حين قال، خلال استقباله وزير الخارجية السوري وليد المعلم، فـي 29 حزيران الماضيان «مكافحة الإرهاب بشكل فعال تتطلب حشد جهود كل دول المنطقة»، لافتاً إلى أن «دول المنطقة أعربت عن استعدادها للمساهمة فـي مواجهة هذا الشر»، وأنه «من البديهي أن تظهر مع الجيران من وقت لآخر خلافات
وحالات سوء تفاهم ومشاكل تحمل طابعا آنيا، لكن لا شك أنه من أجل محاربة الشر الذي يهدد الجميع من الضروري توحيد الجهود».
اللافت للنظر والذي اعتبره العديد من المراقبين، محاولة من موسكو لتشكيل تحالف ربما يشمل أضاداداً، حيث خرجت التشكيلة الأولية التي اقترحتها روسيا، دول (سوريا والسعودية والأردن وتركيا)، وهي الدول التي تقع فـيما بينها العديد من الإشكاليات والخلافات الدولية- عارضَةً تقديم المساعدات لهم فـي ذلك التحالف.
مقترح التحالف الذي يضم عددًا من الإخوة الأعداء، فتح العديد من التساؤلات حول فرص نجاحه، كونه يضم دولة مثل المملكة العربية السعودية التي كانت تكن كل العداء للدولة السورية إلى الدرجة التي أشارت تقارير إلى أنها ضالعة فـي تمويل ودعم بعض الجماعات المسلحة فـي سوريا، فضلاً عن تركيا التي تدعم بشكل مباشر الجماعات الإرهابية فـي سوريا. ولكن تطوّر الاحداث، واقتراب الخطر «الداعشي» من السعودية وتركيا، ربما يعيد خلط الاوراق
Leave a Reply