كمال ذبيان – «صدى الوطن»
التوصيف الذي أطلقه النائب وليد جنبلاط ولو بأسلوبه التهكمي، أنه أصبح «الزبّال الأول» فـي لبنان، بعد أن أعلن فـي العام 2005، أنه ينوي أن يتقاعد من السياسة والزعامة ليكون «زبالاً فـي نيويورك»، هو التعبير الدقيق عن السياسة وأربابها، والطبقة الحاكمة من كل الإتجاهات السياسية والحزبية، التي أوصلت البلاد الى هذا الإنحدار الأخلاقي والقيمي أولاً وقبل كل شيء، لأن السياسة أخلاق ومبادئ، ورجل السياسة هو مَن يتحلّى بهذه القيم التي على كل مواطن أن يتشبّع بها ويتربّى عليها، فكيف إذا كان فـي موقع المسؤولية ويقع عليه نهوض المجتمع والتقدم به والإرتقاء بالوطن الى مستوى الدول المتقدمة والتي يتم فـيها تداول السلطة بطرق ديمقراطية التي تعني حكم الشعب الذي عليه أن يسائل حكامه، ويحاسب ممثليه فـي مجلس النواب.
فأزمة النفايات فضحت الإدارة السياسية للبنان، بقواها 8 و14 آذار ومن يدعى الوسطية، وعرّت النظام السياسي الذي يتّخذ من الطائفـية حماية لأركانه، وقد كان الرئيس نبيه برّي صريحاً وقاسياً على نفسه أولاً، وفـي عملية نقد ذاتي جريئة، إذ قال إن الطائفـية هي التي تحمينا فـي مراكزنا ومواقعنا، لولاها لكان الشعب انتفض ضدنا، ولكنه كان رؤوفاً معنا، يقول الرئيس برّي ويشكر صمت اللبنانيين عن مَن هم فـي السلطة وهو منهم، والذي بات على يقين أن لا حلّ لأزمات لبنان مع بقاء الطائفـية السياسية فـي نظامه.
والوضع اللبناني وصل الى القعر، مع تراكم الأزمات على الشعب، الذي يعاني من الإنقطاع الدائم للكهرباء والتي لا حلول قريبة لها، بالرغم من الدراسات التي وُضعت والقرارات التي أتّخذت، والتلزيمات لبناء معامل إنتاج جديدة، وتأهيل المعامل الموجودة، وتحوّلت الدولة الى مشترك كما المواطن فـي مولدات الكهرباء وبفاتورة شهرية عالية، إذ حضرت باخرتان تركيتان لتزويد معملي الجية والذوق بالكهرباء لإجراء إصلاحات عليهما، ولم تحل المشكلة المزمنة للكهرباء التي مرّ 25 سنة على انتهاء الحرب الأهلية ولم يعد التيار الكهربائي 24 ساعة على 24، كما وعد وزير الطاقة والمياه السابق جبران باسيل قبل أكثر من عامين، أن يكون التنفـيذ فـي صيف 2015، ليأتي والحرارة مرتفعة جداً، مع انقطاع مستمر فـي الكهرباء، دون أن يحرك أي من المسؤولين ساكناً، سوى وعود من المؤسسة بأن تتحسن التغذية لساعات أكثر، مبررة سبب الإنقطاع بعدم تأهيل المعامل والمدة التي استخدمت فـيها، ثم الى وجود شبكة قديمة، والهدر فـي التيار، وعدم تنفـيذ مشاريع الإصلاح التي وُضعت بسبب الخلافات السياسية والمحاصصات، وتحميل كل طرف مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الكهرباء التي تتحمل الخزينة أعباءها السنوية بحدود الملياري دولار وأكثر، وهي جزء من تراكم الدين العام.
فأزمة الكهرباء هي نموذج لأزمات أخرى يحكى عنها منذ عقود، مثل شح المياه فـي بلد يعوم عليها، ولديه أنهر وينابيع، والثلوج تتساقط على مدى ثلاثة أشهر لتخزين المياه التي كان البعض يسميها نفط لبنان الذي يمكن بيعه وتصديره لدول تعاني نقصاً فـي المياه، وقد نجحت شركات مياه معدنية فـي أن تستثمر فـي هذا القطاع وتربح أموالاً طائلة من ثروة مائية هي ملك اللبنانيين، فـي وقت تهدر المياه وتذهب الى البحر، بالرغم من محاولات لبناء سدود، وبوشر بها فـي سد شبروح فـي كسروان ليتبيّن عن وجود أخطاء فنية فـيه، كما أن سدوداً أخرى وُضعت قيد التنفـيذ، لكنها جوبهت برفض بيئي، وآخر شعبي كما حصل مع سد جنه فـي نهر ابراهيم فـي جبيل، أو سد القيسماني فـي حمانا، أو سد بسري فـي الشوف الذي يغذي بيروت ومناطق أخرى ورصد البنك الدولي له مبلغ 600 مليون دولار كقرض، لكن مجلس النواب المعطّل تشريعياً، قد يطيّر المبلغ، ويفقد لبنان آلاف ملايين الأمتار من المياه التي بحاجة لها عاصمة لبنان وضواحيها والتي تعاني شحاً فـي المياه، إضافة الى مشروع نهر الليطاني الذي تأخر تنفـيذه نحو أكثر من نصف قرن، وتدعمه دولة الكويت بقرض مالي، سيساعد لو نُفّذ الجنوب.
فالمياه هي نعمة أعطيت للبنان، فتحولت الى نقمة عند المواطنين الذين لجأوا الى شراء المياه للشرب كما للخدمة العامة، وبات عليهم دفع فاتورتين للمياه والكهرباء إضافة الى الإشتراكات، حيث لا حلول فـي موضوع السدود، حيث تتحمّل الطبقة السياسية السبب فـي تفاقمهما منذ إتفاق الطائف حتى اليوم، وكان الوضع قبل نشوب الحرب الأهلية فـي العام 1975، أفضل بكثير إذ كانت الكهرباء لا تعرف الإنقطاع إلا نادراً، وعند حصول عطل فـي التيار، ولم تكن المؤسسة التي تملكها الدولة باسم كهرباء لبنان، بعد إلغاء الإمتيازات الخاصة، تخسر، بل كانت تدر أموالاً، وكان لديها احتياط مالي بقيمة 200 مليون ليرة عشية اندلاع الفتنة فـي لبنان، وهو ما كان عليه وضع المياه أيضاً، أما فـي هذه المرحلة، فإن مؤسسة كهرباء لبنان معروضة للبيع بألف ليرة لبنانية، لوقف الخسارة التي تتكبّدها الدولة.
فإلى جانب أزمتي المياه والكهرباء، وبروز أزمة النفايات التي لم تتعاطَ معها الدولة بجدية منذ عقود، بل كل ما فعلته، أنها كانت تنقل النفايات لطمرها، وقد بدأت فـي الأوزاعي قرب المطار فامتلأ المكب وبات يشكل خطراً على سلامة الطيران، إضافة الى أضراره البيئية، لينقل الطمر الى الكرنتينا ثم الى مكب «النورماندي» قرب مرفأ بيروت، ليتحوّل الأخير الى أرض تصل قيمتها الى ثلاثين مليار دولار وبدأت تقوم عليها مشاريع سياحية، وهو ما ينتظر مكب «الكرنتينا» الذي لم يُتّفق بعد لمن سيكون مع تعدد وجود القوى السياسية فـي منطقة المتن الشمالي والحصة التي ستكون لكل منها، على عكس «النورماندي» الذي ضمه الرئيس رفـيق الحريري الى شركة «سوليدير»، رغم اعتراض الرئيس إميل لحود عليه، لكن التدخل من قبل ضباط وقيادات سورية، كان لصالح الحريري، كما جرى فـي شركة «سوليدير» التي أنشئت لإعادة إعمار وسط بيروت.
فأزمات الكهرباء والمياه والنفايات كافـية لإسقاط حكومات وحلّ مجلس نواب، ومحاسبة مسؤولين تعاقبوا على السلطة منذ استقلال لبنان، ومنهم ما بعد إتفاق الطائف، لكنهم جميعهم وفـي نظر الرأي العام اللبناني مسؤولون بدرجات عن ما وصل إليه لبنان الذي يعاني أزمة سياسية ودستورية فـي تعطيل مؤسساته الدستورية التي تقوم الدولة عليها، وتسيّرها السلطات المنتخبة أو المكلفة وهي باتت شاغرة كرئاسة الجمهورية ومعطلة كمجلس النواب ومتعثرة وغير منتجة كالحكومة التي تعصف الخلافات داخلها، فـي وقت تتمسّك بها كل الأطراف، لأن سقوطها أو استقالتها تعني الذهاب الى المجهول.
فلبنان يعيش فـي ظل أزمات سياسية وأخرى خدماتية، وأيضاً اقتصادية حيث الركود وتباطؤ النمو باتا يؤثران سلباً على معيشة المواطنين، كما على الإستثمارات ووجود فرص عمل، فـي ظل إرتفاع البطالة الى حدود 30 بالمئة لاسيما فـي صفوف الطلاب المتخرجين، وازدياد الجوع مع وجود نحو ثلث اللبنانيين يعيشون على أربع دولارات فـي اليوم (ستة آلاف ليرة) هو ثمن أربع ربطات خبز.
كل هذه الأزمات التي تضاف إليها الصحة والسكن والتعليم وازدحام السير، فإن التغيير فـي الوضع السياسي اللبناني، أي استبدال ممثلي الشعب، صعب لا بل مستحيل فـي هذه المرحلة، التي يتصاعد فـيها الخطاب الطائفـي والمذهبي، وتغيب عنه معاناة المواطنين الذين ليس لهم خيار التبديل فـي السلطة والذي يبدأ من مجلس النواب، الذي مدّد لنفسه، ولم ينتفض الشعب ضده والذي أثبت فشله لجهة السعي الى تغيير ممثليه، وإن حاول فإن قانون الإنتخاب يمنعه لأنه يفصّل على قياس زعماء الطوائف والمذاهب ورجال الإقطاع وأصحاب المال، وعدم وجود أحزاب وطنية فاعلة ومؤثرة وعابرة للطوائف لتقوم بالتغيير، بالرغم من محاولات خجولة، حتى أن حركة المجتمع المدني تأتي خجولة وموسمية، مثل حملة «طلعة ريحتكم» والموجهة الى المسؤولين، إلا أنها لم يكن لها أي تأثير ولم يتم التفاعل معها شعبياً، وقد انكفأت من الشارع، كما فـي كل مرات تتحرك فـيها هيئات ومجتمع مدني، كما فـي حركة «التيار الوطني الحر» فـي الشارع، الذي لم يحقق أهدافه، لجهة منع التمديد للقادة العسكريين والأمنيين وقد اعتاد اللبنانيون على تحركات شعبية لم توصل الى نتيجة، وهو ما أوصلهم الى نوعٍ من اليأس الذي بدأ يترك أثره عليهم ودفعهم الى الإحباط والعودة الى التفكير بالهجرة، التي ازداد عدد طالبيها خلال السنوات الأخيرة، وارتفعت هذا العام، والتفتيش عن وطن بديل، وما دفعهم الى ذلك هم الحكام الذين يتوارثون السلطة منذ قرون، كعائلات سياسية وإقطاعية وأصحاب نفوذ وثروة، كما أن مَن وصل الى السلطة تحت شعارات التغيير والإصلاح ومنع الحرمان وازالة الغبن ، لم يكن على مستوى التغيير المنشود فعرّت النفايات سياسيي لبنان.
Leave a Reply