فاطمة الزين هاشم
هذا عنوان لإحدى أجمل مسلسلات الفنان الراحل (نور الشريف) أو محمّد جابر وهذا اسمه الحقيقي، وهذا العملاق الرائع ولد فـي حيّ السيّدة زينب بالقاهرة سنة 1946، تخرّج من معهد الفنون الجميلة وشقّ طريقه فـي عالم الفن منذ ريعان الشباب، شارك فـي العديد من الأعمال السينمائيّة حيث تجاوزت المئة يتذكّرها محبّو فنّه، كما كانت له بصمة واضحة فـي ظهوره بالمسلسلات التلفزيونية وأهمّها (لن أعيش فـي جلباب أبي) و (عائلة الحاج متولّي) التي جلبت له الخراب والمتاعب العائليّة، وكان لهذا المسلسل يد فـي طلاقه من زوجته بوسي بعد زواج استمرّ لثلاثين عاماً أثمر عن إنجاب ابنتيهما ماكي وسارة.
لكن نجمنا المحبوب جداً تأثّر على ما يبدو بدوره فـي مسلسل (عائلة الحاج متولي) حين تقمّص دور شخصيّة مزواجة تتمتّع بالمال والسلطة فـي آن واحد، فأعجبته الفكرة وأراد تطبيقها على أرض الواقع.
وحين دارت الشائعات حول زواجه الجديد رغم استمرار ارتباطه برائعة الجمال والنعومة والأنوثة الطاغية بوسي، لم يكن ما يؤكّد ذلك إلّا بوقوع الطلاق بينهما سنة 2006، بعد زواج دام لمدّة ثلاثين سنة، حيث كانت تربطهما علاقة حب كبيرة عاشاها كما لو كانا متزوّجين حديثاً كما كانا من أنجح الأزواج فـي الوسط الفنّي لما يتمتّعان به من توافق فـي الأفكار والشكل والأعمال الناجحة.
منذ سنوات شاهدت مقابلة تلفزيونية عائلية بثت من منزلهم الخاص، فرأيت دفئاً رائعاً فـي العلاقة الزوجيّة والأسروية ممّا يوحي بأنّ هناك انسجام روحي وعقلي يلف هذه العائلة الجميلة، فقد شاهدته وهو يفتح ذراعيه ليحتضن زوجته وابنتيه كأنه يضم باقة من الورد ذي الرائحة الزكية مبتسماً مبتهجاً بوجوده قربهم، كم تمنّيت آنذاك لو أنّ جميع الأزواج يصابون بهذه العدوى من المحبّة الرائعة، فهل اجتاح الحسد هذه العائلة الجميلة وفرّق شملها ومزّق شراعها بعد أن كانت قد رست على شاطئ الأمان؟.
فـي جميع الأحوال كان الانفصال حضاريّاً حيث سمحت الزوجة المفجوعة لهذا الزوج بزيارة ابنتيه بصورة مستمرّة دون أن تقطع حبل الاتّصال بينهم، حتّى أنه كان يحضر بصورة دائمة لتناول وجبة الفطور معهم على طاولة واحدة، وهذا ما صرّح به فـي إحدى مقابلاته التلفزيونية.
انقطعت بوسي لفترة طويلة عن الظهور كي تعطي لنفسها فرصة للملمة جراحها العميقة ومداواة الصدمة الأليمة التي هزّت كيانها ونسفت كل شيء جميل فـي علاقتهما وهدّمت الثقة وزعزعت كيان الأسرة الآمنة المستقرّة، فقد توقّعت كلّ شيء إلّا الخيانة، الخيانة التي تدمّر العلاقة الزوجيّة مهما كانت متينة، لأنّها تترك جرحاً نازفاً مدى الحياة حتّى ولو سامحت الزوجة، فالجرح يبقي ندبته محفورة فـي القلب تذكيراً بالخيانة والغدر.
عند مرضه طلب من بوسي العودة إليها وإلى ابنتيه وبيته الذي شهد أجمل أيّام عمره، علماً منه بأنّ لا أحدَ يقف إلى جانبه فـي محنته هذه سوى زوجته وابنتيه، سوف يتخلّى عنه الجميع حتّى الأخ والأخت فهم يحبّونه لجيبه وليس لشخصه، وعندما يصبح عاجزاً عن العطاء يتنكّر له الجميع بمن فـيهم من فضّلها على زوجته الأولى وأدخلها فـي حياته بدلاً من رفـيقة العمر، وفـي حين أنّ الزوجة تبقى تقف بكلّ قواها إلى جانبه تسانده وتخفّف عنه مرضه دون تأفّف بينما التي فضّلها عليها وأبدلها بها تتركه لمصيره لأن مصلحتها معه قد انتهت وأخذت ما تريده، وذلك ما فعلته بوسي مع نور الشريف، حيث عادت إليه رغم جراحها ووقفت إلى جانبه فـي مرضه حتّى أنّها سافرت معه إلى أميركا للعلاج حيث كان يعاني من عدم وصول الدم إلى رجله اليمنى بحسب ما ذكرته وسائل الإعلام، فواكبت مراحل علاجه وبقيت بجانبه حتّى لفظ أنفاسه الأخيرة.
صحيح أنّ الانسان مسؤول عن تصرّفاته لكنّ الشعور بالذنب وجلد الذات على ما جرى هو شعور مؤذٍ، وهذا ما كان يظهر على نجمنا الكبير حينما يتكلّم عن زوجته فلم يذكرها إلّا بكلّ خير كما كانت تطفو على قسمات وجهه علامات الندم والأسى.
ستبقى أيّها الفنّان الكبير فـي ذاكرة التأريخ الفنّي راسخاً كما فـي ذاكرة محبّي فنّك لما أمتعتهم بأعمالك الناجحة واللائقة بمستوى الفنّ الملتزم بقضايا الناس.
Leave a Reply