خليل إسماعيل رمَّال
كان الأجدر بثورة «طلعت ريحتكم» أنْ لا تُعمِّم وتُطلِق الأحكام العشوائية ضد كل القوى من دون تفريق فتُقحِم إسم المقاومة من خلال رفع صور الوزير الحاج حسن (الذي سلط الإعلام المغرض على صورته الضوء أكثر من غيره وبشكل لافت، مع أنه أول من تحرَّك لكشف فساد الصفقات الزراعية قبل أبو فاعور بكثير). فالمقاومة التي شملوها فـي شعارات الروائح النتنة للنظام هي التي حقَّقت لهم الحرية والاستقلال والأمان، وإلاَّ لكانت «داعش» فـي قلب جامع محمد الأمين وسط الداون تاون. كما أنَّ المقاومة لم تكم الأفواه وتمنع المعارضين لها ولنهجها من الجهر بمواقفهم المنكَرة مثل الاقطاعي الغليظ أحمد الأسعد والعميل «السيِّد» محمد علي الحسيني الذي حُكٍم عليه مؤخراً وغيرهما، لدرجة أنها أهدت النصر لمن لا يستحق ولا يقدِّر. كما أنَّ التيَّار العوني هو أول من ثار على الفساد وحاول وزراؤه ونوابه القيام بتشريع وإصلاح فـي مجلس النوَّاب، وخصوصاً حل فجيعة الكهرباء ومنع استغلال «سوكلين» وشركات الحريري وجنبلاط من بلع البلد.
كان الأفضل للمنتفضين رفع صورة فؤاد السنيورة كمسبِّب أول لكل هذه الأزمات المعيشية والسياسات الاقتصادية والضريبية التي أدت لإفقار الشعب اللبناني، ومحاسبة الحقبة الحريرية الرأسمالية الوهَّابية المتوحشة التي كان هو رأس حربتها مع الباقين من وحوش المال وحراس النظام الجدد. كما كان مفترضاً بهم أنْ يحاسبوا على سرقة مبلغ ١١ مليار دولار كان يمكن أنْ يحل أزمة الماء والكهرباء والنفايات معاً، وعن جبل الزبالة فـي صيدا الذي قبض السنيورة ثمن ازالته من آل سعود خلال حملته الانتخابية، فتحول الجبل جبلين فـي عهده.
لكن السنيورة جزء من هذا النظام الزبالة الذي يجب طمره فـي مطامر الناعمة وغيرها لأنه غير قادر على سحب القمامة من الشوارع فكيف يقدر على سحب النفط من البحر وها هي اسرائيل تفوقت عليه بأشواط وبدأت بسرقتها المعتادة؟ كل هذا بسبب المحاصصة الطائفـية لعصابات أمراء الطوائف الحاكمين الذي لم يتمكنوا من تأمين سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين والعمال وموظفـي القطاع العام، ومن بينهم الجيش والقوى الأمنية التي زجُّوا بها لتضرب فقراء قوى الأمن بفقراء الشعب وتحرف المعركة عن مسارها الحقيقي.
الثورة التي شهدناها فـي ٢٢ آب تأخرت كثيراً لكنها وصلت أخيراً وهذا أفضل من ألاَّ تأتي أبداً وهي أكثر من ضرورية رغم محاولة إحباطها وضربها من قبل السلطة القمعية التي لا تزال تتحكم فـيها عقلية المكتب الثاني الشهابي، وتكمن أهميتها فـي أنها اعادت المنطق والعقل إلى رشده بعدما كدنا نكفر من إمكانية تحرك الشارع رغم تعتيره الفاضح بسبب النظام الطائفـي الفاسد المشوَّه. ومهما قيل عن المدعو عماد بزّي و«المندسين» فـي الانتفاضة، تبقى هذه الثورة نبيلة الأهداف ومشروعة ومحقَّة بعد أنْ استشرى الفساد وانهارت الدولة «الطُرح»! كما على الاعلام الحاقد أنْ يتحقق من أنبائه الفاسقة حول تدخُّل شباب حركة أمل من «الخندق الغميق» فـي التظاهرة وعلى منظمي الانتفاضة تصحيح كلام الصحفـي الموتور علي حمادة الذي اتَّهم الحركة والحزب بما لفّقهُ المندسون وبعمليات التحطيم والتخريب.
وعلى المقاومة العظيمة ألاَّ تبخل على شعبها بمحاربة الفساد الذي هو الوجه الآخر لمعركة التحرير ضد اسرائيل وأمة التكفـير. فما نفع الانتصار على الجبهة والداخل مضعضع بسبب النظام الملوَّث. ولدى المقاومة مسؤولية مضاعفة تجاه أنبل شعب عرفه التاريخ عندما يصرِّح أهله لدى استشهاد فلذات أكبادهم بأنهم مستعدون لتقديم أبنائهم الآخرين للمقاومة. فماذا فعل النوَّاب الذين يمثِّلون هذا الشعب فـي المجلس وما هي التشريعات التي قدموها لصالحه منذ ١٩٩٢ وما الرؤية المستقبلية لتأمين وظائف ومشاريع تنموية وخدمات نوعية؟! مثلاً، يمكن للمقاومة ومن معها أنْ تؤمِّن الكهرباء للناس ٢٤ ساعة من إيران وتُعزِّز البلديات، أقله تلك التي ترأسها، وتكرِّر تجربة البلدات التي تحرق الزبالة فـي مصانع وتولد منها الكهرباء والسماد وغير ذلك؟ مما الخوف؟ أنْ يقولوا تقسيم ومربع أمني وإدارة ذاتية؟! ليذهب مسخ الوطن وحكومته الصلعاء إلى الهاوية هو وهذه الدولة الحقيرة فالفـيدرالية بخدمات ومستقبل باهر للأجيال الصاعدة، أفضل بكثير من العيش فـي كنف دولة الزعران والسارقين واللصوص والحرامية!
Leave a Reply