فاطمة الزين هاشم
يعجّ مجتمعنا بالكثير من مشاكل الأسرة التي يكون أحد قطبيها سبباً فـي إلقاء ظلالها الثقيلة على مجرى مسيرتها، هذا ما تحدّثت به إحدى صديقاتي فـي حوارٍ ذي شجون، وهي تسرد عليّ واقع زوجها الذي خانها فهدّ أركان أسرتهما وكاد أن يلقيها إلى مهبّ الأقدار لولا أن تمسّكت هي بأبنائهما دون أن تدع لطيش وأخطاء زوجها أن تطغى على حياة الأسرة، أعجبني فـيها ثبات موقفها هذا بعد أن لخّصت القضيّة التي أسردها على لسانها حيث تقول:
عاش فـي جلباب أهله حتّى فقد كلّ شيء بين أسرته، أيعقل أن يتزوّج الإنسان وينجب ويصبح أباً وجدّاً ويدنو من أرذل العمر ويبقى أسيراً لأهله وميولهم الهادمة لأسرته بحيث يخضع لأوامر أصغر إخوته؟ ومن هنا راحت صديقتي تخاطب هذا النموذج الخائب:
إنّ عليكَ أن تدرك بأنّ عيشكَ فـي جلباب غيرك يضعكَ فـي هيئةٍ هجينة لا خير من ورائها وتدعو إلى السخرية، وحتى لو لم تدرك ذلك فإنّ عقلك الباطن يعيه تماماً لأنّك غير صادق مع نفسك، ولن يدعك تعيش على الكذب إلى النهاية، فإمّا أن تعيش حياة يعذّبك فـيها السلوك المدمّر للذات وإمّا أن تجعلك هذه الأزمة تتوجّه إلى حيث النقيض ليحلّ السلام مع ذاتك فـي نهاية المطاف، وفـي الواقع الجديد قد لا تجد كلّ ما فقدته، لكنّك على الأقل تكون قد عرفت قدرك من خلال اكتشاف أخطائك ووضعت حدّاً لنفسك.
فاليوم الذي تدرك فـيه أنّك بعت أخلص الناس إليك سيكون أشدّ تلك الأيّام صعوبة عليك، لأنّك ستدرك أنّك عشت حياتك بدون شجاعة ولا كرامة، وستقرّ مع ذاتك بشكل نهائي أنّ الخوف من الاعتراف بالخطأ كان العنصر المخيف فـي حياتك وأنّ كل خياراتك قد اتّخذتها من دوافع أنانيتك، وفـي ذلك اليوم ستكتشف أنّك قد بعت نفسك وأحلامك بثمن بخس لأنّك خشيت من الفشل أو خشيت من عدم إرضاء الذين تهتم لرأيهم، وبذلك اليوم لن تستطيع النظر إلى ماضيك بفخر لأنّ تلك لم تكن حياتك، فقد كانت حياة أشخاص آخرين حياة جميع من حولك من أشرار وحاقدين، الجميع باستثنائك أنت فقد خذلتك الحقيقة كما خذلتك الإغراءات التي لهثت وراءها حتّى دمّرتك ودمّرت عائلتك، لكن فـي النهاية أنت الخاسر الوحيد فـي هذا المشوار من حياتك.
تعاملت كرجل حاصل على حزام أسود من أحد الفنون القتاليّة، منفوخاً بغرور أجوف، وقد جاءتك النقود لتعمي عينيك وبصيرتك بالإضافة إلى أشياء تعرفها أنت أكثر من غيرك، لم تحصد سوى الدمار لنفسك أوّلاً ثمّ لعائلتك، ولو نظرت فـي المرآة ستخبرك تجاعيد وجهك عن النزوات التي لم تجن منها سوى المتاعب وهروب السنين منك دون السيرة المشرّفة مع من هربوا من حياتك وتركوك فـي مهبّ الريح مع خيبتك دون أن ترفّ لهم جفون على فراقك، حملوا كل ما خفّ وزنه وثقل ثمنه، وعادوا من حيث أتوا، كلّ ذلك بمباركة ممّن هم حولك وادّعوا أنّهم الحريصون على مصلحتك.
من الطبيعي عندما يكون الإنسان على فراش الموت لا يفكّر إلّا بالخوف من الله فـي اللحظات الأخيرة لكنّها لن تفـيد من حيث فوات الأوان للأسف، لأن سموم الذين ركضت وراءهم كانت قد اخترقت الضحايا ودمّرت بيوتهم وحطّمت حياتهم.
إنّ مثل هؤلاء النماذج البشريّة الحيوانيّة حين تأتيهم الثروة
ويتناسون ماضيهم المتخم بالبؤس والحرمان ينفلتون تماماً خاصّةً حين يجعلون كلّ اهتمامهم ينصبّ على تحقيق المزيد من المال دون حدود، وفـي خضمّ
انشغالهم هذا يهدّمون حياتهم الزوجيّة ويدمّرون حياة أولادهم قبل أن يدركوا أنّهم أصبحوا أثرياء فعلاً، لقد كان لديهم ما يهمّهم حقّاً لكنّهم فرّطوا فـيه
لأنّهم لم يمتلكوا تعريفاً صحيحاً للحياة، فكانت ثروتهم ماليّة بدلاً من أن تكون أسرويّة.
Leave a Reply