نبيل هيثم – «صدى الوطن»
هل يعيد اكتشاف حقل الغاز الجديد فـي مصر خلط الاوراق ضمن فـي اطار مشاريع الطاقة فـي الشرق الاوسط، ويعيد ترتيب التحالفات؟
سؤال بات يطرح منذ ان اعلنت شركة «ايني» الايطالية الاسبوع الماضي عن اكتشاف اكبر حقل للغاز فـي المنطقة قبالة السواحل المصرية على البحر الأبيض المتوسط.
على المستوى المصري، يمثل طوق نجاة للاقتصاد المصري الذي يواجه ضغوطاً خطيرة منذ بدء موجة «الربيع العربي». ويأتي غداة انجاز آخر حققته القيادة المصرية بافتتاح قناة السويس الجديدة قبل شهر.
واذا كانت السياسة اقتصاد مكثّف، طبقاً للمقاربة الكلاسيكية المعروفة، فإن انجازين اقتصاديين على هذا القدر من الاهمية يدفعان الى القول ان مصر مقبلة على استعادة دورها السياسي على المستوى الاقليمي، بعد فترة طويلة من التراجع، بدأت منذ توقيع معاهدة كامب ديفـيد، وشهدت تدهوراً حاداً منذ انشغال القيادة المصرية بمشاكلها الداخلية على حساب الانخراط الفعال فـي الملفات الاقليمية.
كذلك، فإن من شأن اكتشاف حقل ضخم للغاز، وقبله افتتاح قناة السويس الجديدة، ان يؤمنا موارد مالية ضخمة لمصر، بما يسهم فـي تخفـيف اعتمادها على المساعدات الاقتصادية الخليجية، وبالتالي التحرر من اي ثمن سياسي للدعم السعودي على وجه الخصوص، بما يترجم فـي استقلالية القرار المصري فـي المستقبل القريب، اخذاً فـي الاعتبار ان الفترة الاخيرة شهدت نوعاً من التشويش بشأن العلاقات المصرية-السعودية، وخصوصاً بعد وصول الملك سلمان الى الحكم، اثر وفاة اخيه الملك عبد الله، وظهور تباينات كبيرة فـي سياستي القاهرة والرياض ازاء القضايا الاقليمية، ولاسيما فـي الملف السوري، والى حد ما العلاقات مع ايران.
ومن المنتظر أن يعزز هذا الاكشاف مكانة مصر على الصعيد العالمي، خاصة مع أوروبا التي تستورد ما يقرب من ٦٠ بالمئة من احتياجاتها من الغاز. ووفقًا لصحيفة «فايننشال تايمز»، فإنّ ٤٠ بالمئة من واردات اوروبا من الغاز تأتي عبر شركة «غازبروم» بواسطة أنابيب تعبر أوكرانيا. ومعروف ان المشكلات السياسية بين روسيا والغرب، على خلفـية الازمة الاوكرانية، ادت الى فرض عقوبات اوروبية على موسكو، وبالتالي فإن امتلاك مصر لحقل غاز تقدر احتياطياته بنحو 30 تريليون قدم مكعب، ربما يجعلها خياراً مفضلاً بالنسبة الى الاوروبيين لكن تبقى مسألة الإمداد بالأنابيب التي تمثل التحدي الفعلي أمام الغرب للتحرر من سطوة الغاز الروسي.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان ألمانيا، أكبر اقتصاد فى أوروبا وقاطرة الصناعة والتنمية فـي أوروبا، تعتمد على روسيا لتوفـير ٣٩ بالمئة من احتياجات الغاز، بينما تستورد إيطاليا من روسيا ٣٠ بالمئة من حاجتها، وفرنسا ٢٦ بالمئة، بينما تعتمد بريطانيا على ٥٤ بالمئة من احتياجاتها من الغاز القطري، وهو مكلف جداً فـي التسييل والنقل عبر البحار.
وفـي ظل هذه الحالات فإن مصر ستكون الخيار المفضل لأوروبا لشراء الغاز والحصول عليه بسهولة وسرعة وبأقل تكلفة ممكنة.
ومن المرجح أن تحقق مصر النجاح الأكبر خاصة أنها تمتلك أحد أهم منشآت تسييل الغاز الطبيعي فـي الشرق الأوسط (دمياط)، وسيكون بإمكان دول أوروبا استيراد الغاز مباشرة من مصر فـي صورته الغازية فور توفر الأنابيب، كما يمكن للدول البعيدة الحصول على الغاز المسال بسهولة من منشآت الغاز المصرية، وهو ما سيجعل التكلفة أقل بكثير من استيراده من مناطق أبعد مثل قطر.
وبرغم الأهمية الكبرى لهذه التطورات الاقتصادية فـي مصر، واثرها على السياسات القائمة، إلا ان التحوّل الاكبر الذي يمكن ان يحدثه اكتشاف حقل الغاز المصري الضخم يتعلق بسياسات الطاقة فـي الشرق الاوسط، وتحديداً بالنسبة الى اسرائيل، التي ادى مجرّد الاعلان عن الحقل الجديد الى احداث صدمة فـي اوساطها الاقتصادية والسياسية.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان هذه ليست اول صدمة تتعرض لها الدولة العبرية من الجهة المصرية، إذ سبق أن أدى افتتاح قناة السويس الجديدة الى احباط كبير لدى القيادة الاسرائيلية، خصوصاً أن تطوير المجرى الملاحي المصري قد جاء ليجهض مشروع «قناة البحرين»، الذي كانت تأمل تل أبيب من خلاله أن تستوحذ على حصة كبرى من حركة التجارة عبر القناة المصرية، وعبر تدشين خط للنقل البري والبحري من البحر الاحمر الى البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالبحر الميت.
ولكن صدمة الحقل الغازي الجديد أتت موجعة أكثر لاسرائيل، وهو ما عكسه الانهيار الكبير فـي اسهم شركات النفط والغاز فـي الدولة العبرية حال الاعلان عن الاكشاف الجديد، حتى ان الصحف الاسرائيلية تسابقت فـي وصف ما حدث بأنه «يوم أسود» لإسرائيل التي أمِلت أن يسهم اكتشافها لحقل «لفـيتان» فـي تعزيز مكانتها الإستراتيجية فـي الشرق الاوسط عبر التحول من مستورد للطاقة إلى مصدِّر لها.
وتبدو ارقام البورصة اكثر تعبيراً، فقد تراجعت أسعار أسهم شركات الطاقة فـي اسرائيل ما بين 11 بالمئة لشركة «ديلك» و21 بالمئة «رتسيو»، وهما شريكتان فـي حقل «لفـيتان»، فـي حين تراجعت أسعار أسهم شركات النفط بحوالي 6 -7 بالمئة فـي يوم واحد.
واما سبب هذا الانهيار، فمرّده الى ان الاكتشاف الغازي الجديد يضع شكوكا فـي أن يقود تطوير حقل «لفـيتان» إلى تقليص تكلفة الطاقة فـي إسرائيل بسبب عدم حاجة مصر الى استيراد الغاز من إسرائيل.
ومعروف ان شركة «لفـيتان» وقعت على مذكرات تفاهم مع مصر والأردن بقيمة 50 مليار دولار، وبالتالي فإن اكتشاف حقل الغاز المصري الهائل سيغلق السوق المصري أمام تصدير الغاز الإسرائيلي ما سيقود إلى تأجيل طويل فـي تطوير حقل «لفـيتان» أو حتى إلى التوقف عن تطويره.
ولعل ما كتبه المدير العام السابق لـ«شركة الغاز القبرصية» تشارلز ألينس هو الاكثر تعبيراً عن المأزق الاسرائيلي الجديد، اذ قال ان «الاكتشاف الجديد يشكل تابوت دفن خيار تصدير الغاز إلى مصر. والحديث كان يدور عن كمية هائلة من الغاز. فاكتشاف 30 تريليون قدم مكعب من الغاز يكفـي ليس لسد حاجة مصر وإنما أيضا لتشغيل محطتي التسييل. وبحساب بسيط، فإن 30 تريليون قدم مكعب تعني 840 مليار متر مكعب، ولذلك فإن انتاج 30 مليار متر مكعب يعني أن الحقل سيستمر لـ 25-30 سنة. وبوسع الاقتصاد المصري استهلاك خمسة مليارات متر مكعب سنوياً ومحطات تسييل الغاز يمكنها أن تصدر 16 مليار متر مكعب. وهذا يعني أنه تبقى كمية فائضة كبيرة من الغاز. وكذلك يعني أن لا أحد هناك فـي حاجة للغاز لا من إسرائيل ولا من قبرص».
هكذا يبدو واضحاً ان اكتشاف حقل الغاز الجديد سيغير كل الموازين الجيوسياسية على مستوى الشرق الاوسط، حيث أن الكشف تاريخي بكل المقاييس، كما أن الحقل الجديد سيوفر احتياجات السوق المحلية، إضافة إلى مساهمته الفاعلة فـي جذب الاستثمارات وتعزيز المكانة الدولية لمصر.
أهم حقول الغاز في البحر المتوسط والعالم
حقل الغاز الطبيعي «ظُهر» الذي اكتشفته شركة «إيني» الإيطالية قبالة السواحل المصرية هو أكبر حقل مكتشف فـي البحر الأبيض.
وفـي ما يلي أكبر ثلاثة حقول للغاز فـي العالم:
1 – فارس الجنوبي أو حقل الشمال: يقع بين إيران وقطر، وقد تم اكتشافه فـي العام 1971، وبدأ الانتاجفـي عام 1989، باحتياطيات تقدر بـ 1800 تريليون قدم مكعب.
2- أورينجوي: يقع فـي روسيا، وقد اكتشف فـي العام 1966، وبدأ الانتاج منذ العام 1978، باحتياطيات تقدر بنحو 275 تريليون قدم مكعب.
3- يامبورغ: يقع فـي روسيا، وقد اكتشف فـي العام 1969، وبدأ الانتاج منذ العام 1986، باحتياطيات تقدر بنحو 200 تريليون قدم مكعب.
وفـي الآتي أكبر حقول الغاز فـي البحر المتوسط:
1- ظهر: السواحل المصرية وتم اكتشافه الاسبوع الماضي باحتياطيات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب.
2- لوثيان: سواحل فلسطين المحتلة، اكتشف عام 2010، باحتياطيات تقدر بنحو 17 تريليون قدم مكعب.
3- التحدي: قبالة السواحل الليبية اكتشف
عام 2009 باحتياطيات تقدر بنحو 7.9 تريليون قدم مكعب.
4- تمار: قبالة سواحل فلسطين المحتلة اكتشف عام 2009 باحتياطيات تقدر بنحو 7.9 تريليون قدم مكعب
5- سلامات: قبالة السواحل المصرية اكتشف عام 2006، باحتياطيات تقدر بنحو 5 تريليون قدم مكعب.
6- اتول-1: قبالة السواحل المصرية، اكتشف عام فـي العام 2015 باحتياطيات تقدر بنحو 5 تريليون قدم مكعب.
7- افروديت: قبالة سواحل قبرص، اكتشف عام 2011 باحتياطيات تقدر بنحو 4.5 تريليون قدم مكعب.
حقل الغاز المصري بالأرقام
جاء الكشف عن وجود حقل جديد فـي مصر، من قبل شركة «إيني» الايطالية، ليظهر أن الحديث يدور حول حقل قد يكون الأكبر فـي منطقة الشرق الاوسط.
وتم اكتشاف الحقل الجديد قبالة سواحل مصر الشمالية فـي البحر الأبيض المتوسط.
ومساحة الحقل 100 كيلومتر مربع، ويقع على عمق 1450 متر، وهو يحتوي على 30 تريليون قدم مكعب ما يعادل 5.5 مليار برميل نفط، ويعد أكبر اكتشاف من نوعه فـي مصر منذ اكتشاف وجود الغاز فـي هذا البلد العربي عام 1967.
وبحسب المتحدث الإعلامي باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز يكفـي هذا الحقل استهلاك مصر من الغاز لمدة 10 سنوات.
ويتفوق الحقل الجديد على حقل «لفـيتان» الإسرائيلي فـي البحر الأبيض المتوسط والذي يعد من أكبر الحقول حيث يقدر حجمه بحوالي 450 مليار متر مكعب، وحقل «تمار» الواقع مع الحدود اللبنانية بنحو 240 مليار متر مكعب.
وحسب شركة «إيني» سيبدأ الحقل الجديد بالإنتاج بعد اربع سنوات وستقوم الشركة فـي أوائل العام المقبل بحفر ثلاثة آبار لسرعة تنمية الكشف على مراحل بالاستفادة من البنية الأساسية المتاحة. ويقدر العائد من إنتاج الحقل الجديد بنحو 40 مليار دولار.
Leave a Reply