فـي الآونة الأخيرة، وعلى خلفـية معارضة بعض الكلدانيين لبناء مركز إسلامي فـي مدينة ستيرلنغ هايتس، اعتكرت العلاقة بين الجاليتين العربية والكلدانية ووصلت إلى حدود الانتقادات الجارحة والاتهامات المتبادلة التي لا تخلو من التعصب والكراهية، فالأمر يستدعي إعادة التفكير بطبيعة هذه العلاقة والتوقف عن سلوكيات المجاملة و«الضحك على الذقون» من أجل وضع الأمور فـي نصابها -عبر مكاشفة صريحة- لفهم سلوك وتصرفات بعض الكلدانيين ونفورهم وإساءتهم المتعمدة للعرب والمسلمين الأميركيين.
ما حدث فـي ستيرلنغ هايتس خلال الأسابيع الماضية ليس مجرد غمامة عابرة وليس مجرد حادثة معزولة، وما شاهدناه فـي شريط الفـيديو الخاص بذلك يبدو أكثر من مجرد شخص مستاء ومتخوف من بناء مركز إسلامي، فذلك الكلداني الذي ظهر فـي الشريط متحدثا بإنكليزية ركيكة وهو يحاول إقناع مسؤولي بلدية ستيرلنغ هايتس بعدم السماح للمسلمين ببناء مسجد فـي المدينة، يبدو شخصا كارها وحاقدا وهو يردد بعض الكليشهات المبتذلة التي تتهم المسلمين بأنهم «إرهابيون» وبأنهم محتالون ومجرمون يعتاشون على المساعدات الغذائية الحكومية «فود ستامب».
فـي العام الماضي، توجه ثلاثة كلدانيين (عضو فـي مجلس نواب الولاية ورجلا أعمال) لحضور المؤتمر السنوي لـ«لجنة العلاقات الإسرائيلية الأميركية» (أيباك) التي كانت منهمكة حينها بحشد الدعم ورصد ملايين الدولارات فـي حملات إعلانية من أجل إنجاح زيارة مجرم الحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن الذي دفع بكل ثقله، ومعه اللوبي الإسرائيلي وحلفاؤه وأصدقاؤه والملتحقون به، من أجل الضغط على الإدارة الأميركية فـي إيقاف المفاوضات مع إيران بشأن الملف النووي، والتي منيت جميعها بالفشل. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن فـي هذا السياق: أين يصرف اصطفاف هؤلاء الكلدانيين المتهور إلى جانب إسرائيل ضد قضايا العرب الذين عاشوا بين ظهرانيهم قروناً طويلة تشاركوا فيها الآلام والآمال والخبز والملح..
وذلك التصرف المشين من قبل الكلدانيين الثلاثة لا يمكن اعتباره أقل من طعنة فـي الظهر، ظهر الجالية العربية بمسلميها ومسيحييها، خاصة من اللبنانيين والفلسطينيين الذين قتل أبناؤهم وشردوا من جراء آلة القتل الإسرائيلية.
وفـي حادثة أخرى، لم يتورع مدير مدرسة خاصة «تشارتر» كلداني، فـي برنامج إذاعي يديره، عن إثارة النعرات الدينية والطائفـية عبر ترويجه لأحد تفسيرات سورة «الفاتحة» بدعوى أنها تحض على كراهية اليهود والمسيحيين وتحرض على معاداتهم.
كما أن أحد البرامج الإذاعية دعا الجالية الكلدانية إلى مقاطعة أعمال العرب وعدم التسوق من متاجرهم فـي مدينة ديربورن، والسبب.. أن عرب ديربورن يدعمون الجماعات الإهاربية. وأنه من المؤلم -فـي هذا السياق- أن ينخرط الكلدانيون فـي الجوقة العنصرية الأميركية التي تروج لبروباغندا تضليلية، لا تنسلك فـي ذهن محترم، مفادها أن ديربورن تحكمها الشريعة الإسلامية.
لقد فات هؤلاء الحاقدين والموتورين -لسبب لا نعرفه- أن فـي ديربورن العديد من الكنائس والعديد من متاجر الكحول التي تعود ملكيتها لكلدانيين، ولم يحدث ولو لمرة واحدة، عبر العقود الماضية، أن أساء العرب والمسلمون لتلك الكنائس ورعاتها، أو لأصحاب المتاجر وزبائنهم، على الرغم من معرفة عرب ديربورن بمشاركة بعض الكلدان المتعصبين فـي استفزازات القس الموتور تيري جونز خلال زياراته المتتالية إلى المدينة، حيث شاركوا فـي تظاهرته أمام «المركز الإسلامي فـي أميركا»، رافعين عقيرتهم، بأعلى من صوت جونز، مطالبين بحرق القرآن الكريم.
إنه ليحز فـي نفوسنا، أن يتثمل بعض الكلدانيين بالعنصريين الأميركيين عندما يطالبون عرب ومسلمي مدينة ستيرلنغ هايتس «بالعودة إلى ديربورن» ما يذكر بتحرشات ومضايقات العتصريين الشائعة التي تطالب العرب والمسلمين بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، مع المفارقة المؤلمة.. فـي أن الكلدانيين أنفسهم هم عرضة لتلك التحرشات العنصرية التي تطالبهم بالعودة. منطق هؤلاء الكلدانيين هو منطق صبياني ومتهوّر يحاول أن يظهر أصحابه بأنهم أميركيون أصلاء، وأن الآخرين هم جسم غريب ومنبوذ فـي المجتمع الأميركي. والحقيقة تصرخ فـي وجوهنا جميعاً: يا حبايبي.. بأننا كلنا بالهوا سوا..
لكن أكثر ما يثير الاستغراب والتساؤلات، هو الصمت المطبق والمريب للقيادات والنشطاء والمثقفـين الكلدان (والصمت أشد من القتل)، وعدم إدانتهم لسلوك وتصرفات بعض الأفراد الذين يساهمون فـي رسم صورة مزورة عن حقيقة العلاقات الأخوية والتاريخية العريقة بين الكلدان وباقي العرب عبر ضخ المزيد من جرعات الحقد والبغضاء فـي مجتمعهم وفـي المجتمع الأميركي الكبير.
من الإنصاف القول، أن عداء بعض الكلدانيين غير المبرر وغير المفهوم قد دفع بالبعض من العرب والمسلمين إلى الرد بطرق غير مقبولة، وإننا فـي «صدى الوطن» ندين ونستنكر تلك الردود المسيئة والشاذة، ونتطلع إلى إجراء حوار حقيقي وبنّاء مع مختلف فعاليات الجالية الكلدانية، انطلاقا من قناعتنا الراسخة بالروابط والتاريخ المشترك بين الجاليتين.
نحن نفهم – ونحترم – أن الكلدانيين لا يعتبرون أنفسهم عربا، ولكننا، انطلاقا من حقائق التاريخ والجغرافـيا، نعتبرهم أشقاء لنا وشركاء فـي الأوطان التي جئنا منها، فضلا عما نتشاركه من قيم اجتماعية وأخلاقية وحضارية.
علينا جميعا -عربا وكلدانيين- أن نفهم أننا فـي القارب ذاته نتشارك مصيرا واحدا، فنحن فـي الولايات المتحدة عرضة لتعصب وكراهية بعض الأميركيين العنصريين، وفـي بلداننا الأصلية نحن مستهدفون من قبل الجماعات التكفـيرية، وعلى رأسها «داعش»، ولا مناص.. إلا العمل يدا بيد من أجل الدفاع عن أنفسنا ووجودنا وهويتنا، هنا وهناك..
لقد شاءت الأقدار أن نتشارك مصيرا واحدا، فـي الوطن وفـي المهجر!
Leave a Reply