عماد مرمل – «صدى الوطن»
أوحت الجلسة الاولى من الحوار بين قادة الكتل النيابية اللبنانية بان شيئاً لم يتبدل فـي العادات السيئة للطبقة السياسية التي لا تزال تتصرف وكأن رئيس الجمهورية موجود ومجلس النواب يعمل والحكومة تنشط والشارع يزدحم بالسياح وليس بالمتظاهرين الذين يطالبون بإسقاط النظام.
طاولة الحوار تجمع السياسيين اللبنانيين في مجلس النواب، وسط بيروت. (رويترز) |
لم يعكس معظم المتحاورين فـي مستهل مغامرتهم الجديدة أي إحساس بالمسؤولية أو استشعار بالمخاطر المترتبة على الازمات السياسية والدستورية والاجتماعية والمعيشية التي كانوا هم المتسببين بها أصلاً، بفعل خياراتهم الخاطئة وصراعاتهم العبثية ومصالحهم الضيقة وفسادهم المتمادي.
وبرغم أن بعض مواكب المتحاروين وصلت الى مقر مجلس النواب وقد علقت فـيها بقايا البيض الذي رُشقت به من المحتجين الغاضبين، وأصداء الهتافات المنددة بالطبقة السياسية، إلا ان أغلب المدعوين الى طاولة الحوار لم يلتقطوا هذه الرسالة ولا غيرها من الرسائل التي بُعثت اليهم، بـ«البريد السريع» عبر الشارع.
لقد أظهر سلوك المشاركين فـي الجلسة الاولى للحوار انهم أهملوا دلالات انتفاضتي 22 و29 آب، والاعتصامات الشعبية امام الوزارات، وقرروا المضي فـي «تقاليدهم» التي تقوم على التسويف والمماطلة والعجز والمماحكات فـي انتظار «كلمة سر» من الخارج.. بات الرهان عليها «علنياً» لدى العديد من الاطراف السياسية.
ويبدو ان الممسكين بمفاصل السلطة يفترضون ان الزمن كفـيل بإنهاك المنخرطين فـي الحراك الشعبي وتنفـيس حماستهم، بالترافق مع بعض الاجراءات الحكومية التي قد تساهم برأيهم فـي تبريد حرارة الساحات، من قبيل القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء باعتماد خطة وزير الزراعة أكرم شهيب لمعالجة أزمة النفايات الخانقة.
وإذا كانت الحكومة قد حاولت سحب فتيل الشارع عبر إقرار تلك الخطة التي تمنح البلديات دوراً مركزياً على المدى الطويل بعد عبور مرحلة انتقالية، إلا ان من يرصد نبض الحراك المدني يلمس أن مطالب هذا الحراك تجاوزت ملف النفايات الذي كان شرارة الغضب الشعبي، لكن حله لم يعد كافـيا لاحتواء اندفاعة الناس المتطلعين الى تغيير جذري يطال طبيعة النظام وتركيبة الطبقة السياسية، عبر انتخابات نيابية، وفق قانون يعتمد النسبية التي تسمح بتمثيل كل قوى المجتمع فـي مجلس النواب، وفق أحجامها وأوزانها، ما يسمح بكسر المحادل الكبرى وتعطيل البوسطات التي تحول النواب الى مجرد ركاب، يقودهم السائق فـي هذا الاتجاه أو ذاك، وفق ما يناسبه.
وفـي انتظار اتضاح نتائج المبارزة بين الشارع ورموز السلطة، فان عددا من الشهود على الجلسة الحوارية الاولى أفادوا بأن كلا من أقطابها أعاد انتاج الخطاب السياسي الكلاسيكي الذي يردده فـي خارج القاعة، بحيث بدا ان الامر لا يتعدى «حوار الطرشان»، الهادف الى تقطيع الوقت، علما ان الوقت ثمين، خصوصاً فـي ظل السباق الحاصل بين الحراك.. والحوار.
وبيّنت نقاشات الجلسة الافتتاحية ان هناك فرزاً بين خطين عريضين ومتعارضين بل متصادمين، الاول يمثله تيار المستقبل وحلفاؤه فـي «14 آذار»، ويدعو الى تغليب أولوية انتخاب رئيس الجمهورية على ما عداها مطالبا بحصر البحث فـي هذا البند باعتبار أن انجازه سيؤدي تلقائياً الى تسهيل الاتفاق على البنود الأخرى الواردة فـي جدول أعمال الحوار، مع الإشارة الى أن هذا الفريق لا يخفـي رفضه وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة، طارحا خيار الرئيس «التوافقي» كبديل عن «القوي».
أما الخط الآخر والذي يقوده عون، فـينادي بانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب كون المجلي النيابي الحالي برأي الجنرال أصبح «غير شرعي» بعد التمديد له مرتين من دون تفويض شعبي، وإلا اجراء انتخابات نيابية وفق النظام النسبي، تفزر مجلساً جديداً يتولى انتخاب رئيس الجمهورية، علماً أن عون يراهن على ان قوى «14 أذار» ستخرج من صنادق الاقتراع «منخفضة الوزن» الشعبي، ما يحسن مواقعه فـي المعركة الرئاسية.
وفـي مقابل الملاحظات والانتقادات التي طالت انطلاقة الحوار الوطني وقللت من شأنه، يعتبر المتحمسون له انه لا يجوز تحميله أكثر مما يحتمل، وأنه لا يصح توقع صدور قرارات مفصلية عن الجلسة الأولى التي من الطبيعي أن تقتصر على عرض وجهات النظر حيال البند الرئاسي، فـي إطار التأسيس للنقاش الذي يجب أن يأخذ مداه، قبل اصدار حكم نهائي عليه.
ويلفت هؤلا الانتباه الى انه سيتم فـي الجلسات اللاحقة الدخول فـي التفاصيل المتعلقة بالملف الرئاسي وقانون الانتخاب اللذين سيشكلان الملفـين الاساسيين على الطاولة، كونهما يمكن ان يكونا مفتاح الحل أو سبب الفشل.
ويشيرون الى أن المتحاورين اكدوا دعمهم للحكومة وتغطيتهم لها، وأشادوا بصبر الرئيس تمام سلام وقدرته على تحمل أعباء هذه المرحلة وضغوطها.
ويعتبر الصابرون على الحوار انه ليس أمراً بسيطاً ان تلتقي أطراف الاصطفاف السياسي الحاد فـي لبنان حول طولة واحدة، فـي زمن الانقسامات والصراعات المحتدمة على مدى مساحة المنطقة.
ويلفت المتفائلون الانتباه الى أن هناك توافقاً بين المتحاورين على أهمية الحوار واستمرار جلساته، وإذا لم يحصل تفاهم سريع، فان ذلك ليس مبرراً لنعي الحوار، لان أحدا لم يكن يرتقب معجزات، مشددين على أن الحل يحتاج الى إنضاج على نار هادئة.
ويشدد أصحاب هذا الطرح على ان المطلوب تحضير الأرضية الداخلية لملاقاة قطار التسويات الذي يُفترض أن ينطلق خلال الاشهر المقبلة فـي المنطقة، ويمكن أن تكون له محطة فـي لبنان الذي يجب أن يستعد لتلقف الفرصة الاقليمية والبناء عليها، مشيرين الى أن المهمة الاساسية للحوار هي تهيئة الظروف والمناخات للتفاعل الايجابي مع نسائم التسوية المحتملة، أكثر مما هي صناعة حل متكامل بقدرات ذاتية، وهذا ما يمكن أن يُصنف فـي خانة «اللبننة الجزئية»، المطعّمة بمقويات إقليمية-دولية.
Leave a Reply