فـي إحدى اللقطات المصورة التي دخلت أرشيف الحروب والمآسي الإنسانية، ظهرت إحدى الناجيات من مذبحة صبرا وشاتيلا (عام 1982) وهي تصرخ أمام الكاميرات بخاطر مكسور وقلب مفجوع: وين العرب؟
واليوم، وبعد مرور 33 عاماً على مذبحة صبرا وشاتيلا، مايزال السؤال مشروعاً وقائماً يصفع الجميع: أين العرب؟ فـي هذا الوقت الذي تحاصر فـيه قوات الكيان الإسرائيلي المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى، وتقوم بقمع واعتقال الفلسطينيين بالوحشية ذاتها التي رافقت تأسيس هذا الكيان الغاصب، واستمرت بارتكاب المجازر تلو المجازر بحق الفلسطينيين العزّل على مرأى ومسمع من العالم. ويبقى السؤال. وين العالم؟ وين العرب؟
فـي الذكرى الـ33 لمجزرة صبرا وشاتيلا نستعيد تفاصيل وسياقات تلك المقتلة الفظيعة التي نفذتها القوات الإسرائيلية الغازية بالمشاركة مع بعض القوى اللبنانية المسيحية المتطرفة، والتي ذهب ضحيتها ما يزيد عن 3500 ضحية بينهم مئات النساء والأطفال والشيوخ الذين ذبحوا بدم بارد بسكاكين وحراب الميليشيات البربرية التي ارتضت أن تكون يد المحتل الضاربة.
المجزرة التي يندى لها جبين الإنسانية، أثارت حينها تعاطف حتى الكثير من الإسرائيليين، ليس بسبب رقة عواطفهم ولا بوازع من ضميرهم الأخلاقي، ولكن دموية المجزرة وفظاعتها كانت أكبر من أن تحتمل، والصور والأفلام التي التقطت مشاهد الذبح الجماعي.. كانت أقسى من أن يتم تجاهلها أو محوها من الذاكرة.
وبالرغم من كل ذلك، كانت أنظمة الحكم العربية، ولاتزال، أعجز من أن تحرك ساكنا، اللهم ما عدا بيانات الإدانة والاستنكار، التي لا يحتاج المرء حيالها إلى كثير من الذكاء والتبصر ليدرجها فـي باب «رفع العتب»، فـيما حقيقتها العميقة تنطوي على ألعاب بهلوانية تضمر التنصل من المسؤوليات الوطنية والقومية، وفـي مواقع أخرى لا تخفى على أحد، التآمر على قضايا وتطلعات الشعوب العربية.
سياسات الدول العربية الكسيحة، لم تستطع فـي الماضي، ولن تستطيع فـي المستقبل، أن تحوّل الشعوب العربية إلى شهداء زور بالرغم من ممارستها لجميع وسائل الضغط المباشرة وغير المباشرة التي تصل إلى حد الضغط على مواطنيها من خلال «لقمة العيش»، فالقضية الفلسطينية كانت وستبقى فـي صميم قضايا الإنسان العربي، اليومية والتاريخية.
وسياسات القوى العالمية بانحيازها الكامل والنهائي لإسرائيل، وفـي مقدمتها الولايات المتحدة، ليست أقل سوءاً وإجراماً، حين اكتفت بالتفرج على أحداث المجزرة وشجبها النظري لدور الجيش الاحتلال الإسرائيلي تحت قيادة مجرم الحرب أرييل شارون الذي نجا بفعلته وأصبح من قادة ورموز إسرائيل التاريخيين بدل تقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية.
والأنكى من ذلك، أن شارون الملطخة يداه بدماء عشرات آلاف الفلسطنيين واللبنانيين، وصل إلى سدة الحكم فـي الكيان الإسرائيلي، وحلّ ضيفا مرحباً به فـي أروقة مراكز القرار العربية والعالمية فـي واشنطن والقاهرة، وكأن شيئا لم يحدث..
وعند وفاته فـي العام 2014 قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بإرسال برقية تعزية بإسم الشعب الأميركي إلى الشعب الإسرائيلي وحكومته معبرا فـيها عن «أحر التعازي» وكأن شارون واحد من القديسين ونشطاء السلام، فـيما وصفته بعض وسائل الإعلام الأميركية «بالمحارب الذي يسعى للسلام»!..
ومجزرة صبرا وشاتيلا، بالرغم من كونها حلقة فارقة فـي سلسلة المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، إلا أن المجزرة ماتزال مستمرة عبر أشكال ونماذج مختلفة، فالفلسطينيون فـي الضفة الغربية مايزالون عرضة لمختلف أنواع القمع المباشر والهجوم من قبل المستوطنين اليهود فضلا عن تعرضهم للتضييق اليومي المذل عند نقاط التفتيش ومنعهم من استخدام بعض الطرقات السريعة، إضافة إلى مصادرة البيوت والأراضي، ما يجعل حياة الفلسطينيين اليومية جحيماً لا يطاق، وكل تلك السياسات يراد منها كسر إرادة الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة والتخلي عن بيوتهم وأراضيهم وإحلال المستوطنين مكانهم.
لكن فـي موازاة آلة القمع الإسرائيلية التي كلما اشتد جنونها ووحشيتها، يظهر الفلسطينيون مقاومة أشد وأصلب، مبتكرين أشكالا ووسائل.. غدت بدورها علامات فارقة فـي تاريخ نضال الشعوب من أجل تقرير مصيرهم..
فـي الذكرى الـ33 لمجزرة صبرا وشاتيلا.. المجزرة مستمرة، والمقاومة مستمرة أيضاً بدون أن تنتظر جوابا على ذلك السؤال: وين العرب..
Leave a Reply