حسن خليفة – «صدى الوطن»
فـي أحد أكثر المواقف العنصرية المنفّرة أعلن المرشح الجمهوري للرئاسة بن كارسون إنه لا يوافق على أن يستلم أي مسلم سُدَّة الرئاسة فـي الولايات المتحدة. وكان كارسون، وهو طبيب متقاعد فـي جراحة الأعصاب، يرد على سؤال وجههه برنامج «واجه الصحافة» الذي تعرضه شبكة «أنْ بي سي» التلفزيونية. وأضاف قائلاً « «لا أنصح بأن نجعل مسلماً مسؤولاً عن هذا البلد. لن أتفق على الإطلاق مع هذا الرأي».
وعندما سئل عما اذا كانت هوية الرئيس الدينية ذات أهمية لدى موقع الرئاسة، أجاب كارسون «إن الدين مهم إذا كان يتعارض مع القيم والمبادئ الأميركية»، وطبعاً الإسلام، وفقاً لكارسون، «لا يتوافق مع دستور الولايات المتحدة».
ويعتبر كارسون، وهو من مواليد ديترويت، منافساً جمهورياً من الصف الأول بين متنطحي الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، وهو حالياً فـي المركز الثالث خلف دونالد ترامب وكارلي فـيورينا، حسب استطلاعات الرأي حول انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية التي تضم ١٦ منافساً.
ومنذ إدلائه بتعليقاته المغرضة، تعرض كارسون لحملة انتقادات شديدة من كل من الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين، والناشطين المحليين والمسؤولين الحكوميين.
وفـي هذا الصدد صرحت رشيدة طليب، مديرة حملة «كافحوا الكراهية» التي تسعى لمكافحة التمييز المتزايد وسوء الفهم المستمر تجاه العرب الأميركيين والمسلمين، انها تشعر «بخيبة أمل من بيان كارسون».
طليب، النائبة الديمقراطية السابقة فـي كونغرس ولاية ميشيغن كانت امرأة أميركية مسلمة تحتل هذا المنصب فـي هيئة ميشيغن التشريعية وثاني امرأة مسلمة فـي تاريخ أميركا تنتخب فـي مجلس تشريعي، أبدت أسفها لكونها حضرت نفس الثانوية العامة ونشأت فـي نفس الأحياء التي ترعرع فـيها كارسون.
ومضت تقول «يجب أن يكون تصريحه كافـياً لحرمانه من الترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة». مؤكدة أنها تشعر بالاحباط من تصريح كهذا صادر عن شخص إفريقي أميركي ولد ونشأ فـي ديترويت وعلى الأرجح أنه واجه الكثير من التحديات العنصرية، «كيف يمكنه إهانة دين بأكمله.. هذا دليل على سقم وسوء أفكاره».
عضوا الكونغرس المسلمان، النائبان أندريه كارسون (ديمقراطي-انديانا) وكيث إليسون (ديمقراطي-مينيسوتا)، الذي نشأ أيضاً فـي ديترويت، كذلك انتقدا بن كارسون على تحريضه.
وفـي بيان صحفـي، قال إليسون، «يجب أن يكون كل أميركي منزعجاً من هذه التصريحات لأن هذه الشخصيات الوطنية تنخرط وتتساهل مع الأفعال الفاضحة من التعصب الديني».
وفـي مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة «أن بي آر»، قال نائب أندريه كارسون «بالنسبة لي أي مرشح يشير إلى أن شخصاً من أي دين غير صالح للمناصب العامة، هو مجرد أبله».
كما أعرب المرشح الرئاسي المستقل السناتور بيرني ساندرز (فـيرمونت) عن خيبة أمله إزاء تصريحات كارسون فـي بيان له صدر يوم الأحد الماضي.
«استغرقنا وقتاً طويلاً للتغلب على التحيز والتعصب ضد انتخاب رئيس كاثوليكي أو رئيس أميركي أفريقي» قال ساندرز، واستطرد «ينبغي أن ينتخب الشخص لمنصب عام على أساس أفكاره، لا دينه أو لون بشرته».
وكانت تصريحات ساندرز تلمح إلى كلٍ من الرئيس أوباما والرئيس السابق جون كينيدي، الذي كان أول رئيس كاثوليكي ينتخب. فخلال الحملة الانتخابية عام ١٩٦٠، كانت المواقف المعادية للكاثوليكية لا تزال سائدة فـي بعض مناطق البلاد، وكان بعض الناخبين يعتقدون أن ولاء كينيدي سيكون لبابا الفاتيكان، بدلاً من الدستور الاميركي. حتى انه فـي إحدى الخطب الانتخابية، اضطر كينيدي لمنح ضمانات بأن ذلك لن يحصل بتاتاً.
كذلك انتقد السناتور ليندسي غراهام (جمهوري-ساوث كارولاينا)، منافسه فـي السباق الرئاسي، فـي مقابلة مع «فوكس نيوز».
وقال المرشح الجمهوري «هذا يدل على أن الدكتور كارسون ليس على استعداد ليكون القائد العام للقوات المسلحة»، بحسب غراهام، وأضاف «قد يكون السيد كارسون طبيباً جيداً، لكنه غير مؤهل لقيادة أمة عظيمة».
وأفاد «أن كارسون يجب ان يعتذر إلى ما يقرب من ٣٥٠٠ من المسلمين الأمريكيين الذين يخدمون فـي القوات المسلحة الأميركية».
وفـي محاولة للدفاع عن موقفه، كتب كارسون فـي صفحته على «الفـيسبوك» ردَّاً بعد يوم من تصريحاته فأشار إلى أنَّ «ما قصدته بالضبط قلته… أنه لا يمكن أن أدعم مسلماً مرشحاً لمنصب رئيس الولايات المتحدة، ما لم ينبذ الركن الأساسي فـي عقيدة الإسلام: قانون الشريعة». وادعى أنه «فـي ظل الشريعة الإسلامية، يجب قتل المثليين جنسياً، ويجب أن تكون المرأة خانعة ويجب قتل المرتدين» بحسب فهمه..
واعترف كارسون بأن «الكثير من المسلمين لا يلتزمون بهذه المعتقدات، ولكن لا يمكن تأييد أي مرشح مسلم لمنصب الرئيس ما لم يتبرأ مما يعتقد أنها المبادئ الأساسية للإسلام».
وقال علي الدرة، وهو طالب مُسلِم فـي كلية الطب، انه كان من الذين يقدسون المساهمات والإنجازات الطبية لكارسن وكان يتطرق فـي أحاديثه كثيراً الى الدكتور كارسون، وعن كيفـية خروجه من الأحياء الفقيرة (غيتو) وإنجازاته كطبيب جراح، إلى أنْ سمع تعليقاته الاخيرة.
«لا يمكنك ان تعتلي المنبر وتقوم بإدانة ثلاثة ملايين شخص أو أكثر» من المسلمين الأميركيين، استهجن الدرة، وأضاف «انه أمر مخز حقاً، وخاصة بالنسبة لشخص مثله من الأقليات، لكي ينطق بهذا الكلام حيال أقلية أخرى».
وذكر القس والناشط المدني المحلي دوبل يو رايداوت انه يشعر «بخيبة أمل بسبب تصريحات كارسون. فعندما يجهل الناس بعضهم، ولا يتعلمون من بعضهم البعض، نحصل على هكذا نتيجة».
وطلب رايداوت وهو أفريقي أميركي أيضاً، من المرشح التركيز على قضايا أكثر أهمية و«ادارة حملته وان يكن هادئاً»، وأعرب عن رفضه التصويت لصالح الرئيس الذي يهاجم الأفراد بسبب ميولهم الدينية.
رشا المليكي، وهي ناشطة يمنية أميركية والمؤسسة المشاركة لجمعية «زي» النسوية (Z)، وصفت تصريحات كارسون بأنها «جاهلة ورجعية ولكن الأكثر جهلاً هذه الأيام يصبح الأكثر صخباً.. فالتعبير بمثل هذه التعليقات المتعصبة أصبح شكلاً من أشكال التندّر التي تمد المرشحين بالمزيد من الشهرة والأصوات من قبل أقلية نشطة جداً».
وأكدت أن المرشحين الجمهوريين يريدون التخلص من اللياقة السياسية وتبني الجرأة المتهورة بدلاً من ذلك.
لكن التصريحات المعادية للمسلمين والمواقف المتعصبة والإسلاموفوبيا لا تقتصر على المسؤولين الحكوميين حيث تشير تقارير المعهد العربي الأميركي أن أكثر الأميركيين يرددون صدى المسؤولين المنتخبين فـي شكوكهم بأن « لا يؤدي العربي أو المسلم واجباته فـي المواقع الحكومية التي يعينون فـيها». ووفقا للتقرير، فقد انخفضت المواقف الايجابية تجاه المسلمين من ٣٥ بالمئة فـي عام ٢٠١٠ إلى ٢٧ بالمئة فـي عام ٢٠١٤، وان ٤٨ بالمئة من الأميركيين المسلمين شهدوا شخصياً تمييزاً على أساس دينهم.
ووجد استطلاع «غالوب» للرأي اجري فـي شهر حزيران (يونيو) الماضي أن ٦٠ بالمئة من الشعب الأميركي سيصوتون للمرشح المؤهل بنظرهم لا على أساس خلفـيته العرقية أو الدينية (حتى لو كان مسلماً).
وذكر مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) أنه فـي عام ٢٠١٣ وقعت ١١٦٣ جريمة كراهية دينية فـي الولايات المتحدة، ١٤ بالمئة منها موجهة ضد المسلمين.
ولإعادة تأكيد موقفه من جديد، وسع كارسون وجهة نظره فـي مقابلة مع «ذا هيل» مكرراً انه «لا ينبغي للمسلم ان ينتخب رئيساً» وانبرى بالقول «لا أعتقد أن الشريعة هي متسقة مع دستور هذا البلد. المسلمون يشعرون أن دينهم هو إلى حد كبير جزء من الحياة العامة وماذا تفعله كموظف عام، وهذا يتعارض مع مبادئنا ودستورنا».
وتحظر المادة السادسة من الدستور الاختبار الديني كشرط لتبوّء منصب حكومي.
وأوضح كارسون «أن مسألة الرئيس المسلم هي إلى حد كبير غير ذات صلة، لأنه لا يوجد مسلم مرشَّح للرئاسة فـي عام ٢٠١٦ والسؤال قد يكون من بنات أفكار الصحافة التي قد تكون الغاية منها عرقلة المرشحين».
ومع ذلك، اعترف ان السؤال «خدم غرضاً مفـيداً من خلال توفـير الفرصة للحديث عن ما هية الشريعة وما هي أهدافها».
Leave a Reply