عماد مرمل – «صدى الوطن»
على وقع الازمة السياسية المستفحلة فـي لبنان وارتداداتها فـي الشارع، يواصل الجيش اللبناني معركته ضد الإرهاب، محتفظاً بزمام المبادرة الهجومية التي سمحت له بتوجيه ضربات موجعة الى العديد من الأهداف الدسمة مؤخراً.
وإذا كانت المؤسسسة العسكرية تكاد تبدو الوحيدة المنتظمة (الى جانب مصرف لبنان) من بين المؤسسات الاساسية فـي الدولة، فان المفارقة هي ان السياسيين يستسهلون محاولة العبث بها، فـي واحدة من أكثر المراحل دقة وحراجة، وذلك عبر طرح ترقيات لبعض الضباط، على اساس حسابات سياسية، الأمر الذي ولّد شعورا بالمرارة والامتعاض لدى ضباط كفوئين، يفترضون أنهم الأحق بالترقية.
لكن البلبلة التي تسببت بها «تسوية الترقيات» غير المنجزة بعد، لم تمنع المؤسسة العسكرية من مواصلة بذل أقصى الجهود على جبهة المكافحة الوقائية للإرهاب.
وفـي هذا السياق، أكدت مصادر عسكرية لـ«صدى الوطن» ان الوضع الأمني فـي لبنان ممتاز وممسوك، والجيش يقوم بمهامه فـي الداخل وعلى الحدود مستنداً الى جهوزية تامة، مشيرة الى انه لا يترك المجموعات المسلحة فـي الجرود ترتاح، بل هو يقصف كل تحركاتها المشبوهة ويمنعها من الاسترخاء.
وأشارت المصادر الى ان الجيش يلاحق أيضاً الخلايا الارهابية النائمة ويُطبق عليها تباعاً، قبل أن تتمكن من تنفـيذ أي عمل إجرامي، كاشفة عن ان مخابرات الجيش استطاعت مؤخرا ضبط مبلغ 50 ألف دولار، كانت فـي طريقها الى احدى المجموعات التكفـيرية، كما أن الجيش نفذ قبل أيام عملية نوعية نظيفة فـي داخل بلدة عرسال، أدت الى اعتقال أحد الرموز الارهابية.
ولفتت المصادر العسكرية الانتباه الى ان بعض الخلايا «الفالتة» قد تنتعش وتستعيد حيويتها إذا تمكنت فصائل المعارضة السورية من تحقيق انتصارات فـي مواجهة الجيش السوري النظامي، خصوصاً فـي المناطق المحاذية للبنان.
وأكدت المصادر أن الجيش يتابع التطورات الميدانية فـي سوريا على مدى اليوم، حتى لا يُباغت بمفاجآت غير محسوبة، موضحة انه على أتم الاستعداد للتعامل مع التداعيات التي قد تنتج عن أي تحولات عسكرية، على جبهات القتال الأساسية فـي الميدان السوري.
واعتبرت المصادر العسكرية ان سقوط حمص على سبيل المثال فـي يد المجموعات المسلحة يشكل الخطر الأكبر على لبنان، بالنظر الى قربها من الحدود المشتركة، لافتة الانتباه الى ان الفصائل التكفـيرية قد تحاول فـي حال وصولها الى حمص، إحداث اختراق فـي عكار بالتعاون مع الخلايا الكامنة، بغية إيجاد منفذ بحري لها على الشاطئ اللبناني.
وشددت المصادر على ان الجيش عزز وجوده العسكري فـي عكار، من خلال تحصين دفاعاته السابقة واستحداث مواقع جديدة، تحسبا لكل الاحتمالات.
ورأت المصادر ان قيادة الجيش الحالية استطاعت تطوير العلاقة بين أهالي طرابلس وعكار من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى، مشيرة الى ان هاتين المنطقتين تشكلان فـي الوقت الحاضر البيئة الحاضنة والدافئة للجيش، باستثناء قلة لا تتجاوز 2 بالمئة، بعدما كانت هناك أزمة ثقة لدى بعض الشرائح الشعبية على مستوى الشمال فـي المؤسسة العسكرية، نتيجة مناخات التحريض والتعبئة التي سادت فـي مرحلة معينة.
واوضحت المصادر ان من علامات الاحتضان للجيش أن قائده العماد جان قهوجي يتلقى باستمرار من فعاليات طرابلس وعكار دعوات الى تكريمه، لكنه يعتذر عن تلبيتها.
وفـي ما يخص ملف تسليح الجيش اللبناني، أفادت المصادر ان هناك امدادات للجيش، خصوصاً على مستوى الذخائر وبعض الاعتدة، مصدرها بشكل أساسي الولايات المتحدة التي تلبي الاحتياجات الضرورية للمؤسسة العسكرية فـي مواجهة الإرهاب، مع تقديم تسهيلات فـي هذا المجال.
وأشارت المصادر الى ان تحريكا فرنسياً تم خلال الأيام الأخيرة لجزء من هبة المليارات الثلاثة الممنوحة من السعودية الى الجيش عبر باريس، كما أن مبلغاً من حصة الجيش ضمن هبة المليار دولار التي يشرف الرئيس سعد الحريري على إنفاقها، قد جرى تحويله مؤخرا الى الولايات المتحدة فـي مقابل دفعة من السلاح النوعي الذي ينطوي على مروحيات قتالية متطورة.
وانطلاقا من المسؤوليات التي يتحملها الجيش فـي هذه المرحلة، وحرصاً على سلامة نسيجه الداخلي، اعتبرت المصادر انه ينبغي أن تتم مقاربة مسألة الترقيات العسكرية المطروحة بحذر شديد، لئلا تؤدي فـي حال «سلقها» تحت ضغط الضرورات السياسية الى انعكاسات سلبية على هرمية الجيش ومعنويات ضباطه، منبهة الى محاذير ترقية بعض الضباط الى رتبة لواء، عملا بالتسوية السياسية المفترضة، على حساب آخرين من ذوي الأسبقية والاقدمية.
وحذرت المصادر من أن أي ترقيات مفصلة على قياس مصالح شخصية من شأنها أن تشكل سابقة مسيئة للمؤسسة العسكرية وان تنتهك المعايير الدقيقة المتبعة للترقية فـي الجيش، لافتة الانتباه الى ان العماد قهوجي ليس مستعداً لتحمل وزر تأمين الإخراج لهذه الصفقة ولا يقبل ان تلقى أثقالها على كاهله، وبالتالي فإن المرجعيات السياسية هي المعنية باتخاذ القرار وتغطيته، وعندها يتولى قائد الجيش تنفـيذه.
وشددت المصادر على أن قيادة الجيش لا يمكن أن تعرقل أية تسوية داخلية من شأنها أن تقود الى تفعيل عمل الحكومة وإعادة فتح أبواب المجلس النيابي، إنما من دون تدفـيعه ثمنها بالضرورة، لافتة الانتباه الى ان الجيش هو صاحب مصلحة حقيقية فـي تزخيم عمل المؤسات، سواء كانت دستورية أو أمنية، لان من شأن ذلك ان يخفف الأعباء عن المؤسسة العسكرية التي تكاد تكون الضامنة الوحيدة للاستقرار الداخلي حاليا، وسط الشلل الذي يصيب الدولة من رئاسة الجمهورية الى السلطات الأخرى.
Leave a Reply