مصطفى العمري
إن الامم التي تكثر فـيها الدعوة لعبادة الله، هي اكثر الامم بعداً عن الله، لأنها تريد تسويق الله لكي تتحايل على عباده، ولو كانت هذه الدعوات الإيمانية فـي بلادنا العربية والاسلامية صادقة فـي فحواها وحركتها، لما وصل المجتمع الى هذا الانحطاط والعزلة والقتل والارهاب.
هناك خلل فـي المنهج العام بقي لسنوات وعقود طويلة لا يستطيع احد المساس به أو مناقشته او مفاتشته، إنها الدوغمائية الدينية التي تحرم البحث فـي الأشياء لئلا يستفـيقوا فـينتبهوا.
الواقع القائم ورغم مرارته ينبئ بأن بعض الناس قد استفاقوا والقادم سيكون أكثر وعياً وجرأة و تفتيشاً عن كل المربعات التالفة فـي بناء الوعي الإنساني.
عدت من العراق حديثا، سجلت ذاكرتي وقلمي أشياء مثيرة وكثيرة سأحاول الاختصار للتأكيد على مقولتي الاولى بأن «الامم التي تكثر فـيها الدعوة لعبادة الله هي اكثر الامم بعدا عن الله».
فـي العراق معظم الناس يتكلمون بقوانين الله وحدوده، ويدعون للتمسك بها، لكني مقتنع ان معظمهم لا يعرفون الله ولا قوانينه واحكامه. دليلي على قولي هذا، القصة التالية:
فـي احدى المناطق الجنوبية تعاقد مقاول بناء مع الحكومة لتشييد مبنىً ضخم على ضفاف الهور، أطلق عليه فـيما بعد اسم «المرسى».
باشر هذا المقاول «المسيحي» الغريب عن المنطقة جغرافـياً
واجتماعياً ودينياً، بمشروعه الكبير وبدأ فـي إنزال بعض من المواد الأولية للبناء، حتى جاءته جماعة من المنطقة التي يكثر فـيها الحديث عن قوانين
الله، وطلبوا منه أموالاً مدعين ان ملكية الارض تعود لهم منذ ما يقارب الألف عام!
استجاب الرجل على مضض ربما لانه خشي أن أحد هؤلاء الذين «يعرفون الله» قد يستخرج قانوناً إلهياً يفتي بقتله لانه مسيحي!
لم يكمل المقاول إنزال مواد البناء حتى جاءه بعض من الأهالي ليفرضوا عليه قوانين قبلية (الكوامة) مفادها بأنه «لا يمكنك العمل مالم ترضِ جميع الأطراف»، قالوا له نريد منك بعض مواد البناء من الإسمنت والحديد والرمل وغيرها.. قال لهم سأخسر فـي عملي و«سينهجم بيتي».
لكن الناس الذين لا تسقط كلمة الله عن السنتهم اصروا على موقفهم حتى رضخ لهم المقاول الغريب عن أهله وأطفاله.
واصل الرجل مشروعه وبدأ الأهالي معه ببناء بيوت مجاورة من كد وتعب وشقاء وأموال المقاول «المسيحي».
لم يكتمل بناء المرسى حتى كانت أبنية قريبة منه قد تطاولت على حساب سرقة أموال ومواد لم تعرق فـيها جباههم.
بعد فترة من الزمن، أُنجز المشروع رغم العراقيل وعمليات الابتزاز المرهقة، لكن سرعان ما ظهرت جماعة من المنطقة قالوا له:
والله يا استاذ انت خوش ولد (رجل جيد) أحببناك كثيراً، لكن عندك نقص واحد لو تسويه تصير تمام، قال لهم ما هذا الشيء؟ قالوا له تصير مسلم شيعي!
قال لي أكثر من شخص، إن الرجل أجابهم بألم وحزن قائلاً: «الاسلام الذي تمثلونه أنتم لا ارغب فـيه أبداً».
Leave a Reply