خليل إسماعيل رمَّال
واستدار العالم اخيراً استدارة جنبلاطية تجاه ما يجري فـي سوريا. فبعد أنْ كان الغرب، وأذنابه من العرب، قد «حسم» مرَّات عديدة بأنْ النظام السوري سيسقط لا محالة ولا حل للأزمة السورية إلاَّ برحيل الرئيس بشار الأسد، رضخ القادة الغربيون للأمر الواقع بعد فشل كل ما دبّروه من مؤامرات نجم عنها إطلاق المجرمين التكفـيريين من عِقالهم. وافتتح «التيرو» وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي فقع تصريحاً جنبلاطياً بامتياز يُعدُّ من أغرب التصريحات السياسية فـي العصر الحديث والتي قد تُذكَر فـي الجامعات من قبيل الهفوات السياسية المضحكة (bloopers). فقد قال كيري جنبلاط إنَّ على الأسد الرحيل لكن ليس الآن «فـي يوم واحد أو شهر واحد بل من خلال التفاوض وفـي إطار مفاوضات جنيف». ثم كرَّت سبحة الدول الأوروبيَّة حول عدم اشتراط إسقاط الرئيس الأسد أو بالأحرى وقف المكابرة من قبلها وانضم اليها الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة الذي أكد أنَّ «مصير الرئيس السوري يقرره شعبه». صح النوم بعد خمس سنوات من الغباء والدهاء والمكائد. هذا من ناحية الغرب أما العرب المتآمرون على سوريا فلا يُعتَدّ بهم ولا بمواقفهم عندما يتحدَّث أسيادهم، فمهما كانت مقاصدهم تجاه دمشق سوف يرضخوا فـي النهاية للولي الأميركي والإسرائيلي. لكن هذا التبدل فـي الموقف من سوريا ليس بطيب خاطر المعادين بل يعود إلى جملة من الأسباب أهمها:
١- العامل الروسي والإيراني وتدخُّل المقاومة كان الحاسم الأكبر. وقد أخذت روسيا زمام المبادرة وأفشلت عبر تواجدها العسكري واستخباراتها عملية عسكرية إسرائيلية سعودية أميركية مشتركة بالتعاون مع تركيا والأردن خلال حدوث العاصفة الرملية، تضمَّنتْ التخطيط للسيطرة على دمشق والقيام بإنزال فـي القصر الجمهوري كمحاولة أخيرة لإسقاط النظام بعد المعارك الطاحنة وبعض المكاسب التي حققها التكفـيريون. وقد استشعرت روسيا وإيران بخطر المؤامرة فعززتا من وجودهما العسكري المتطور بالتحالف مع المقاومة والمقبل من الأيام سيشهد عمليات نوعية للقضاء على المرتزقة خصوصاً الشيشان منهم الذين يشكلون خطراً على موسكو.
٢- أزمة اللاجئين السوريين ووفاة الكثيرين منهم وهم يعبرون البحار لَيْسَت جديدة كما ان النفاق الغربي بعد مشاهدة صورة الطفل الكردي إيلان على الشاطيء التركي، لا يقنع أي عاقل فمصالح الدول لا تهتز بالمشاعر وكم من طفل فـي لبنان وغزة وسوريا واليمن ومصر استشهد بطريقة أشنع من إيلان ولم يرف للغرب جفناً. والذي حصل أنَّ أوروبا بحاجة الى يد عاملة ماهرة كاليد العاملة السورية لكنها فـي الوقت عينه لا تريد انفجاراً سكانياً عندها بسبب اللاجئين خصوصاً أنَّ لا ضمانة من تسرب مجرمي «داعش» التائبين منهم أو الهاربين أو المزروعين.
٣- استمرار تهوُّر السعودية رغم فشلها فـي اليمن وقد لا تتمكن من دحر الجيش اليمني واللجان الشعبية من داخل الجزيرة العربية مما ينعكس تشدداً فـي موقفها فـي لبنان عبر فؤاد السنيورة الذي يمثِّل قمة الفساد واللصوصية لكنه من خلال خلافه مع معلِّمه وبهية أصبح رجل الرياض فـي لبنان مع سمير جعجع.
٤- فشل تركيا المزري وسلطانها العثماني من إحراز أي تقدم فـي المخطط ضد سوريا والعراق وانكشاف مساعدته لـ«داعش» أمام العالم، وانشغاله وانكفاؤه فـي الداخل مع بروز المشكلة الكردية، كل ذلك أدى إلى تبدُّل فـي الموقف الغربي.
٥- قلنا سابقاً ان صمود سوريا سيغير المعادلات، وجاء هذا اليوم الذي عرف فـيه العالم أنَّ سوريا الموحدة هي ضمانة استقرار المنطقة فيما يكون البديل عنها دويلات داعشية إجرامية لن يسلم من شرورها أحد حتى ولا الذين يظنون اليوم انهم مستفـيدون من وجودها!
Leave a Reply