إزالة تمثال رئيس بلدية ديربورن الأسبق أورفـيل هوبارد تتضمن عدة إشارت لا تخلو من معانٍ متضاربة. المعنى الأول يتمثل فـي نقل التمثال إلى مخزن فـي متحف ديربورن، من دون أن يعني ذلك أن «تراث» الرجل العنصري صار مجرد ذكرى غير سارة من الماضي، والمعنى الثاني يتكشف من حقيقة أن الإزالة قد تمت لأسباب تقنية بحتة، بسبب انتقال بلدية ديربورن إلى مبنى آخر، الصيف الماضي.
النحاتة جانيس تريمب تضع اللمسات الأخيرة على تمثال هابرد الذي صنعته في غضون ستة أسابيع عام ١٩٨٩. (أرشيف ديترويت نيوز) |
لقد جلبت «تنحية» ذلك النصب البرونزي، فـي جميع الأحوال، الكثير من الارتياح والمسرة لسكان المدينة التي شهدت تغيرات ديموغرافـية عميقة خلال العقود الأخيرة، خاصة لناحية تمدد الجالية العربية واتساعها، ولكن «تراث» الكراهية والعنصرية لم ينحسر مع رحيل هابرد، ومانزال منخرطين بشكل شبه يومي فـي معمعان الآثار الجارفة لسياسات العتصب والتمييز، ضد العرب والمسلمين بشكل خاص، وضد الأقليات بشكل عام.
فهابرد الذي ترأس بلدية ديربورن لأكثر من 35 سنة كان من عتاة الفصل العنصري بين البيض والسود، وكان كل همه أن يجعل من المدينة مدينة بيضاء بالكامل، متحمسا أشد الحماسة لتبني سياسات شبه تطهيرية، من خلال مناوئته الشديدة لسكن الأفارقة إلى جانب البيض فـي ديربورن، إذ عارض بعناد، أحد المشاريع الإسكانية التي أعدت لهذا الغرض، فضلا عن أنه كان متحمسا لسياسات أمنية أكثر قسوة تشدد الرقابة على السود داخل وفـي جوار المدينة.
لقد رحل العنصري الذي طلب من قوات الشرطة إطلاق النار على المشاغبين فـي أحداث ديترويت عام ١٩٦٧، قائلا: «أنا أكره هؤلاء السود الأوغاد وحسب».
لقد رحل العنصري، لكن العنصرية لم تزل باقية وأكثر من ذلك.. تتمدد وتتعمق، فحقيقة أن الرجل توفـي فـي العام 1982 ليأتي مؤيدوه والأوفـياء لتراثه العنصري ويقيموا له تمثالا بعد سبع سنوات من رحيله يتضمن الكثير من الدلالات، ليس أقلها أن سلوك رئيس البلدية ليس سلوكا منعزلا، بل على العكس.. إنما يندرج فـي منظومة متماسكة وصلبة من ثقافة التمييز العرقي الذي يتجلى بالفرز السكاني فـي منطقة مترو ديترويت، لدرجة يمكن القول معها أن التوزع السكاني فـي هذه المنطقة يكاد يشبه الـ«غيتوهات» الأقلوية.
ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نفهم ونفسر تلك الحدود التي تحدد الخريطة السكانية الحالية، فبعد أكثر من ثلاثة عقود من تحول المنطقة الفاصلة بين ديربورن وديترويت الى شبه «خطوط تماس» بين السود والبيض، أصبح شارع «تايرمان»، اليوم يفصل بين مجتمع الجالية العربية ومجتمع الأفارقة الأميركيين، وكذلك الأمر بالنسبة لضواحي غروس بوينت فـي شرق ديترويت التي تعتبر مجتعما شبه خالص للأميركيين البيض، فـيما يشكل السود أغلبية كاسحة فـي الأحياء الشرقية من ديترويت.
حتى أن الفرز الديموغرافـي فـي منطقة ديترويت لا يقتصر فقط على الفصل بين السود والبيض بل أصبحت هناك مجتمعات مقسمة على أسس إثنية وثقافـية حيث تشهد الجالية العربية مثلاً تكتلات سكنية للبنانيين واليمنيين والعراقيين، فـيما لا تزال حقوقهم حتى فـي ديربورن، حيث هم الأغلبية، مهدورة.
فشرطة المدينة لا تزال تجبر النساء المسلمات على خلع الحجاب أثناء احتجازهن أو توقيفهن، كما يقوم العناصر الذكور بتفتيشهن، مما يتعارض مع عقيدتهن الدينية التي يكفلها الدستور الأميركي.
فـي ديربورن أيضاً، خاض النشطاء العرب معركة طويلة عام ٢٠٠٤ لاطلاق اسم عربي على مدرسة فـي المدينة. وبعد جهد جهيد قبل أن يضاف الإسم العربي الى اسم أميركي، فكانت مدرسة «ماكولو-يونس»، ومنذ ذلك الحين وقبله، لم يطلق أي اسم عربي على شارع أو حديقة عامة أو أي مبنى بلدي فـي المدينة!
السبب يرتبط بشكل أو بآخر بـ«تراث هابرد» الذي لا يزال موجوداً فـي مدينة ديربورن وعقلية إدارتها.. وإذا كانت العنصرية فـي زمن هابرد واضحة وصريحة فإنها اليوم أصبحت أكثر خبثاً ودهاءً.. وتحت عناوين الصحة والسلامة العامة، يمكنك أن تفعل الكثير.
Leave a Reply