علي حرب – «صدى الوطن»
«هل البابا كاثوليكي؟»، عبارة يستخدمها الأميركيون للرد على الأسئلة المفروغ من الإجابة عليها.
بالطبع هو كاثوليكي، لكن بعد سيل المواقف والرسائل التي أطلقتها قداسته فـي زيارته إلى الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، لم يكن البابا فرانسيس ممثلاً فقط للمذهب الكاثوليكي، وإنما حمل معه رسالة عالمية إنسانية، لجميع الناس من كل الأديان والمعتقدات.
وقد قوبلت دعوات البابا بإشادات واسعة من قبل النشطاء العرب والمسلمين الأميركيين، الذين رحبوا بمواقفه حيال اللاجئين والمهاجرين والتسامح بين الأديان وضرورة حماية البيئة.
وفـي هذا الصدد، صرح الفلسطيني الأميركي كين حرب، رئيس «اتحاد رام الله»، بأن دعوة البابا فرانسيس لمساعدة اللاجئين كانت «إيجابية وضرورية». «النَّاس المهجرون هم فـي حاجة لدعمنا لكنهم يقابلون بالأسلاك الشائكة. وانا كمسيحي، أرى أن يسوع كان لاجئاً. واضطرت عائلته إلى التخلي عن رزقها فـي بيت لحم والفرار منها فقط بالثياب التي تغطي أجسادهم». وأضاف «لدينا مسؤولية تجاه تلك الاضطهادات والحروب».
وتابع حرب «كفلسطيني، أرى ان رسالة البابا حول اللاجئين قوية.. فالملايين من الفلسطينيين اجبروا على العيش فـي الشتات لأن أسرهم اضطرت إلى ترك منازلها مع إنشاء دولة إسرائيل».
وأردف حرب «أن البابا يحظى بشعبية بين الفلسطينيين من جميع الأديان بسبب صلاته التي لم تكن مقررة على جدول زيارته، أمام جدار الفصل العنصري فـي الضفة الغربية خلال زيارته للأراضي المقدسة فـي العام الماضي».
«أنا أثمن وقوف البابا عند جدار الفصل العنصري، الذي كُتب عليه «بيت لحم تشبه غيتو وارسو»، وتابع «كان ذلك رائعاً. إنه يعني الكثير للفلسطينيين فـي جميع أنحاء العالم. لقد كان يصلي لنا من اجل اقامة دولة كاملة، لمواطنيها الحق فـي العيش بحرية وكرامة».
ووصف بعض المعلقين اليمينيين البابا بانه مناهض للرأسمالية وانتقدوا تصريحاته عن البيئة.
لكن حرب هاجم منتقدي البابا بقوة وقال «ان الرأسمالية عظيمة، وهي السبب الذي يجعل الناس يأتون إلى الولايات المتحدة، لكن البابا يريد لنا ان نفكر فـي القيم الخاصة بنا وهو لا يريد منا إساءة استخدام الموارد الطبيعية. يطلب منا رعاية الفقراء ومساعدة المحتاجين والمعدمين».
جدير ذكره ان الناشط كين حرب هو مسيحي أرثوذكسي، لكنه قال انه يؤيد رسالة البابا رغم انه رأس الكنيسة الكاثوليكية. ومع إقرار حرب بأن خلفـية البابا فرانسيس الأميركية الجنوبية تؤثر على أجندته، الا انه لم يأخذ الكنيسة باتجاه جديد تماماً.
ومضى الى القول ان «الكنيسة الكاثوليكية تتحدث دائما عن القيم الإنسانية، لكن المجتمع الذي نعيش فـيه اليوم يختلف عما كان عليه قبل ٣٠ عاماً، وبالتالي فإن رسالة الكنيسة تواكب تطوّرات اليوم».
من ناحيته قال الدكتور منير فريد، وهو عالم إسلامي ترأس عدة مؤسسات دينية اسلامية، ان البابا وجه عمداً رسالة تتعلق بالرفاهية العالمية وحقوق الإنسان، ولم يخصص ذلك للمذهب الكاثوليكي.
«ان نطقه بقول الحقيقة الساطعة بهذه الطريقة الشاملة، وعدم خوضه كثيراً فـي الدين، ودينه هو على وجه الخصوص، سمح له بأن يصبح الناطق باسم جميع المؤمنين فـي العالم»، أوضح فريد فـي حديثه عن البابا.
وحول التعامل مع الأصولية، قال البابا: «نحن نعلم أن لا دين فـي مأمن من أشكال الوهم الفردي أو التطرف الأيديولوجي». فرانسيس كان يحذر ضد التطرف داخل المسيحية، ولكن يمكن تعميم بيانه هذا على مدّعي الإسلام، ضد أولئك الذين يزعمون أن الدين يدعو إلى العنف ويدعم الارهاب.
وأوضح فريد «ان تأثير البابا على علاقة أميركا بالإسلام كان محدوداً بسبب الاسلاموفوبيا المتفشية». وأضاف «لكن تأثيره على التطرف الديني فـي الساحة العامة أكثر أهمية». وتابع «إن جذور البابا الأميركية الجنوبية جعلته يهتم بحقوق المحرومين فـي حين تجنب الخوض فـي القضايا الأخلاقية المثيرة للجدل».
وختم فريد كلامه مع «صدى الوطن» قائلاً «كانت هذه الزيارة البابوية ناجحة أساساً لأن طرفـي الطيف الأخلاقي اجتمعا فـي الواقع معاً بشكل جيد للغاية، ولأن البابا جعل كل الأميركيين، وليس فقط الليبراليين والكاثوليك، مشاركين فـي هذا الخطاب الأخلاقي».
وقال علي بلعيد المكلاني، المدير التنفـيذي للجمعية الخيرية اليمنية الأميركية (يابا) «ان زيارة البابا خففت التوترات الدينية فـي الولايات المتحدة. وفـي الوقت الذي أصبحت فـيه المشاعر المعادية للمهاجرين وللإسلام آخذة فـي الارتفاع، جاءت زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية ليقول للناس أن يكونوا محبين للغير، وهذا قد يحدث فرقاً مهماً. انها رسالة حق ونحن ممتنون لكلماته».
وأضاف أن «شخصية البابا الخيرة سوف تساعد فـي مكافحة التعصب لدى جميع الأديان».
وقال الطالب فـي كلية «هنري فورد»، رمزي منكوش، «ان رأفة البابا تجسد المثل الحقيقية لإيمانه كمسيحي. وهؤلاء المحافظون المسيحيون هم بحاجة إلى مراجعة واقعية عن الدين المسيحي». وأضاف «من المفارقة أن يصفوا البابا بالشخص الفظيع فقط لأنه يدعو الى تطبيق تعاليم يسوع». «البابا فرانسيس والأم تريزا يمثلان معنى أن يكون المرء مسيحياً حقيقياً، وليس كـ راش ليمبو ومن شابهه».
وقالت كريستينا الحداد، الناشطة فـي الدفاع عن حقوق المهاجرين فـي «الجمعية الأميركية العربية» فـي نيويورك، إنها كانت سعيدة «لأن البابا كان قادراً على الوصول الى قلوب غير المسيحيين، مروّياً عطش الكثيرين من العرب والمسلمين لقيادات دينية من هذا النوع». وأضافت «باعتباري عربية كاثوليكية، احسست بالفخر لان العالمين اللذين انتمي اليهما توحدا معاً لتحقيق نتائج إيجابية. وآمل أن تكون زيارته قد بَارَكْت حقاً عقول وقلوب الكثير من الناس بما يكفـي لإحداث التغيير الإيجابي المطلوب فـي هذا البلد».
كما أشاد خالد بيضون، أستاذ القانون فـي «جامعة باري» فـي أورلاندو بولاية فلوريدا، بالبابا فكتب على صفحته على «الفـيسبوك»: «البابا فرنسيس شخصية مرموقة تذكرنا بأنه يمكننا التعلم من رجال الدين من أديان أخرى».
وخلص الى القول «كوني مسلماً، أرى فـي اهتمامه بمحنة اللاجئين وحقوق الفقراء وتأكيده على التسامح؛ وانتقاده للمؤسسة الدينية، رسالةً واضحة تعبر عن جوهر الإسلام».
Leave a Reply