كمال ذبيان – «صدى الوطن»
الأزمة التي تعصف بالنظام السياسي فـي لبنان، وتهدّد مؤسساته الدستورية، التي تمر بشغور فـي رئاسة الجمهورية، وتمديد وتعطيل لمجلس النواب، وتعثّر عمل الحكومة، فإن الخروج منها، بالعودة الى مصدر السلطات وهو الشعب، وفق الدستور، ودعوته الى إنتخابات نيابية، تعيد إنتاج سلطة جديدة، فإما يجدّد الشعب لمن يمثّله فـي المجلس الحالي، أو ينتفض عليه، وينتخب ممثلين عنه.
لكن هذا الإقتراح-الحل، الذي طرحه النائب العماد ميشال عون، يستمده من أن الإحتكام الى الشعب، هو ما تلجأ إليه الدول عندما تقع فـي أزمة سياسية أو دستورية أو اقتصادية واجتماعية، حتى ولو كانت الإنتخابات جرت قبل أشهر، كما حصل فـي تركيا واليونان اللتين خاضتا إنتخابات قبل أشهر ومثلهما فعلت دول أخرى، وهو حل دستوري ومن ضمن المؤسسات، لأن البديل عنها هو إنقلاب عسكري، أو ثورة شعبية، أو حرب أهلية، وكل هذه النماذج لجأ إليها لبنان، فـي أزمنة متعددة، وكانت النتائج سلبية، ويبقى الملاذ الآمن هو الإنقاذ من ضمن الديمقراطية التي تعني حكم الشعب.
والمادة 55 من الدستور أعطت لرئيس الجمهورية الحق فـي حل مجلس النواب فـي الحالات المنصوص عليها فـي المادتين 75 و77 من الدستور، بناء على قرار من مجلس الوزراء، لكن إتفاق الطائف قيّد صلاحيات رئيس الجمهورية فـي حل المجلس النيابي، حيث اعتُبر ، ورقة قوية كانت بيد رئيس الجمهورية، قبل الطائف، فتمّ تقليصها، ولم يعد باستطاعته التلويح للمجلس بحله، إذا ما عطّل العمل التشريعي أو شل عمل الحكومة فـي رد الموازنة.
ولبنان الذي لا يوجد فـيه رئيس للجمهورية يحل مجلس النواب الممدد لنفسه، فإن المؤسسات الدستورية ستبقى مكبلة، والأزمة ستطول، والبلاد الى مزيد من الأزمات، التي بدأت تنفجر غضباً فـي الشارع بما يشبه «ثورة شعبية» بوجه الطبقة السياسية الحاكمة التي عمّمت الفساد، وخالفت القوانين ومنعت تنفـيذها، مما أدّى الى إضعاف هيبة الدولة ومؤسساتها، وقد يؤدي هذا الوضع المتردي سياسياً ودستورياً واقتصادياً، الى إنفجار شعبي واسع، سيكون أقوى من الحراك الذي تقوم به هيئات من المجتمع المدني، حيث الكرة فـي ملعب مجلس النواب الذي إذا لم يقدم على الإجتماع لإصدار قانون إنتخاب فإن الهيكل سيقع على رؤوس الجميع.
وعلى طاولة الحوار، مطروح البحث فـي قانون الإنتخاب الذي استهلك وقتاً طويلاً من أعمال اللجان النيابية لاسيما لجنة الإدارة والعدل، لكنها لم تتوصل الى توافق حول قانون الإنتخاب، وعقدت اللجنة النيابية المصغرة عدة اجتماعات بعد التمديد الثاني لمجلس النواب، لكنها بقيت فـي حلقة مفرغة، إذ يدور الخلاف حول النظام الإنتخابي بين أكثري وهو المعمول به حالياً والنسبي وهو مطروح منذ عقود، وتضمنته برامج أحزاب وتيارات سياسية، لكنه لم يُعمل به، لإشراك أكبر شريحة من الشعب اللبناني فـي المجلس الذي يمثّله.
وبدأ النظام النسبي يشقّ طريقه، إذ يتبناه الرئيس نبيه برّي منذ سنوات، ويؤيّده الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، وطالب به العماد عون، وتدعو له الأحزاب الوطنية والتقدمية منذ أكثر من نصف قرن، ويضع عليه النائب وليد جنبلاط شروطاً وقيود، فـيما يرفضه «تيار المستقبل» الذي تفقده النسبية مقاعد نيابية، أقر الرئيس برّي بأنه سيخسر أربعة أو خمسة مقاعد نيابية، لكنه يربح الوطن، وهو سيطرح الموضوع على المناقشة أثناء الحوار، إذا ما تمّ تجاوز عقدة إنتخابات رئاسة الجمهورية سلباً أو إيجاباً، لأن البحث فـي قانون إنتخابات يبقى هو الأساس الذي عنه تنبثق السلطة ويتحدّد شكلها.
فالنسبية تتقدّم على الأكثرية، وإن كانت أطراف سياسية، تطرح نظاماً مركباً من النسبية والأكثرية وهو اقتراح تقدم به كل من «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الإشتراكي مع توزيع للدوائر بين النظامين، فـي وقت يطرح عون قانون إنتخاب على أساس النسبية وتوزيع الدوائر بين 13 و15 دائرة، كما يطرح قانون لجنة الوزير السابق فؤاد بطرس التي قدّمت اقتراحاً يشمل على إنتخابات من قسمين، نسبي على أساس الدائرة الكبرى، وأكثري موزّع على أقضية أو أوسع، فـي حين أن الرئيس برّي ومعه أحزاب وطنية يطرحون لبنان دائرة واحدة واعتماد النسبية.
بدأ تحريك موضوع قانون الإنتخاب، وإجراء إنتخابات نيابية على أساسه، حيث أعلن الحراك الشعبي، أنه من ضمن مطالبه الخدماتية كالكهرباء والمياه والنفايات وتأمين الطبابة والضمان الصحي، وتوفـير فرص عمل، فإن هذه المطالب التي تحسن الوضع الإقتصادي والإجتماعي والإنمائي للمواطن، لكنها لا تغيّر فـي النظام السياسي، من هنا كان الربط بين مطالب سياسية وأخرى خدماتية، إذ يبقى إجراء إنتخابات نيابية هو الأساس، وأن البلاد بحاجة الى حل يخرجها من هذا الإحتقان الشعبي، الذي تسبب التمديد لمجلس النواب مع عدم إنتخابه رئيساً للجمهورية، وتقاعسه عن قيامه بدوره الرقابي والتشريعي، الى قيام مجموعات من الحراك الشعبي تدعو الى المحاسبة، وأخرى الى المساءلة، ودعوات من حملات الى إسقاط ورحيل الجماعة الحاكمة منذ حوالي ربع قرن، التي أفلست الدولة بالديون وخدمتها، كما شرّعت الفساد باقتسام المغانم والمحاصصة.
فالدعوة الى إنتخابات نيابية مبكرة، وقطع فترة التمديد لمجلس النواب، هو ما يتم تداوله فـي صفوف الحراك الشعبي ومنظميه، لأن استبدال السلطة أو تداولها، لا يتم إلا من خلال إنتخابات بقانون يسمح بحصول إختراقات للوائح المعلبة، وكسر احتكار التمثيل النيابي، إذ أن عدداً كبيراً من النواب ينتخبون للمرة الخامسة منذ العام 1992 وحتى 2009، ومددوا لأنفسهم لدورة سادسة، أي يكون بعض النواب وهم كثر قد أمضوا نحو ربع قرن فـي مجلس النواب، وبعضهم لم ينتجوا ووصفهم الرئيس بري بالكسالى ،ولم يشاركوا فـي جلسات اللجان النيابية، او يتقدموا باقتراح قوانين، ولم يقوموا بدورهم التشريعي ولا الرقابي على الحكومة، إذ لا استجوابات للوزراء، إلا ما ندر كما لا حجب للثقة عن وزير أو أكثر مارس ممارسة خاطئة، إضافة الى أن حكومة لم تسقط فـي مجلس النواب، وتحديداً بعد إتفاق الطائف، سوى مرتين استقال فـيهما الرئيس عمر كرامي، الأولى فـي 6 أيار 1992 فـي تحريك الشارع ضد حكومته من المخابرات السورية برئاسة العميد غازي كنعان الذي دفع بالإتحاد العمالي العام وأحزاب للنزول الى الشارع وإقفالها بالدواليب المشتعلة، للضغط على الرئيس كرامي للإستقالة، تمهيداً لوصول الرئيس رفـيق الحريري الى رئاسة الحكومة، تسبقه حكومة إنتقالية ترأسها رشيد الصلح للإشراف على إنتخابات نيابية، تؤمن الأكثرية للحريري، وهذا ما حصل، وكان الرئيس كرامي فـي هذه الأجواء لذلك فضّل الإستقالة، التي قدّمها مرة ثانية فـي 28 شباط 2005، وبعد أسبوعين على اغتيال الرئيس رفـيق الحريري.
فحل مجلس النواب متعذّر لعدم وجود رئيس الجمهورية، والحكومة الحالية التي تتولى صلاحياته لا تفعلها، وأن المجلس لا يحل نفسه، كما أن استقالة أعضاء منه لا يفتح باب الإنتخابات، إلا إذا اقتنع أقطاب الحوار، بأن الحل عبر إنتخابات، أفضل من إنفجار الشارع الذي لن يتراجع منظمو الحراك عن الاستمرار من استخدامه فـي طرح مطالبهم، وفـي مقدمها قانون إنتخاب على أساس النسبية، وإجراء الإنتخابات التي يتذرّع فريق قوى «14 آذار»، بأنها لن تحصل قبل إنتخاب رئيس للجمهورية، وهي عقدة قد تنسف الحوار فـي مجلس النواب، وتعقّد الأوضاع السياسية والدستورية، إذا ما تمّ شل عمل الحكومة التي علقت جلساتها، بسبب الخلاف حول التعيينات العسكرية والأمنية، وآلية عملها.
والرئيس برّي الذي مدّد لمجلس النواب على مضض، واستجاب لطلب «تيار المستقبل» بالتمديد، بعد تهديد رئيسه سعد الحريري بمقاطعة الإنتخابات، فرأى رئيس مجلس النواب، أن مكوناً سياسياً وطائفـياً وازناً لن يشارك فـي الإنتخابات، فسيعاد تكرار تجربة مقاطعة شريحة واسعة من المسيحيين لإنتخابات عام 1992، فأدخل المسيحيون عبارة «الإحباط المسيحي» على الحياة السياسية، والتي شكّلت تحدياً للسلطة، وهو ما لا يريد أن يقع الرئيس برّي فـيه من جديد، لكن التمديد لمجلس النواب، لم يكن عملاً شعبياً، وهزّ الثقة بمجلس النواب والسلطة التنفـيذية، حيث يدرس خيار الإنتخابات النيابية التي لم يعد من مبرر لعدم حصولها، إذ أن الوضع الأمني الذي تذرّع به البعض، هو فـي تحسن دائم مع إنهاء الحالات الشاذة مثل الشيخ أحمد الأسير، وفـي وقف المعارك فـي طرابلس، ووقف تقدم الجماعات الإرهابية فـي عرسال.
وسيعمل الرئيس برّي على إقناع أعضاء طاولة الحوار، بأن الإنتخابات النيابية، هي السبيل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة، ورد الأمانة الى الشعب، ودعوته الى التعبير عن رأيه فـي صندوق الإقتراع، وهذه ممارسة ديمقراطية، لأن العام المقبل، وفـي ربيعه سيطل استحقاق الإنتخابات البلدية والإختيارية، فكيف سيتم التعاطي معها، وهي إدارات محلية يعوّل عليها فـي خطة رفع النفايات ومعالجتها، كما فـي مشاريع إنمائية أخرى، فمَن يسبق مَن، الإنتخابات الرئاسية أو النيابية، وهل أن الإنتخابات البلدية والإختيارية المقبلة، ستفتح الباب أمام أخرى نيابية، أم تقفله بالتمديد للمجالس البلدية، مما سيرفع من منسوب الغضب الشعبي، وسيزداد الوضع تعقيداً، طالما أن السلطة تمنع الشعب من ممارسة دوره فـي اختيار ممثليه فـي النيابة، كما فـي البلدية.
Leave a Reply