خليل إسماعيل رمَّال
سوريا الأبية دخلت التاريخ من أبوابه الواسعة وهي تنزف دماً زكياً من قلب نسائها والرجال فـي حربها ضد أشباه الرجال والمخلوقات، لكنها انتصرت رغم استمرار الحرب ودفعت الضريبة عن كل القوى الوطنية الشريفة مما أدى إلى افشال مخطَّط «الربيع العربي التكفـيري» ذي الوجه الوهَّابي-القطري-الصهيوني، وإسقاط القطبية الأحادية والإستفراد الأميركي للعالم فـي فترة ما بعد سقوط الإتحاد السوفـياتي وانتهاء الحرب الباردة، كما ردَّدنا مراراً.
فلم يكن القرار الإستراتيجي الروسي بالدخول إلى سوريا والمباشرة بعمليات وضربات عسكرية جوية ضد أوكار الاٍرهاب بالتحالف مع دمشق وبغداد وطهران والمقاومة اللبنانية، فـيما عُرف بالمحور المقاوم أو «١+٤»، ليتم لولا الصمود الأسطوري للجيش والشعب العربي السوريين والمقاومة رغم استفحال الاٍرهاب التكفـيري وداعميه الخليجيين والعثمانيين، مما شجَّع روسيا على إعادة صياغة الشرق الأوسط وترسيخ وصولها إلى المياه الدافئة. ويمكن تلخيص أسباب ونتائج التدخُّل الروسي بالآتي:
١- تبيَّن أنَّ حملة الحلفاء الغربيين على الاٍرهاب ذي المنبع الوهَّابي والغربي ما هو إلا كذبة كبيرة والدليل على ذلك تركه يبتلع ويتمسكن فـي مساحات واسعة مكشوفة فـي العراق وسوريا ومؤخراً فـي اليمن تحت سمع وبصر وتخطيط العدوان السعودي، من دون ضربه إلا عبر الجو الذي لا ينفع، وتركه يبيع النفط العراقي فـي السوق السوداء. والملاحَظ أنَّ أوباما وغيره من القادة الغربيين ما فتأوا يرددون أنَّ ضرب التكفـيريين عملية معقدة وستستغرق وقتاً طويلاً وهذا ما توجَّس منه بوتين الذي رأى بعينه الفوضى تدبُّ فـي دول «الربيع العربي» جراء التدخُّل الأطلسي كما رأى خدعة المعارضة «المعتدلة» التي سلَّمَتْ سلاحها لجبهة «النصرة» و«داعش»، كما صرَّح هو بذلك فـي الأمم المتحدة.
٢- الإستراتيجية الغربية لا تنوي القضاء على الاٍرهاب الداعشي بل استخدامه لإنهاك محور المقاومة وسوريا والتلويح به كفزَّاعة لابتزاز دول المنطقة بدليل أنَّ هذا الاٍرهاب لا يشكل خطراً على إسرائيل وهذا ما يهم واشنطن، بل بالعكس تحالف تل أبيب مع الجماعات الإرهابية برهن على أنها تنفذ مآربها فـي إبقاء المنطقة متخبطة ومشلولة وهذا ليس فـي مصلحة روسيا وشعوب المنطقة.
٣- رغم استنكار أميركا للعمليات العسكرية الروسية، لا يمكن إخفاء حَرَجها من الوقوف ضدها أمام المجتمع الدولي على أساس أنَّ محاربة الاٍرهاب اخترعتهما اميركا بعد هجمات أيلول وأقنعت العالم به فأصبح حقاً أممياً مشروعاً وهذا ما تفعله روسيا. وكل ما يمكن للغرب الغبي قوله هو الادِّعاء أنَّ التدخُّل الروسي جاء لدعم النظام، لا ضرب «داعش» رغم أنَّ الهدفـين متلازمان طبيعياً فإما الوقوف مع الحكومة السورية أو مع «داعش»، ولا منطقة رمادية هنا.
٤- إسرائيل والسعودية وتركيا هم الخاسرون الكبار، بعد التكفـيريين، بسبب التدخل الروسي، فالقطَعات العسكرية الروسية الثقيلة والتواجد العلني الإيراني سيكون موجوداً بكثافة وأية خطوة غير محسوبة من قبل هؤلاء، خصوصاً من تل أبيب، ستكون وخيمة العواقب إذا ما سقط دم روسي أو إيراني ولو بالخطأ مما سيحدُّ من خيارات العدو الإسرائيلي الإستراتيجية.
٥- بوتين استحق بجدارة لقب رجل العام لحزمه وعزمه ولأنه سيقوم بتغيير المعادلات وخلق شرق أوسط جديد لم تتمكن القابلة القبيحة كونداليسا رايس وصيصانها من صغار «١٤ آذار» من توليده، وهذا التغيير الروسي لم يكن ممكناً لولا قدرة محور المقاومة.
٥- آل سعود من إنهيارٍ إلى إنهيار بعد مأساة الحجيج فـي منى التي كشَفَتْ بربرية ووحشية هذا النظام الذي يمنع تسليم الجثامين ولا يُستبعَد أنْ تكون المجزرة نتيجة تنسيق سعودي إسرائيلي مشترك ضد مسؤولين إيرانيين كبار بين الحجَّاج استدعى استخدام غازات سامة يُعرَف جهاز «الموساد» بامتلاكه لها عندما حقن خالد مشعل فـي الاْردن. لذا من غير المفاجىء تهور آل سعود مجدَّداً فـي سوريا ولبنان ولكن هذه المرَّة لن يكون هذا التهور سليم العواقب بوجود إيران وروسيا فـي المقدمة، وما كان قبل الحج ليس كبعده.
Leave a Reply