بلال شرارة
هذا العام سوف لا أحضر الى ديربورن.. سوف لا أقابل حفـيدي وسيكون قد مضى عام على ولادته وانا لم أرَ منه سوى صور أولى لطفل كبير يود لو يُؤنس وحدتي ويجرني من يدي اليه لنلعب سوياً فـي الحديقة، نستعيرها لساعة من السنجاب الذي سيصعد إلى أعلى الشجرة ليلاحظ طفولتي فـي كهولتي ويضحك.
هذا العام سوف لا أحضر فأنا غير جاهز شعرياً وأعيش مخاوف على أصدقاء أعزاء. على عمر الشاعر المير طارق آل ناصر الدين وعلى ضمور الفنان غازي قهوجي وبحة صوت الشاعر عبد النبي بزي. وفـي هذا العام أنا خائف من نهاياته من فـياضانات شتائه ومن أن أفـيض أحزاناً فأمطر على وجدانكم فـينهمر منكم بكاء مر كما الحال فـي مأتم عاشورائي مفتوح.
هذا العام سوف لا أضع خشباً فـي المدفأة وسوف لا أتجاوز على زهير حيث يزدهر زهر ربيع كلامه.
هذا العام سوف لا أغامر بالرحيل اذ ربما لا يبقى لي وطن أعود إليه. ربما تقاسمته الطوائف والمذاهب والملل والفئات والجهات على مائدتها أخذ كل منهم وطنه ومشى وأشعل فـيه مولداً كهربائياً وصار يسقينا صهاريج مائه ونتهاتف شبكات هاتفه ونستخدم غازه ومحروقاته ونشم هواءه وهو هذه الطائفة، المذهب، الجهة والفئة يملك مؤسساته التربوية ومستشفـياته ومراكزه الصحية ويملك فرصاً للأولاد وغداً يأخذنا فـي رحلة منسقة الى أمكنة عفواً (جمهوريات) الآخرين… غداً ستحتاج إلى تأشيرات لزيارة الأرز، جعيتا، جبيل، طرابلس وبعلبك والجنوب.
هذا العام وربما فـي العام المقبل سوف لا آتي إليكم وأنا أود أن أصل عندكم وأن لا ارحل عنكم اذ ان هنا فـي الوطن لا قوانين: للانتخابات واللامركزية الادارية والأحزاب والتجنس.
هنا لا زال تهميش المرأة والشباب مستمراً ولا زال العنف ضد المرأة مقبولاً.
وأنتم هناك فـي القارة الجديدة(!) يبلغ الاحتجاج مداه على قرار سلطات المملكة السعودية اعدام شاب فـي المملكة لأنه تظاهر وهو لا زال قاصراً ولا يصدر عنكم وعن أوطانكم صوت أو صرخة احتجاج على اعدام اليمن أو على اقتسام سوريا (على عينك يا تاجر) أو على اعطاء الوقت الكافـي للارهاب لتوطيد دعائم دولته فـي العراق وسوريا أو بسمة غضب، دمعة حزن، صوت لون، صرخة فـي برية ليبيا لعل مكوناتها تتفق على مرحلة انتقالية ولكن أنا أدرك ما رمى إليه الاستاذ محمد حسنين هيكل حين أشار إلى بلادنا فـي عنوان كتابه: الديموقراطية الغائبة والسلام المستحيل.
هذا العام… العام القادم والذي يليه ربما لا أستحق وقتاً حتى أحضر إليكم وبعد ذلك سوف لا يكون ما تبقى من العمر كافـياً للحضور. سأجلس على الشرفة فـي الوادي وأحدق الى الجنوب فـي الفراغ حيث تقع فلسطين التي كانت تحدني من جهة القلب.
الآن لم يبقَ لي قلب يا حفـيدي لأرسل إليك بضعة منه ولا لأرسل إلى الأحفاد الآخرين قطعاً متساوية لذا سأحتفظ بما تبقى من نبضي ونبضة شعري تخفق بالقصيدة الاخيرة التي لم أكتبها بعد.
Leave a Reply