القدس المحتلة - انها الانتفاضة، بالحجر، بالدهس، بالسكين، بالمفك، بمقشر الخضار، بالمخرز، بالصوت الذي لن تقوى عليه آلة القتل الاسرائيلية.
كل فلسطين تنتصر لنفسها، تشهر «السلاح الأبيض» الذي اخاف الاسرائيليين، وأما العرب، فمن العيب تذكرهم فـي ساحات الشرف التي غادروها منذ سنين. فقط اصدرت جامعتهم العربية بياناً على مضض تحشر فـيه كلاماً تضامنياً مع الفلسطينيين لا يسمن ولا يغني من جوع. حتى الاسرائيليون قرأوا فـيه تفاهة، هذا إن قرأوه أصلاً.
رجلا أمن إسرائيليان في متجر داخل محطة الحافلات المركزية في القدس المحتلة، بعد الإبلاغ عن طعن إمرأة إسرائيلية. (رويترز) |
الفلسطينيون يصعدون هجماتهم على المستوطنين وجنود الاحتلال، صار «السلاح الأبيض» ذا تأثير نفسي قوي جداً على نفوس المستوطنين، واما اسرائيل فقال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، «إن ارهاب السكاكين لن يهزمنا». بأبسط السلاح يواجهون. إسرائيل طورت اسلحة لصد الهجمات مثل القبة الحديدة لاعتراض الصواريخ، الا انها فوجئت بعمليات الطعن التي جاءت وتيرتها متسارعة. وبما يزيد عن عشرين عملية طعن ضد جنود ومستوطنين اسرائيليين منذ الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
تقترب فلسطين من الانتفاضة الشعبية الثالثة ضد الاحتلال الاسرائيلي بعد انتفاضتي 1987-1993 و2000-2005.
وامتد التوتر الذي بدأ قبل اسابيع فـي القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين الى فلسطينيي 48.
اسرائيل تخاف السكين وتضربها موجة خوف جديدة دفعت بالكثير من الناس لعدم التوجه إلى أعمالهم، بل والبقاء فـي البيوت. لم تعد تعتبر ما تتعرض له موجة ارهاب، بين الأرقام الدالة، ما أعلن عن تراجع أعمال البناء نظراً لعدم توجه 80 بالمئة من العمال إلى مواقع عملهم. كما أن البورصة الإسرائيلية شرعت فـي تسجيل خسائر ملموسة بسبب الإحساس المتزايد بفقدان الأمن… لم تعد اسرائيل تعتبرها حربا ارهابية، انما هي حرب وجودية، فـي ظل تصاعد العمليات الفدائية فـي القدس ومناطق أخرى ما أودى بحياة ثلاثة من الإسرائيليين وجرح ما يزيد عن عشرين آخرين.
المعلقون السرائيليون يرون ان هذه العمليات «تعيد إسرائيل بسرعة إلى أيام الخوف فـي مطلع العقد الماضي وهي ستلزم نتنياهو بخطوات أشد حدة وحزماً. وبعد أيام متواصلة تقع فـيها يومياً عمليات طعن عدة، يتبلور وضع طوارئ على الدولة أن تتخذ فـيه خطوات دفاعية مناسبة».
واقع الحال ان هناك خشية متزايدة فـي الأوساط الإقليمية والدولية من أن انتفاضة ثالثة، وخلافا للانطباع الأولي بأن الدول الغربية، ونظرا لعدم قدرتها فـي الماضي على التأثير فـي الميدان، عمدت إلى تجنب التدخل ثمة إشارات متزايدة من جانب أميركا والاتحاد الأوروبي بالتدخل حتى مع الإسرائيليين لتهدئة الوضع.
فـي كل حال، وبرغم التحريض الذي يمارسه قادة الحكم فـي إسرائيل، ثمة أصوات بدأت ترتفع فـي الأوساط العسكرية تحذر من الانفجار الهائل المقبل. وتحت عنوان «انتفاضة الشباب» كتب المعلق العسكري لـ«يديعوت أحرونوت» أليكس فـيشمان أنه «لا حل هادئاً ومنطقياً لانتفاضة الشباب الجارية هنا منذ شهر».
الفلسطينيون يواصلون تصديهم للهجمة الاسرائيلية على شعبهم ومقدساتهم، ودارت مواجهات عنيفة فـي بيت لحم وعلى على حدود قطاع غزة شرق مخيم البريج (وسط)، بين العشرات من الشبان الفلسطينيين وجنود من جيش الإحتلال. فـيما قرر المجلس الوزاري المصغر الاسرائيلي، إبعاد عشرات الفلسطينيين عن المسجد الأقصى وتعزيز القوات الأمنية فـي القدس، إضافة إلى تسريع هدم منازل منفذي العمليات (من الفلسطينيين)، ونشر قوات من الجيش الإسرائيلي بمناطق التماس فـي القدس، والمدن الإسرائيلية. وكذلك أقر المجلس طلب وزير الأمن الداخلي جلعاد أرادان عدم إعادة جثث منفذي الهجمات إلى عائلاتهم.
سياسياً، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، المجتمع الدولي للتدخل قبل فوات الأوان، مضيفاً أن هذا «ينذر بإشعال فتيل صراع ديني يحرق الأخضر واليابس ليس فـي المنطقة فحسب بل ربما فـي العالم أجمع الأمر الذي يدق ناقوس الخطر أمام المجتمع الدولي للتدخل الإيجابي قبل فوات الأوان».
وقال عباس «سنستمر فـي كفاحنا الوطني المشروع الذي يرتكز على حقنا فـي الدفاع عن النفس، وعلى المقاومة الشعبية السلمية والنضال السياسي والقانوني». واضاف «لن نستسلم لمنطق القوة الغاشمة وسياسات الاحتلال والعدوان التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية وقطعان مستوطنيها الذين يمارسون الإرهاب ضد شعبنا ومقدساتنا وبيوتنا وأشجارنا وإعدام أطفالنا بالدم البارد».
وبالتوازي، أعلن مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور أن الفلسطينيين سيطلبون من مجلس الأمن الدولي النظر فـي امكانية نشر قوة حماية دولية فـي القدس الشرقية المحتلة للمساعدة فـي وقف أعمال العنف.
وقال منصور إن هذا الطلب سيصاغ فـي مشروع قرار تقدمه الدول العربية الى مجلس الأمن الدولي. يطلب انسحاب القوات الاسرائيلية من مناطق المواجهات ونشر قوة حماية دولية حول المسجد الاقصى فـي القدس الشرقية المحتلة.
الى ذلك، أعلن المتحدث الرسمي باسم المنظمة الأممية استيفان دوغريك، «إدانة الأمين العام المتكررة لفقدان أرواح المدنيين خلال العنف الدائر حالياً فـي القدس». وقال «لقد أعربنا مراراً عن قلقنا العميق إزاء الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، كما أدان الأمين العام، وبشكل متكرر مقتل فلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية، وأيضاً مقتل إسرائيليين على يد فلسطينيين، وسوف نستمر فـي رفع صوتنا بالتعبير عن القلق إزاء ما يحدث فـي القدس، وإن كنا نعتقد بأنه ينبغي على المجتمع الدولي بأسره أن يفعل نفس الأمر».
وفـي باريس، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، إن من الضروري أن يدفع المجتمع الدولي إسرائيل والفلسطينيين إلى إرساء السلام لأن الوضع فـي طريقه إلى الخروج عن السيطرة.
كما اعلن البيت الأبيض أن واشنطن على اتصال منتظم مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفـي السياق، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة ترى أن هجوم التاسع من تشرين الأول الذي نفذه مستوطن يهودي على أربعة رجال فلسطينيين فـي مدينة ديمونة جنوب فلسطين المحتلة، كان «عملا من أعمال الإرهاب».
الى ذلك، أكد الأمين العام لـ«حزب الله» فـي لبنان السيد حسن نصرالله تأييد حزبه المطلق لمقاومة الشعب الفلسطيني المظلوم وإنتفاضته وحقوقه. ودعا لمواكبة ودعم هذا الشعب بكل الوسائل المتاحة، والتعامل بواقعيّة وعدم المزايدة على الفلسطينيين الذين يختارون بأنفسهم أسقفهم وخياراتهم.
وقال نصر الله، «إننا نشهد حراكاً شعبياً قوياً فـي القدس المحتلة وفـي الضفة الغربية وقطاع غزة بما يشبه بداية إنتفاضة ثالثة، فـيما يسود القلق فـي بعض الدول التي تعتبر نفسها معنية بموضوع فلسطين».
وأضاف أن «الأميركيين والإسرائيليين يفترضون أنه من المنطقي أن يعيش فلسطينيو الداخل حالة يأس وإحباط بما يمنع أي حركة إيجابية فـي الميدان، فإستغلوا هذه الأوضاع لزيادة الإستفزازات لاسيما فـي ما خص تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، بينما أثبت الشعب الفلسطيني أنه الأقدر على مواجهة هذا الإستفزاز وحماية المسجد الأقصى».
Leave a Reply