خليل إسماعيل رمَّال
لو وقعت كارثة موت عائلة غرقاً فـي البحر، مثل عائلة صفوان اللبنانية المؤلفة من سبعة أفراد، فـي بلدٍ غير البلد المسخ صنيعة الجنرال الفرنسي المجرم غورو، لأغلق البلد حداداً على الضحايا ولاصطفَّ ساسة وزعماء الوطن على مدرج المطار لاستقبال الجثامين وهم محنيو الرأس، تحيةً واجلالاً لأرواح الشهداء، ولأعلنت الحكومة حالة الطوارىء لحل مشكلة الهجرة إلى الموت نتيجة الأوضاع السائدة. لكننا ننسى دائماً أننا فـي بؤس وطن يتزعمه وحوش مال ولصوص لا يهمهم إلا أنفسهم وعوائلهم وأذيالهم والتابعين لهم. فطالما أنَّ أولادهم يتنعمون بالقصور والدور ويلبسون أرقى الملابس ويركبون أفخم السيارات ويدرسون فـي جامعات الغرب، «زاحت عن ظهرهم بسيطة». بل ماذا نتوقع من ساسة لا يقدرون على إزالة النفايات وتأمين أبسط وأدنى مقومات العيش؟ ومن بلد يموت فـيه المرضى الفقراء على أعتاب المستشفـيات بل وتُحتَجَز جثة الميت المعدَم على ذمة الدفع من قبل أهله المفجوعين؟! من يذكر جثة ذلك المواطن التي هرَّبها أهل الفقيد من المستشفى فلاحقتهم القوى الأمنية لاسترجاعها؟ لا يحدث هذا إلاَّ فـي مسخ الوطن.
مأساة اَل صفوان لم تستدر أي رد فعل من الدولة الساقطة المعطَّلة. تمَّام سلام تمتم للأهل المثكولين أنْ يحذروا مافـيات التهريب، ولم نسمع حتى مواعظ يتشدق بها باقي الوزراء. يا ترى ما رأي أليس شبطيني وأشرف ريفـي؟ أليسا مسؤولين عن معرفة ما حصل ومنع تكراره، الأولى بصفتها كوزيرة مهجرين والثاني كوزير عدل؟ أم أنَّ الموت أصبح مجانياً فـي لبنان الأسود لدرجة لم يعد أحد يلتفت اليه؟! هذه الدولة لا يهمها حتى الأحياء فهل ستلتفت للأموات؟ ففاجعة أسر عسكرييها ونقلهم إلى عرسال، وهم بالمناسبة معروفو المكان، لم تعد من اهتمامات الحكومة التي لا تعترف بأسراها ولا بجنودها ولا بجثث شهدائها لولا المقاومة العظيمة التي أجبرتها على استقبال الأسرى والجثامين على مضض بعد حرب تموز ٢٠٠٦.
البلد اليوم مشغول وفـي وضع مأزوم جداً ولا وقت عنده للسكان الغارقين، بعد القنبلة الصوتية التي فجَّرها نهاد المشنوق وظننا بعدها بفرح أنه سيقدم استقالته لكي يعود إلى منتجعه الراقص فـي اليونان. لكن تبيَّن بعد خطاب السيِّد حسن نصرالله الذي قال فـيه (بتصرف) «إذا أردتم ترك الحوار والحكومة فأرونا عرض أكتافكم»، أي بالعربي المشبرح «تخيَّبوا»، تبيَّن أنَّ أسباب هذه «الفتيشة» المشنوقية تعود إلى صراع القوى بين سعد المهاجر وفؤاد السنيورة الذي يكاد يسحب البساط من تحت أقدام الأول وقد تكون الأسباب سعودية أيضاً للفت النظر بعد تجاهل آل سعود للحريري وهم يستقبلون سياسياً لبنانياً بعد آخر إلا هو.
وما العمل الآن بعد تعطيل ميشال سليمان والسنيورة للتسوية الحكومية وعطب الحكومة ومجلس النوَّاب الذي اجتمع بكامل طاقمه للتجديد للجان النيابية التي هي مسخرة البرلمانات؟! ومن يتحمل المسؤولية عن سقوط البلد فـي الهاوية بينما المنطقة تشتعل من حولنا والكبار مشغولون؟ وكيف يبقى «صغار ١٤ آذار» يكابرون والرياح تجري عكس ما تشتهي سفنهم؟ ففـي كندا سقط الليكودي ستيفن هاربر، ذيل نتنياهو، وحل مكانه حفـيد ترودو الذي سينسحب من التحالف الغربي ويفك أسر السياسة الخارجية المؤيدة لإسرائيل تاييداً أعمى. والانتفاضة الفلسطينية تلهي العدو فـي صراعٍ نوعي بالسلاح الأبيض ويشارك فـيه فلسطينيو ١٩٤٨ لأول مرة مما جعل نتنياهو يجن جنونه ويبرئ حتى هتلر من المحرقة، وزيارة الرئيس السوري بشَّار الأسد الهامة لبوتين عززت التكافل والتعاون مع روسيا وللبحث فـي وحدة سوريا بزعامة الأسد فـي مرحلة ما بعد القضاء على الاٍرهاب، بينما الجيش السوري وقوى المقاومة يحققون إنجازات عسكرية مهمة أهمها فصل الاٍرهاب عن رأسه فـي تركيا والخليج. والعدوان السعودي يغرق أكثر فأكثر فـي رِمَال اليمن وكذلك «السلطعان» العثماني الذي يتخبط فـي الداخل، بينما إيران بدأت تجني ثمار الإتفاق النووي مع الغرب رغم كيد اسرائيل وآل سعود.
آل صفوان الأبرياء غرقوا فـي البحر مرة واحدة لكن العيش فـي هكذا بلد يعني الغرق والموت اليومي ألف مرة!
Leave a Reply