عماد مرمل – «صدى الوطن»
يستعد السفـير الأميركي فـي بيروت ديفـيد هيل لمغادرة لبنان، مع اقتراب موعد انتهاء خدمته الدبلوماسية فـيها، تاركا خلفه بصمات دامغة، وهو المعروف عنه بانه ليس مجرد سفـير عادي، يرفع التقارير الى حكومته، بل سفـير «مقرر» أو أقله «مؤثر» كما يؤكد العارفون به والمطلعون على مسار عمله.
وما جعل هيل سفـيراً «فوق العادة» هو انه بات مع مرور الوقت، خبيراً فـي لبنان، وعليما بأدق تفاصيله وتركيبته، بعد الأدوار الدبلوماسية العديدة التي أداها فـي ساحته، عبر مراحل زمنية متقطعة، الامر الذي سمح له بنسج شبكة واسعة من العلاقات مع القوى السياسية.
ويجول هيل، فـي هذه الفترة الانتقالية، على عدد من القيادات اللبنانية فـي زيارات وداعية، يتخطى النقاش خلالها الطابع البروتوكولي الى الجانب السياسي، لاسيما أن لبنان والمنطقة يمرّان فـي ظروف صعبة ترخي بظلالها على الصالونات السياسية فـي بيروت.
وخلال لقاء جمع السفـير الاميركي مع إحدى الشخصيات اللبنانية المنتمية الى فريق «8 آذار»، قبل ايام، أكد هيل استمرار واشنطن فـي تقديم الدعم للجيش اللبناني والاجهزة الامنية، لتحسين شروط المواجهة التي تخوضها القوات الرسمية المسلحة ضد الارهاب.
وشدد هيل – الذي كان له دور بارز فـي زيادة المساعدات الأميركية للجيش – على أن دعم القوات المسلحة، بكل مؤسساتها، يشكل ثابتة من ثوابت الولايات المتحدة فـي تعاطيها مع لبنان، ولا احتمالية لتغييرها.
السفير الأميركي ديفيد هيل.(أرشيف) |
وأشاد هيل بما أسماه «ذكاء عناصر الجيش اللبناني وبراعتهم» على المستوى الميداني، برغم ضآلة الامكانيات المادية التي يتم تعويضها بإندفاعة الجنود والضباط وكفاءتهم القتالية.
وتوقف هيل عند التطور الذي طرأ مؤخراً على آداء جهاز الأمن العام فـي مكافحة الارهاب، وحماية الأمن القومي اللبناني، بعد الانجازات المتلاحقة التي حققها على هذا الصعيد، موحياً بأن هذا الجهاز أصبح شريكاً أساسياً فـي المعركة التي تخاض ضد الارهابيين، ومشدداً على أهمية تفعيل التعاون بين الأجهزة الأميركية واللبنانية، عموماً، فـي هذه المعركة.
وتجدر الاشارة فـي هذا السياق الى أن المعلومات التي قدمتها الاستخبارات الأميركية ساهمت فـي توجيه العديد من الضربات الى الخلايا التكفـيرية ورموزها فـي لبنان.
ويبدو واضحاً من المواكبة الأميركية للجهد الأمني اللبناني فـي مواجهة الإرهاب، أن القرار الدولي بالمحافظة على الاستقرار الامني النسبي فـي لبنان لا يزال محصناً، وساري المفعول، أما الاستقرار السياسي فهو أكثر تعقيداً، لا سيما أن أزمة الشغور الرئاسي ليست مدرجة حالياً ضمن أولويات الخارج المنشغل عن هذه الأزمة التي تُعد جانبية، وفق حساباته، بملفات اقليمية تمتد من سوريا الى اليمن وما بينهما.
ويُفترض ان يدفع هذا الواقع القوى الداخلية الى الكف عن انتظار الحلول المستوردة، والمبادرة الى انتاج تسويات محلية الصنع، على قاعدة التعامل مع الإهمال الخارجي للملف السياسي اللبناني، باعتباره فرصة للبننة الحل، وليس وقتاً ضائعاً، يجري استهلاكه بالوقوف الطويل على رصيف الانتظار.
وابعد من الهاجس الامني، أكد هيل أثناء لقائه مع الشخصية المنخرطة فـي فريق «8 آذار»، ضرورة أن يعيد اللبنانيون بناء المؤسسات الدستورية، داعيا إياهم الى الاسراع فـي انتخاب رئيس الجمهورية، إنما من دون ان يدخل فـي التفاصيل التي غالبا ما تكون مسكونة بالشياطين.
أما بالنسبة الى الأزمة السورية، فقد استنتج من استمع الى هيل ان الأدارة الاميركية أصبحت تُسلّم ببقاء الرئيس بشار الاسد فـي المرحلة الانتقالية، لكن الخلاف مع روسيا وحلفائها يتركز على المدى الزمني لهذه المرحلة والسيناريو الذي سيليها، وسط رفض موسكو ومحور المقاومة والممانعة أي بحث مسبق فـي مصير الاسد وإمكانية تنحيه لاحقا عن السلطة، أوّلاً لدوره الحيوي فـي مواجهة الارهاب والمحافظة على تماسك الدولة والجيش، وثانيا لكون الشعب السوري هو وحده صاحب الحق والصلاحية فـي تقرير مصيره، وتحديد هوية رئيسه، من دون تدخل خارجي.
والمفارقة فـي هذه المسألة ان واشنطن والعواصم الغربية الاخرى التي لا تتوقف عن إعطاء الدروس فـي الديموقراطية والحرية، هي التي ترفض خيار العودة الى الشعب لحسم مستقبل رئيسه -الأسد-، بينما تحمي فـي الوقت ذاته أنظمة ديكتاتورية فـي المنطقة، مخالفة بذلك أبسط بديهيات النظام الديمقراطي والحريات السياسية، فـي حين أن موسكو والمحور الحليف لها هما اللذان يناديان باحترام إرادة السوريين فـي كل ما يتصل بنظام حكمهم وقيادتهم السياسية.
ولعل إخفاق واشنطن فـي التجربتين الليبية والعراقية، حيث تفككت بنية الدولة تحت وطأة التدخل العسكري الأميركي، يحصن المنطق الروسي المتبع فـي مقاربة الأزمة السورية، والمستند الى استخدام القوة العسكرية لتسهيل الحل السياسي، وليس لإشاعة الفوضى.
Leave a Reply