فـي سلسلة الويب الوثائقية القصيرة (جداً) «الشعور بأنك مراقب» يضع صنّاع العمل عبر سيناريو بسيط لكن متماسك، عملاً استقصائياً عميقاً لموضوع إشكالي «مسكوت عنه»، فـي إحدى ضواحي شيكاغو. فـي بريدجفـيو، الينوي، يعيش قرابة 16471 شخصاً، تشكّل نسبة الأميركيين العرب منهم حوالي 15 بالمئة.
عبر أربع حلقات قصيرة، لا تتجاوز مدة الحلقة ثلاث دقائق، يحاول العمل الاقتراب مما يشغل هؤلاء، ذوي الأصول الفلسطينية فـي معظمهم، كما يتضح لنا، والذين يعيشون هاجساً مريباً منذ تسعينيات القرن الماضي: أنهم مراقبون بشكل دائم.
مشاهد من السلسلة الوثائقية القصيرة. |
يردُ فـي الحلقة الأولى أن ثمة ثلاث حقائق فـي هذا المجتمع الصغير: «أنّ الهواتف مراقبة، وأنّ الغريب الذي يرتدي بدلة أنيقة ويجلس فـي سيارة على الناصية هو، ربما، موظف فـي «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي)، وأنّ المبنى المواجه للمسجد المحلي، والذي يبيع أجهزة ومعدات اتصال، تابع للاستخبارات الفدرالية».
يروي من قدّموا شهادتهم فـي العمل أنهم يتلقون اتصالات دورية من موظفـي «أف بي آي»، ويتعرضون للمراقبة الدائمة عبر كاميرات فـي الأحياء وأماكن العمل، ترصد تحركات السكان، بالإضافة إلى السيارات المركونة فـي الشوارع عند نقاط محددة، يجلس فـيها أشخاص مريبون يعملون على ضبط المجتمع وإبقائه تحت المراقبة.
إيقاع المسلسل سريع، ومباشر، ويمكن مقاربته عبر تأويلات ترتبط بالسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس، فـي حالة تستدعي فكرة ميشيل فوكو عن المجتمع الانضباطي. أمام واقع أنهم تحت المراقبة، يسدل السكان الستائر فـي الليل، يراقبون كلامهم جيداً خلال اتصالاتهم الهاتفـية، يتجنبون كلمات ودلالات «خطيرة» يمكن للمراقبين تأويلها. «ليست بارانويا» تقول إحدى السيدات: «ليس خيالاً ولا هوساً، وإنما واقع. هؤلاء إزاء «إف بي آي».
تنتقل حلقات «الشعور أنك مراقب» من الحاضر إلى الماضي، حيث نفهم فـي الحلقة الثالثة أن الأمر بدأ مع اعتقال رجل فلسطيني اسمه أبو أحمد بتهمة تمويل الإرهاب. سُجن لخمس سنوات، ومع ما يحظى به من احترام فـي الوسط الاجتماعي، بدأ السكان يتجمعون للدفاع عنه والتعبير عن دعمهم له. حينها، بدأوا يشعرون بتعرضهم للمراقبة، وما بدأ بكونه توجساً، بات يتّخذ صفات الواقع الملموس، ويفرض على السكان التصرّف وفقاً له، من دون القدرة على إثارة الموضوع والبحث فـي أسبابه ودوافعه. ذلك جوهر العمل الوثائقي القصير الذي يطرح بتكثيف مقصود، وموفّق، أسئلة تنطلق من الفردي الخاص، إلى الجمعي العام، ليقدّم تصوراً جدياً حول هذا الهاجس فـي أن تكون مراقباً طوال الوقت.
يتكون فريق «الشعور بأنك مراقب» من الصحافـية الأميركية الجزائرية آسيا بونداوي، التي عملت كمراسلة مستقلة لـ «الجزيرة أميركا» وظهرت كصحافـية فـي وسائل إعلام عديدة منها «بي بي سي»، و«الجزيرة»، و«سي أن أن». شاركت عام 2013 فـي إنتاج الفـيلم الوثائقي Manhunt لقناة «اتش بي أو» (نال الفـيلم جائزة «إيمي» أفضل وثائقي). بجانب بونداوي يضمّ فريق العمل المخرج الوثائقي أليكس بوش، وبتعاون فني من جيسون ليو باجيو ودينيش سابو. السلسلة التي تنشر على «يوتيوب» تصوّر مخاض صناعة فـيلم وثائقي طويل عن تجربة أهالي بريدجفـيو العرب، يجري تصويره مع تتابع نشر الحلقات. وعبر صفحة «الشعور بأنك مراقب» على «فايسبوك»، يدعو صانعو العمل الراغبين بمساعدتهم للتبرّع على موقع «كيكستارتر» للمساهمة بإنجاز أوّل «وثائقي يحكي قصّة الحرب على الإرهاب من داخل حيّ أميركي مسلم، لإيصال صوت نادراً ما يسمع»، بحسب تعبيرهم. كما دعت الصفحة للتغريد عبر وسم BeingWatched (أن تكون مراقباً)، لنقل قصص عدد أكبر من مسلمي الولايات المتحدة الذين يشعرون أنّهم مراقبون فقط بسبب ديانتهم. عنوان السلسلة على يوتيوب:
The Feeling of Being Watched MINI-SERIES
فادي الطويل (عن «السفير» اللبنانية)
Leave a Reply