تكللت جهود العرب الأميركيين فـي مدينتي ديربورن هايتس وهامترامك بالنجاح الكبير فـي الانتخابات البلدية التي أجريت الثلاثاء الماضي والتي أسفرت عن فوز المرشحين العربيين وسيم (دايف) عبدالله وسعد المسمري، وهو فوز يمكن النظر إليه بوصفه انتصارا كبيرا بكل المقاييس، ويحمل الكثير من الدلالات، للاعتبارات التالية:
– إن فوز عبد الله رفع التمثيل العربي فـي المجلس البلدي لمدينة ديربورن هايتس إلى عضوين من بين سبعة أعضاء، الأمر الذي يعكس تزايد فاعلية الجالية العربية فـي المدينة، خاصة بعد فشل المرشحين العرب فـي الدورات الانتخابية السابقة.
– تميزت حملة عبدالله الانتخابية بالتنظيم الكبير مما ساعد صاحبها على اجتياز المعركة الانتخابية الشديدة الضرواة، وقد انضم للحملة جيش من المتطوعين العرب تجاوز عددهم المئة شخص كانوا فـي معظمهم من جيل الشباب الذين توزعوا على كافة مراكز الاقتراع منذ ساعات الصباح الأولى. وهذا الأمر يعكس بدوره، وعي شرائح واسعة من أبناء الجالية العربية بأهمية الانتخابات المحلية وضرورة المشاركة فـيها، لأن نتائجها تنعكس بشكل إيجابي مباشر على حياة الناس ومصالحهم وصيانة حقوقهم وضمان مستقبل أبنائهم.
– الفوز الكبير والساحق جاء من مدينة هامترامك ولصالح المرشح اليمني سعد المسمري الذي حل فـي المركز الأول بشكل خالف جميع التوقعات. وما من شك فـي أن فوز المسمري جاء نتيجة الإقبال الكثيف لأبناء الجالية اليمنية على صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم لصالح المرشح اليمني الوحيد فـي الانتخابات الحالية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على القوة الانتخابية الوازنة لليمنيين والتي يجب عدم التهاون بشأن فاعليتها، وإنما على العكس ينبغي تعميقها مستقبلاً من أجل زيادة تمثيل اليمنيين فـي مجلس المدينة ودوائرها المتعددة.
– كما يمكن اعتبار فوز المسمري فوزا مزدوجا، فبإضافته إلى فوز المرشحين البنغاليين المسلمين أبو موسى وأنام ميا سيشكل نقطة تحول راجحة لصالح مسلمي المدينة، إذ بنتيجة فوز المرشحين المسلمين الثلاثة أصبح مجلس بلدية هامترامك فـي رأس قائمة مجالس المدن التي يشكل فـيها المسلمون أكثرية، وقد استرعى هذا الأمر انتباه وسائل إعلام أميركية كبيرة مثل قناة «فوكس» التلفزيونية، وصحيفة «واشنطن بوست».
– كما يحسب للمسمري عدم انجراره للمهاترات العنصرية خلال حملته الانتخابية، خاصة وأن انتخابات المدينة سبقتها ورافقتها حملات كراهية طالبت «باستعادة المدينة من المسلمين» وحثت على التصويت للمرشحين البيض الذي خسروا جميعهم السباق الانتخابي بمن فـيهم العضو الحالي روبرت زولاك.
– الجانب الأهم فـي فوز المسمري وعبد الله يكمن فـي أن البلدين الأصليين لكلا المرشحين، اليمن ولبنان، يشهدان توترات سياسية عاصفة وصراعات فئوية حادة.
ففـي الوقت الذي يغرق فـيه لبنان -على مدى العقد الأخير- فـي أتون تجاذبات سياسية عميقة الحساسيات، فإن اليمن يعاني أشد المعاناة والانقسام بسبب الحرب الساخنة التي تدمر البلاد والعباد. ولاشك أن الأوضاع السياسية المتوترة فـي لبنان والتطورات الميدانية المؤلمة فـي اليمن تترك تأثيراتها العميقة على المهاجرين من أبناء هذين البلدين وتهدد بتقسيم مجتمعاتهم فـي المغتربات، إلا أن الانتخابات الأخيرة تعكس، فـي وجه من وجوهها، تغاضي أبناء الجاليات العربية عما يحصل فـي بلدانهم، والاهتمام أكثر نحو واقعها الحياتي والمعاشي فـي هذا المغترب الأميركي، الذي يحمل فـي طياته الكثير من التحديات، والتي لا سبيل إلى مواجهتها إلا عبر الوحدة والمشاركة الانتخابية الفعالة.
ستيرلنغ هايتس تصوّت ضد التعصب
انتخابات بلدية مدينة ستيرلنغ هايتس لم تنقصها الإثارة، هذا الموسم، كما أن نتائجها لم تخلُ من المفارقة الفاقعة، إذ فشل جميع المرشحين من خارج المجلس البلدي فـي اقتناص أي من المقاعد الستة الشاغرة فـي السباق الانتخابي، حيث تمت إعادة انتخاب جميع أعضاء المجلس الحالي، إضافة الى انتصار مريح جداً لرئيس البلدية مايكل تايلور الذي حاز على ٨١ بالمئة من الأصوات.
المفارقة الأبرز تكمن فـي أن المرشحين من خارج المجلس البلدي كانوا بمعظمهم «نجوماً» خلال الفترة السابقة على خلفـية عدائهم للمسلمين والمهاجرين فـي قضية إقامة مركز إسلامي فـي المدينة، وقد نبذتهم أصوات المقترعين ولفظتهم إلى خارج الحلبة السياسية بالضربة القاضية. ولم تنفعهم خطاباتهم المشحونة بالعنصرية والكراهية، ولم ينجحوا فـي اللحظة الحاسمة باستعمال ورقة «الإسلاموفوبيا» المحروقة.
لم تنتفع المرشحة (الخاسرة) مويرا سميث بالعبارات الرائجة فـي مواسم االانتخابات، والتي أصبحت موضة دارجة هذه الأيام، حين وصفت الإسلام بأنه «ليس ديناً. بل عصابة باطنية وحركة سياسية». وحصلت سميث على ٤ بالمئة من الأصوات فقط، كما أن زوجها بول سميث الذي كان مرشحا لمنصب رئيس البلدية لم يستفد كثيرا من تكتيكاته المكشوفة حين عزا معارضته لبناء مسجد فـي منطقة الميل 15 إلى أسباب تقنية، ووقف رصيده عند ٣٠٦٦ صوتاً مقارنة بـ١٣٢٦٦ صوتاً لتايلور.
كما أن المرشحة الأخرى، جاكي ريان لم تقطف من ثمار مزايدتها سوى الجوز الفارغ، حين قالت «على جميع المهاجرين أن يقبلوا بأن الولايات المتحدة قد تم تأسيسها بإرادة إله واحد، وهذا الإله ليس «الله» (إله المسلمين)، وإذا لم يقبلوا ذلك فعليهم البقاء فـي بلدانهم الأصلية».
هؤلاء المرشحون، وإلى جانبهم لفـيف من المتعصبين المصابين بـ«رهاب الإسلام» و«رهاب الأجانب» والذين تجمعوا فـي تظاهرة أمام مبنى البلدية ورفعوا أصواتهم صارخين «جميع المسلمين قتلة». هؤلاء جميعا مارسوا نوعا من البلطجة على بلدية مدينة ستيرلنغ هايتس التي صوتت هيئة التخطيط فـيها ضد السماح ببناء المسجد بالإجماع.
والسؤال: كيف نجح هؤلاء فـي تنفـيذ مخططهم وقد برهنت نتائج الانتخابات أنهم أقلية فـي مجتمع المدينة؟ كيف نجحوا فـي ذلك ولم ينجح واحد منهم فـي الوصول إلى المجلس البلدي؟ ألم يدعوا أنهم يتكلمون باسم مواطني المدينة، فلماذا إذا أعطى سكان ستيرلنغ هايتس أصواتهم لمنافسيهم؟
هؤلاء ينطبق عليهم قول الأديب اللبناني جبران خليل جبران: «قد يكون للضفادع نقيق أقوى من خوار الثيران، لكنها لا تقوى على جرّ المحاريث فـي الحقل ولا أن تدور بعجلة معصرة النبيذ، كما أنه لا يمكن صنع أحذية من جلد الضفادع». لقد ملأ هؤلاء كامل المشهد بالنقيق والضجيج و«أكلوا الجو» كما يقول التعبير الشعبي، فـيما يثبت الواقع أن شعبيتهم محدودة جداً.
ضفادع ستيرلنغ هايتس لم تنجح بتحقيق أي إنجاز ذي قيمة، لقد أوقفوا بناء المسجد (حتى اللحظة) ونجحوا بـ«شيطنة المسلمين» زوراً وتعميق الهوة بين العرب وبعض الكلدانيين، ولكنهم لم ينجحوا فـي الانتخابات، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود أغلبية صامتة من حقنا أن نعتب عليها، متذكرين فـي هذا السياق ما قاله ذات يوم زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ: فـي النهاية لن نتذكر كلمات أعدائنا وإنما سوف نتذكر صمت أصدقائنا.
نعم، لقد كان صمت أصدقائنا قاتلا..
ولأنه لا يمكن الاعتماد على «أصدقائنا» والتعويل عليهم، فإننا نجدد دعوتنا لمكتب المدعي العام الأميركي لكي يقوم بالتحقيق فـي قرار لجنة التخطيط التي صوتت ضد بناء المسجد، تماما كما تقوم وزارة العدل الأميركية الآن بمقاضاة بلدة بيستفـيلد لرفضها بناء مدرسة إسلامية.
Leave a Reply