علي حرب – «صدى الوطن»
تمثال رئيس بلدية ديربورن الأسبق أورفـيل هابرد سينتصب مجدداً بعد مضي أشهر قليلة على إزالته من باحة مبنى البلدية القديم فـي شرق المدينة، حيث سيُنقل التثمال البرونزي الى موقعه الجديد أمام «متحف ديربورن التاريخي» فـي غرب المدينة، رغم الدعوات التي أطلقت لإزالته لما يرمز اليه من حقبة عنصرية عاشتها ديربورن فـي عهد هابرد.
![]() |
متحف ديربورن التاريخي في غرب المدينة.(أرشيف) |
والمعروف ان هابرد، الذي تسلَّم رئاسة البلدية من العام ١٩٤٢ الى ١٩٧٨، كان يعتبر أحد أبرز دعاة الفصل العنصري بين السود والبيض فـي الشمال الأميركي.
وتشكل عودة تمثال هابرد الذي نصب لأول مرة فـي العام ١٩٨٩، صفعة للمنظمات الحقوقية التي طالبت بإزالته إسوة بمطالب إزالة العلم الكونفدرالي لما يحمله من إرث عنصري.
لكن جاك تايت، المسؤول فـي «متحف ديربورن التاريخي»، أكد أن نقل التمثال من موقعه القديم فـي أيلول (سبتمبر) الماضي، لم يأتِ استجابة لدعوات إزالته بل «لأنه ببساطة لم تعد الأرض من ممتلكات المدينة».
فقد باعت بلدية ديربورن مبناها التاريخي العريق الواقع عند تقاطع شارعي ميشيغن أفنيو وشايفر، إلى شركة «آرت سبايس» للفنون، بعد أن قررت الانتقال إلى مقرها الجديد على شارع ميشيغن، فـيما تم تحويل المبنى التاريخي الى مركز فني يتضمن استوديوهات ومعارض ومساكن للفنانين.
وأكد تايت انه سيتم نصب التمثال مجدداً قبالة المتحف المحاذي لشارع برايدي غرب المدينة. وقال لـ«صدى الوطن» «كنا نعرف أن التمثال سوف يزال منذ عام تقريباً والتغطية الإعلامية لنقل التمثال كان مبالغاً فـيها».
وأضاف أن هابرد كان «رجل المرحلة»، و«هو لا يختلف عن غيره من السياسيين فـي تلك الحقبة، كما انه جزء مهم من تاريخ مدينة ديربورن».
من ناحيته، كشف ديفـيد غود، كاتب سيرة هابرد وعضو لجنة تاريخ ديربورن، ان مكتب رئيس البلدية أوصى بالموقع الجديد للتمثال، فوافقت اللجنة بالإجماع. وأردف أنه «لا يوجد مكان للتمثال داخل المتحف واعتقد ان وجوده خارج المتحف هو موقع أفضل وأنا أؤيد ذلك».
واستدرك غود فـي حديث مع «صدى الوطن» أنه كان يود عرض التمثال فـي «متحف هنري فورد»، ضمن الجناح المخصص لحقبة الحقوق المدنية، مشيراً الى أنه قدم هذا الاقتراح إلى البلدية. وأضاف أن «هابرد كان يودّ مكاناً كمتحف هنري فورد، حيث يمكن مشاهدته عن كثب من قبل آلاف الأشخاص يومياً. ولو تم قبول الاقتراح نكون قد مكّنا الناس من معرفة معتقداته حول الفصل العنصري والتي لم يكن يخجل منها».
وأعرب غود عن تفهمه لمعارضة الناس لوجود التمثال، «لكن على الأقل لم يعد التمثال موجوداً امام البلدية».
وختم بالقول «بطريقة ما، كان هابرد رمزاً للفصل العنصري، ولكن ليس إلى درجة يتساوى فـيها مع العلم الكونفدرالي… انه ينتمي الى متحف التاريخ».
واشتهر هابرد على المستوى الوطني بتصريحاته المعادية للسود الذين كان ينعتهم علناً بالعبيد (نيغيرز)، كما عرف عنه تطبيق سياسات عنصرية تهدف الى منع الأميركيين الأفارقة من الانتقال والعيش فـي ديربورن.
وخلال أعمال الشغب فـي ديترويت عام 1967، امر هابرد قوات الشرطة فـي ديربورن بالانتشار على حدود المدينة و«اطلاق النار على المشاغبين السارقين». وقد اصبح هابرد ذائع الصيت على الصعيد الوطني بسبب آرائه المتطرفة وغدا يُعرف باسم آخر عتاة الفصل العنصري فـي الشمال.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد وصفت فـي العام 1969 مدينة ديربورن تحت إدارة هابرد بالمدينة التي تتجذر فـيها العنصرية فـي الشمال الأميركي.
حاول هابرد حينها التنصل من تهمة تبنيه وتطبيقه للسياسات العنصرية بكونها تأتي فـي سياق الاستجابة لرغبات سكان المدينة من البيض، وقال: أنا لا أكره العبيد… ولكن إذا كان البيض لا يريدون أن يعيشوا الى جانبهم.. فليكن لهم ذلك.. اللعنة.. إنه بلد حر.. هذه هي أميركا».
وأضاف «أنا أفضل الفصل بين العبيد والبيض.. لأننا إن لم نفعل ذلك فسوف يذهب الأطفال السود والبيض معا إلى المدارس.. وبعدها سيتصادقون.. وبعدها سيتزوجون وسوف يكون لدينا أطفال مهجنون، وهذا ينذر بحسب معرفتي التاريخية- بنهاية الحضارة».
ورغم ذلك، وفقاً لغود، كان هابرد لا يعتبر نفسه عنصرياً. «لقد كان شخصاً معقداً جداً… كان يسمي نفسه داعية للفصل. لم يكن يريد أن يوصف بالعنصرية لأن تعريف العنصرية -على الأقل فـي ذلك الوقت- كان يعني الشخص الذي يعتقد ان السود هم أدنى قدراً من البيض». لكن هابرد -بحسب غود- كان يؤمن بأنه لا يجب إجبار الناس من أعراق مختلفة على العيش معاً، «كان ذلك موقفه».
وتابع غود أنه على الرغم من إرثه المثير للجدل، يِنسب لهابرد الفضل بتحسين نوعية الحياة فـي ديربورن، إضافة الى توسيع ممتلكات البلدية الى خارج حدودها الإدارية، حيث قام عندما كان رئيساً للبلدية بشراء منتزه «كامب ديربورن» وشقق للمسنين فـي ولاية فلوريدا. «لكن لا بد من الإشارة إلى أن السبب الذي جعله قادراً على توفـير هذه الخدمات هي أموال الضرائب المدفوعة من شركة فورد للسيارات» بحسب غود.
ولاحظ أنه على الرغم من توجهاته المحافظة، «كان هابرد اشتراكياً إلى حد ما» من خلال زيادة الخدمات البلدية.
وتجدد الجدل حول تمثال هابرد بعد حادث إطلاق النار فـي مدينة تشارلستون. وفـي ٢٩ حزيران (يونيو) الماضي كتب الصحفـي بيل ماكغرو مقالاً فـي نشرة «ديدلاين ديترويت» يدعو فـيه الى نقل التمثال إلى متحف ديربورن التاريخي. وفـي الأسابيع التي تلت المقالة تساءلت، وسائل الإعلام الأخرى، من ضمنها هذه الصحيفة، عما إذا كان ينبغي إزالة التمثال.
ومن جانبها، دعت «اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي) لإزالة التمثال. وأشارت مديرة فرع ميشيغن، المحامية فاتنة عبدربه، فـي مقال نشر بصحيفة «ديترويت فري برس» فـي تموز (يوليو) الماضي، بالقول «نحن نفهم أن هابرد وتمثاله هما جانب من جوانب تاريخ مدينتنا، ولكن هذا بالضبط ما نحتاج إلى أن نفكر به- بأنهما جزء من التاريخ الغابر – والذي لا يخلو من العيوب».
لكن وضع تمثال خارج المتحف وليس فـي الداخل، قد يكون غير مرضٍ لأولئك الذين دافعوا عن مبدأ إزالته من امام قاعة البلدية.
وقبل نقل التمثال، كانت على قاعدته لوحة تذكارية منحوتة تصف رئيس البلدية الأسبق بانه «اداري فعال»، من دون أي ذكر لتاريخه فـي تعزيز الفصل العنصري. والسؤال ما مصير هذه اللوحة؟ الجواب عند تايت، الذي أكد أن «المتحف سيكون مسؤولاً عن وضع لوحة جديدة، ولكن على إدارة البلدية الموافقة عليها أولاً».
Leave a Reply