حسن خليفة – «صدى الوطن»
يؤكد الكثير من المهاجرين العرب أن إصلاحات قانون الهجرة التي أعلنها الرئيس باراك أوباما العام الماضي، لم تغيّر فـي الأمر الواقع شيئاً، بل زادت الأمور تعقيداً بالنسبة للمهاجرين الشرعيين ولا سيما العرب الذين لا يزالون عرضة للترحيل الجائر إضافة الى استمرار تقييد فرصهم فـي الحصول على الجنسية الأميركية.
فبحسب قوانين «دائرة الهجرة والتجنّس»، يخضع السكان الأجانب، من غير المولودين فـي الولايات المتحدة وغير المجنّسين، للترحيل أو «الإبعاد» من الأراضي الأميركية إذا قاموا بانتهاك قوانين الهجرة. فإذا كان المقيم قد دخل البلاد بناء على تأشيرة عمل مثلاً وارتكب مخالفة، يصبح من حق شرطة الهجرة والجمارك الأميركية (آيس) اعتقال هذا المهاجر وترحيله.
وكان الرئيس باراك اوباما قد أعلن فـي تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، عن قرارات تنفـيذية لإصلاح قوانين الهجرة، تضمنت إعفاء ملايين المهاجرين غير الشرعيين، من الترحيل، لكنها فـي الوقت نفسه شددت القيود على المهاجرين الشرعيين.
وأفادت دراسة لمركز «بيو» للأبحاث نُشرت فـي تموز (يوليو) الماضي، عن وجود ١١،٣ مليون مهاجر غير شرعي فـي الولايات المتحدة، مما يشكل ٣،٥ بالمئة من إجمالي عدد سكان البلاد، فـي حين أن المهاجرين الشرعيين يفوقون هذا العدد بأضعاف.
من الذي يُرحَّل، ولماذا؟
تقول المحامية ريم خريزات، وهي مختصة بشؤون الهجرة، ان العديد من المهاجرين الشرعيين الذين يتم ترحيلهم، ليسوا مجرمين ولكنهم وجدوا صعوبة فـي تفادي الترحيل بسبب القوانين الراهنة، مفـيدةً أن قوانين الهجرة أصبحت أكثر تشدداً حيال هؤلاء، حتى لو كانت لديهم عائلات بحاجة اليهم فـي الولايات المتحدة.
وأوضحت أن العديد من الأجانب يتركون بلدانهم الأصلية بسبب غياب الدعم الحكومي، فهم لا يستطيعون دفع الرسوم الدراسية أو لا يستطيعون إيجاد سكن بأسعار معقولة. وعند وصول المهاجرين الى الولايات المتحدة بتأشيرة جامعية، مثلاً، يكتشف هؤلاء أنهم يستطيعون الذهاب إلى الجامعة ولكن لا يحق لهم العمل بنفس الوقت. وعندما تكتشف «آيس» أنهم يعملون ويتعلمون فـي نفس الوقت، تخضعهم لإجراءات الترحيل، حيث يمكن القبض عليهم وتسفـيرهم الى بلدانهم الأصلية.
وأضافت خريزات من مكتبها فـي ديربورن، أنه «على سبيل المثال، اذا توقف طالب جامعي عن دفع القسط الدراسي لعدم استطاعته مالياً وتوقف عن حضور الجامعة، تسقط عنه «فـيزا الطالب»، وإذا حدث وتم إيقافه بسبب مخالفة مرورية، يمكن للضابط ان يحيل القضية إلى «آيس» التي تباشر بدورها إجراءات الترحيل.
رجل أعمال عربي أميركي، لم يرغب بالكشف عن هويته، روى لـ«صدى الوطن» أنه عندما هاجر إلى الولايات المتحدة قبل ٣٠ عاماً، كان يحضر فـي إحدى الجامعات فـي ولاية تكساس ولكنه فشل فـي إكمال أحد الصفوف الجامعية، لانه كان يعتقد انه لم يكن بحاجة إليه فـي ذلك الوقت. ولكنه عندما تقدم للانتساب الى «جامعة ميشيغن»، لاحظت الجامعة أنه لم يستكمل الساعات الدراسية التي كان من المفترض به إنجازها حسب مقتضيات تأشيرة الطالب. ونتيجة لذلك، تم ترحيله. غير أنه تمكن من العودة إلى الولايات المتحدة فـي وقت لاحق، وهو الآن مواطن أميركي.
النظام فاشل
وأكدت خريزات أنه فـي حين أن المهاجرين الشرعيين معرضون للمساءلة فـي حال ارتكابهم للمخالفات القانونية، جاءت إصلاحات أوباما لتصب تماماِ فـي صالح المهاجرين الشرعيين الذين بات بإمكانهم الإفلات من العقوبات القانونية بسبب عدم حيازتهم أوراق ثبوتية.
والعرب هم بخلاف العديد من المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون الحدود، لا يأتون الى الولايات المتحدة الا عبر الطيران، و«بالتالي لا يكاد يصل أحد منهم إلى هنا بشكل غير قانوني»، بحسب خريزات التي اعتبرت أن «النظام الحالي فاشل».
وأضافت المحامية العربية أن المهاجرين غير الشرعيين لا يمكنهم الحصول على رخصة قيادة والذهاب إلى العمل. و«فـي كثير من الأحيان، ينتهي بهم المطاف بدفع مئات الدولارات كغرامات على القيادة من دون رخصة».
واستطردت أن ضباط الشرطة يعرفون أن «آيس» لن تلاحق هؤلاء الأفراد لأنهم ليس لديهم سجلات جنائية (بحسب قرارات أوباما الأخيرة) وبالتالي يتم إخلاء سبيلهم وتركهم رغم افتقارهم لوثائق سليمة تخولهم للعيش فـي الولايات المتحدة.
وسخرت خريزات من النظام الراهن بالقول «كأنه يقول للشخص نحن نعرف أنك متواجد بشكل غير قانوني، ولكن عد الى حياتك ونتمنى لك التوفـيق».
وتخوّل الخطة التي أعلن عنها الرئيس أوباما للملايين من المهاجرين غير القانونيين الحصول على تصاريح عمل لثلاث سنوات قابلة للتجديد ولكنها لا تعطيهم الحق فـي الحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية الأميركية أو إمكانية الحصول على مساعدات حكومية.
ويستفـيد من هذا الإصلاح الآباء غير المسجلين الذين يحمل أبناؤهم الجنسية الأميركية أو الإقامة الدائمة والذين حضروا إلى الولايات المتحدة منذ ما لا يقل عن خمس سنوات.
ومن بين المستفـيدين كذلك المهاجرون الذين كانوا أطفالا عند وصولهم إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني قبل 2010.
وللإشارة، تم ترحيل 370.000 ألف مهاجر غير شرعي من الولايات المتحدة خلال سنة 2013.
النضال من أجل الجنسية
وبيَّنَتْ المحامية خريزات «أن جميع المهاجرين يريدون أن يكونوا قادرين فـي الحصول على استصدار رخص القيادة وأرقام الضمان الاجتماعي حتى يتمكنوا من دفع الضرائب.. انهم يميلون إلى أن يكونوا عمالاً جيدين جداً».
وكما تفـيد دراسة «بيو»، فإن حوالي خمسة بالمئة من اليد العاملة فـي أميركا هم من المهاجرين غير الشرعيين.
من جهتها، صرحت سامانثا ماغدالينو الناشطة الاجتماعية فـي منظمة «ميشيغن الموحدة من أجل حقوق المهاجرين» (ميشيغن وان)، انها عملت على قضية تخص رجلاً ألبانياً مسلماً من الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة قبل ٣٠ عاماً، ولكن تم ترحيله مؤخراً.
وأوضحت ماغدالينو أن كوجتيم جوزوفـي، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة فـي سن ١٧ عاماً من دون والديه، ألقي القبض عليه سن فـي ١٩ لأنه كان يقلّ بسيارته صديقه الذي كان يحمل سلاحاً غير مرخص.
ولم يحكم على جوزوفـي حينها بالسجن حيث اكتفى القاضي بفرض الخدمة الاجتماعية ودفع الغرامات.
وبعد مرور سنوات تزوج المهاجر الألباني من امرأة أميركية لمدة سبع سنوات، لكن «آيس» تعقبته بذريعة أن زواجه كان مفبركاً.
وقَالَت ماغدالينو إنه بموجب الإجراءات التنفـيذية الجديدة التي أقرّها أوباما، وُضعت قضية جوزوفـي كأولوية قصوى على أساس ارتكاب جناية قبل ٢٧ عاماً -مسدس صديقه-. حيث تنص إصلاحات أوباما على ترحيل أصحاب السوابق الجنائية.
وقد جهدت منظمة «ميشيغن وان»، من أجل حق جوزوفـي فـي البقاء بالولايات المتحدة، وقامت بجمع رسائل من أصحاب الأعمال وممثلي المجلس البلدي فـي المدينة التي يعيش فـيها، والمسؤولين فـي المدارس ونظمت مهرجانات من أجل تمديد تاريخ ترحيله. لكن مكتب «آيس»-ديترويت قرر استخدام سلطاته وترحيل جوزوفـي إلى مقدونيا.
وأفادت ماغدالينو أن زوجة جوزوفـي الحالية، وابنه البالغ من العمر تسع سنوات وابنته البالغة من العمر ست سنوات يعانون من الاكتئاب. وأضافت أن طفليه يسألان دائماً عن والدهما وأن زوجته كانت فـي غاية الإحباط فـي الأيام الخمسة الأولى بعد ترحيله لدرجة أنها رفضت تغيير ملابسها.
«اطلبي من أوباما أن يأتينا بالبابا»، طلبت ابنة جوزوفـي من ماغدالينو.
وتقوم «ميشيغن وان» حالياً بدعم أفراد الأسرة من خلال مساعدتهم على دفع الفواتير، وأخذهم لمحلات البقالة للتبضع وكذلك الى صالونات الحلاقة.
ما الذي يمكن فعله؟
ماغدالينو انتقدت استخدام عبارة «مهاجر غير شرعي» فـي وسائل الإعلام الوطنية لانها تضع وصمة سلبية على عاتق المهاجرين جميعاً، لافتة الى ان «تصوير الهجرة بهذا الشكل هو طريقة جديدة للتغطية على العنصرية».
وأستطردت «أن زيادة الوعي، والدعوة لإنشاء بطاقات هوية بلدية ستحل جزءاً كبيراً من المشاكل التي واجهها المهاجرون غير الشرعيين، «فحالياً إذا كان لديك طفل فـي المدرسة، لا يمكنك زيارته من دون بطاقة هوية شخصية» (يشار الى أن ديترويت قررت إصدار هذه الهوية البلدية).
وأضافت الناشطة أن «إصدار هوية بلدية للمهاجرين سيساهم بدمجهم فـي مجتمعاتهم، تعتبر خطوة مهمة يجب اتخاذها لمساعدتهم على التفاعل داخل المجتمع».
Leave a Reply