بيروت – «صدى الوطن»
بدأ الغموض الذي اكتنف سبب سقوط طائرة الركاب الروسية فـي سيناء، بالانحسار شيئا فشيئا، وبدأت الفرضيات تنحى فـي اتجاه تغليب بعد العامل الخارجي الذي ادى الى سقوط الطائرة فـي الحادي والثلاثين من تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، ومقتل ما يزيد عن مئتي راكب.
الاستخبارات الروسية تتعاطى مع هذه المسألة بدقة متناهية، تضع امامها كل الاحتمالات والخيارات، ولا تستبعد احتمال الخلل التقني أو العمل الارهابي، مع ان الاستخبارات الاميركية والغربية بدأت تتدرج فـي تقديم العمل الارهابي على ما عداه من اسباب، علما ان تنظيم «داعش» كان قد سارع بعد سقوط الطائرة بقليل الى اعلان تبنيه اسقاط الطائرة، وهو الامر الذي لم يؤخذ بجدية مطلقة. بل عُدّ عملا اعلاميا دعائيا لاثارة حماسة أنصاره ومؤيديه، بعد التراجعات والضربات التي تلقاها فـي سوريا تحديدا بفعل التدخل الروسي الى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
هناك من اعتقد فـي البداية ان «داعش» لا يمكن ان يرتكب حماقة بحجم اسقاط طائرة ركاب مدنية، مع ان التنظيم تعتريه نزعه تظهير قدرته على ارتكاب ما يصعب توقعه أحياناً، من جرائم وأعمال تدمير وقتل. والسؤال: إن صح وقوف «داعش» خلف اسقاط الطائرة الروسية، فما هي التبعات والنتائج؟ وهل سيسكت الروس، ويعضون على الجرح، هل يستطيعون أن يسكتوا؟ وإن قرروا الرد، فأين وكيف؟ وهل سيكتفون بضربات موضعية لـ«داعش» أم سيعملون على ادخال هذا التنظيم فـي نفق مظلم؟ وفـي المقابل، هل هي عملية عبثية قام بها «داعش» لمجرد القتل والثأر لما يتعرض له فـي سوريا وكذلك فـي العراق، هل هي عملية لها ما بعدها، ماذا يمكن أن يحقق «داعش» من وراء هذه العملية، بل هل يمكن ان يحقق شيئا، وكيف وأين؟
ان روسيا منخرطة تماماً، اليوم، فـي حرب شرسة ضد الإرهاب، ومما لا شك فـيه ان إسقاط طائرة مدنية روسية، وبعملية إرهابية اشبه ما تكون بـ«31 أكتوبر روسي»، تماما كما هو «11 سبتمبر الأميركي». وسيشكل ذلك أرضية صلبة تسمح لروسيا برفع وتيرة عملياتها فـي سوريا إلى حدها الأقصى، واتباع أساليب التصعيد والمناورة نفسها التي اتبعتها الولايات المتحدة بعد تفجير برجي مركز التجارة العالمي فـي نيويورك.
مما لا شك فـيه ان هذا الأمر، وإن قررت موسكو الرد القاسي، فليس مستبعداً أن تبادر الى رد شامل وواسع ومترامي الاطراف، مما يشكل أمامها فرصة للدخول بقوة، على خط العمليات العسكرية والأمنية فـي العراق، ودعم القوى الحليفة لإيران، وفرض معادلات ووقائع جديدة على الأميركيين وعلى السلطة المركزية فـي بغداد، وعلى القوى السياسية فـي العراق. وهو تصعيد، يصعب على روسيا تفاديه، وكما يصعب على الأميركيين وحلفائهم قبوله، أو قبول مفاعيله التي قد يعتبرونها كارثية.
وليس مستبعداً أيضاً أن روسيا التي تغاضت عن الحرب السعودية على اليمن، قد تعيد حساباتها، بالعمل على عرقلة مخططات الحلف الأميركي هناك، بتقديم الدعم «لأنصار الله»، وإفشال أي محاولة لتحويل الجنوب إلى إمارة «داعشية» وتهديد الشمال.
صحيح أن روسيا خسرت طائرة الركاب، إنما فـي السياسة والميدان العسكري قد تربح، إلا ان ما يجب لحظه هنا هو ان معركة الرد إن قررتها روسيا، فستكون قاسية وربما مكلفة وطويلة الأمد، ومما لا شك فـيه انها ستكون مطلقة اليدين، وليس فـي مقدور أي كان فـي العالم ان يقف فـي مواجهتها، وتحديدا الأميركيون، اذ أن أي موقف أميركي اعتراضي على الرد الروسي سيفسر بأنه دفاع عن داعش والتكفـيريين والارهابيين، وهذا ما لا تريد الولايات المتحدة الاميركية ان تقع فـيه، علما ان مجرد اعتراضها على الرد الروسي، سيرخي ظلالاً من الشك حول الدور الاميركي ويجعل من الشراكة الأميركية فـي الحرب على الإرهاب بأنها شراكة كلامية غير موثوق فـيها. وهو ما لا تريده واشنطن.
Leave a Reply