علي حرب – «صدى الوطن»
قبل عدة أشهر، كان أصحاب محطات الوقود ومتاجر بيع الكحول يحشدون أنفسهم استعداداً لمعركة قانونية وسياسية مع بلدية مدينة ديترويت، معلنين مراراً وتكراراً شكواهم، لمن يريد أنْ يسمع من المسؤولين فـي المدينة، من إصدار مخالفات مفرطة بحقهم ومن الرسوم الباهظة ومن استهدافهم والتمييز ضدهم. هذا فـي الماضي القريب، لكن نقلة سريعة إلى الحاضر فـي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، تٌظهِر تبدُّلاً فـي النظرة إلى الأمور حيث ان الكثير منهم يتحدثون اليوم عن تحسينات كبيرة طرأت على العلاقة مع البلدية مشيدين بجهود رئيسها مايك داغن.
والمعروف انه منذ نحو عام ونصف تقريباً، بدأ أصحاب محطات الوقود والموظفـون التحدث علنا ًضد «الضغط» الممارس على أماكن عملهم. ولا يمكن لومهم فـي ذلك إذ انهم كانوا يتلقون مخالفات بلدية عديدة لنفس التهم وعوقبوا بدفع رسوم باهظة على التراخيص التجارية التي تضمَّنتْ مفعولاً رجعياً امتد حتى إلى ما قبل امتلاكهم للمحطة.
وقد واكبت «صدى الوطن» محنة أصحاب المحطات والمحلات التجارية الأخرى حيث ورد فـي أحد تقارير الصحيفة فـي العام الماضي قصة أحد مالكي المحطات الذين تلقوا 14 مخالفة ترخيص فـي شهر واحد، وهو الوقت الذي كان يبذله للحصول على وثائق وأوراق الرخصة.
وبعد إعلان «صدى الوطن» عن تهديد أصحاب محطات الوقود ومحلات بيع الكحول بمقاضاة البلدية فـي اجتماع يوم 31 آب (أغسطس) الماضي، عاجل رئيس البلدية لمعالجة الموضوع وبحث القضايا التي تشغل بالهم، وكان هذا الاجتماع «نقطة تحول».
ديترويت تتغيّر
جورج سعد وهو رجال أعمال يزاول مهنته فـي ديترويت منذ 52 عاماً، قال «إن السلامة والمهنية تتحسن فـي المدينة على الرغم من التحديات»، وأضاف «خلال السنة والنصف الماضية، كانت البلدية تفرط فـي عملية تنظيم الأعمال التجارية والتي كانت تتطلب وجود تراخيص متعددة لم تكن ضرورية».
ولا يمانع سعد من دفع حصته إلى البلدية، ولكنه وصف زيادة الرسوم وشهادات الترخيص بأنها أشبه بـ«السطو غير المباشر»، «لكنهم الآن يتعاونون معنا بعد ان كانوا يطلبون منا الكثير» الأمور ليست إيجابية 100 بالمئة، ولكن شيئاً ما آخذ فـي التحسن».
وأوضح سعد، الذي يملك محطتي وقود ومتجراً لبيع الكحول فـي حي «نيو سنتر» شمالي الداونتاون وأخرى الى الغرب من وسط المدينة، انه يرى تغييراً فـي ديترويت. وخلص الى القول «منطقة الداونتاون تزدهر وهذا الازدهار سيستغرق وقتاً للوصول إلى الاحياء السكنية، لكنه سيصل إليها فـي نهاية المطاف».
وحث هلال فرحات، المحامي الذي يمثل العديد من أصحاب الأعمال الصغيرة لمحاربة المخالفات الصادرة عن البلدية، أصحاب محطات الوقود والمحلات التجارية على توحيد وتنظيم شؤونهم ليكون لهم رأي مسموع فـي ديترويت.
وقال فرحات خلال إجتماع 31 آب (أغسطس) «هناك منهجية واضحة.. أنا لا أريد أن أسميها تمييزاً ولكن بالتأكيد يوجد استهداف لأصحاب الأعمال العرب الأميركيين والشركات العائدة لهم».
لكن فرحات استدرك فـي حديثٍ مع «صدى الوطن» هذا الاسبوع «ان مكتب رئيس البلدية كثف جهوده لمعالجة مظالم رجال الأعمال التجارية الصغيرة على مدى الشهرين الماضيين».
«شهدت البلدية جوهر مخاوفنا ونرغب فـي العمل مع رجال الأعمال للحصول على حلول» أوضح فرحات، وأردف «إنهم يرون أن هناك بعض القضايا التي يكون حلها بيدهم. أنا لا أعرف إذا كانوا قد غطوا كل المواضيع الشائكة التي تتطلب بحثاً، ولكن كان هناك اعتراف بالمسؤولية. انهم يتخذون خطوات لحل هذه المشاكل».
ووفقاً لفرحات، كان واحداً من الاتفاقات فـي وقت مبكر من الحوار بين داغن وأصحاب الأعمال هو إرسال ممثلين عن أقسام البلدية، لا الشرطة، لحل مشاكل الترخيص.
واعطى فرحات مثلاً «ان الشرطة كانت تصدر ما يصل إلى 10 مخالفات لرجال الأعمال لعدم وجود شهادة إشغال أو يافطة تجارية معتمدة، من دون إعطائهم الوقت الكافـي للحصول على التراخيص». واستطرد ان «أكثر المشاكل الدائمة التي كانت تعاني منها المحطات هي الوقت الطويل الذي تستغرقه لناحية استجابة الشرطة لنداء الاستغاثة. كما انها غير مهتمة بالاستجابة والرد على الشكاوى ضد التسكع، الذي يؤدي إلى مواجهات بين الزبائن والموظفـين».
داغن المتجاوب
من ناحيته أفصح رجل الأعمال ناصر بيضون، الناشط فـي مجال الدفاع عن حقوق أصحاب المحطات والمحال التجارية فـي ديترويت، عن وجود بعض التحسن الذي طرأ فـي العلاقة بين رجال الأعمال والبلدية، «ولكن القضايا العالقة لم تختفِ».
وأكد «فـي الوقت الراهن، نحن نعمل مع مكتب رئيس البلدية لمعالجة الكثير من الأمور المقلقة وكان داغن، متجاوباً، ولكن التغيير المطلوب يتطلب عملية إجرائية تستغرق وقتاً طويلاً». وطالب أصحاب المحطات المشاركون فـي الاجتماع، داغن بخفض رسوم مكافحة الحرائق، وتسريع عملية إصدار الترخيص، والحد من التكاليف البلدية المفروضة على الأعمال التجارية فـي المدينة.
وقال بيضون إن محطات الوقود ومتاجر الكحول كانت المصدر الوحيد لتوفـير مواد البقالة وغيرها من السلع الأساسية لسكان الأحياء فـي غياب محلات البقالة الكبيرة. ولكن على مدى العامين الماضيين، افتتحت متاجر وطنية فروعاً لها فـي ديترويت مثل «مايرز» و«هول فودز».
واستطرد بيضون «لا ينبغي على أصحاب المصالح الصغيرة ان يقلقوا من المنافسة» فهناك دائماً مجالات للعمل فـي مدينة ديترويت». وأضاف أن العرب الأميركيين تواجدوا فـي المدينة فـي أحلك الأوقات «قبل أن تعود فكرة القيام بأعمال تجارية هنا»، و«هم سوف يستمرون بوجودهم هنا فـي الوقت الذي تنمو فـيه المدينة وتزدهر، وعندما تنهض ديترويت مرة أخرى، ستساعد بالمقابل على نهوضنا بالتالي استنهاض شركاتنا التجارية، ونحن بحاجة إلى أن نكون جزءاً من الحل».
موسى بزي، يملك ثلاث محطات وقود والعديد من العقارات التجارية فـي ديترويت، يزاول أعماله التجارية فـي المدينة منذ 27 عاماً، قال «ديترويت الآن هي فـي افضل حال مما كانت عليه منذ عقدين من الزمن». وأضاف «خلال العامين الماضيين، كان لدينا الكثير من القضايا الشائكة. لم يكن هناك اتصال بين إدارات الأقسام فـي البلدية والشركات. ولكن منذ وطأ رئيس البلدية عتبة مكتبه بدأوا يحملونا على محمل الجد».
وتابع «لقد كانت الفوضى ضاربة بأطنابها لكن الأمور أفضل كثيراً الآن، لكن هل انتهت المشاكل كليةً؟ طبعاً لا، ففـي أي مدينة من المدن الكبرى ستظل المشاكل قائمة». وأشاد بزي بداغن، قائلاً ان رئيس بلدية ديترويت «داعم للحلول».
ووفقاً لبزي، فإنّ التحدي الأكبر للمحطات والمتاجر فـي ديترويت هو السلامة العامة. كما أكد ان وقت استجابة الشرطة إلى أي حدث طارىء أقل من إطلاق النار لا يزال طويلاً جداً.
الكاميرات والسلامة العامة
وكانت عناوين الصحف حول إطلاق النار وسرقة السيارات فـي محطات الوقود الرئيسية الأسبوعية قد أضحت مادة ثابتة تقريباً فـي وسائل الإعلام بديترويت.
ففـي شهر أيار (مايو) الماضي، صرَّح قائد شرطة ديترويت جيمس كريغ بكلام شهير بأنه لن يملأ سيارته بالبنزين من محطات معينة فـي ديترويت إلا إذا كان مضطراً على الرغم من انه دائماً مسلح حتى أسنانه.
وفـي شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلن داغن خطة لمكافحة الجرائم عن طريق تثبيت كاميرات عالية الدقة والوضوح فـي محطات الوقود حيث يجري نقل صورها مباشرة إلى مخافر الشرطة والدوريات السيَّارة. «محطات الوقود والمتاجر هي نقاط الضعف عندنا»، نقلت مجلة «كرين ديترويت» التجارية عن داغن قوله اثناء حضوره حفل «ديترويت هوم كومينغ»، وأردف «اي عنصر فـي إدارة شرطة ديترويت سيكون قادراً على التحكم بشريط الفـيديو المنقول من الموقع وطبع صورة (للمتهم)».
وكشف رئيس البلدية ان البرنامج سيبدأ فـي عام 2016 من خلال ثماني محطات وقود تطوعت للبرنامج وستدفع ثمن المعدات الخاصة بها.
وعلَّق بيضون بالقول ان الكاميرات ستردع المجرمين من القيام بأي عمل فـي المحلات التجارية وداخل المجتمع. واصفاً البرنامج بأنه «فكرة عظيمة وهو طوعي. والأمر متروك لرجال الأعمال ليقرروا ما إذا كانوا يريدون المشاركة أم لا».
كذلك أفاد رجل الاعمال غسان حوراني، الذي يملك محطة وقود على الجانب الغربي من ديترويت، انه سيوقع لقبول البرنامج، نافـياً المخاوف المتعلقة بالخصوصية الشخصية «لأن الكاميرات تكون مركبة فـي الخارج وأنت لا ينبغي أن تشعر بالقلق إذا لم يكن لديك ما تخفـيه».
وقال جون روتش، مدير الإتصالات فـي مكتب رئيس البلدية لـ«صدى الوطن» فـي شهر أيلول (سبتمبر) ان داغن «اجتمع مع أصحاب الأعمال لمعالجة مخاوفهم».
واستطرد فـي تصريح عبر البريد الإلكتروني قائلاً «اتفق رئيس البلدية وأصحاب المحطات على ضرورة تحسين السلامة العامة ونحن نعمل معاً لوضع الحل المجدي نفعه لأصحاب الأعمال، فضلاً عن مدينة ديترويت والمجتمع العام».
المسؤوليات متبادلة
بالمقابل عبر أصحاب الأعمال الصغيرة ان لدى مؤسساتهم التجارية مسؤوليات تجاه المدينة والسكان حيث توفر العمل والخدمة معاً.
وقال جورج سعد، الذي يملك أيضاً محطة وقود فـي حي «نيو سنتر»، «يجب أن نزرع ثقافة العطاء فـي مجتمع المصالح التجارية الصغيرة»، واقترح التبرع بالمال للمؤسسات غير الربحية المحلية فـي ديترويت «من خلال قيام كل محطة وقود ومتجر كحول برعاية ملجأ لشخص أو شخصين لا مأوى لهم، وهكذا تتمكن الشركات من القضاء على التشرد فـي المدينة، والذي من شأنه أن يقلل أيضاً من مشكلة التسكع». وأكد «نحن بحاجة إلى المشاركة فـي نشاط المجتمع كما نحن فـي حاجة إلى العطاء. هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله علماً ان التبرعات معفاة من الضرائب وهي جيدة للمصالح التجارية».
كما ردد حوراني صدى رسالة سعد، وقال «نحن غائبون تماما عن المجتمع (فـي ديترويت) فعلى المحطات المساهمة فـي دعم الكنائس المحلية والمشاركة فـي الأنشطة المجتمعية».
من جهته، زاد المحامي فرحات بالقول «ينبغي أن يكون التعاون كطريق ذي اتجاهين»، وحث رجال الأعمال للحفاظ على مراكزهم ومحلاتهم نظيفة وتجنب بيع السجائر الفردية (لوسي) وأدوات تعاطي المخدرات.
وأضاف بزي نصيحة اخرى بأن على المحطات توظيف الأفراد المدربين تدريباً جيداً فقط من الذين يقدرون على تجنب المواجهات مع الزبائن والشرطة.
«اليد الواحدة لا تصفق» كما أشار بزي، وختم بالقول «إذا تعرضت لموقف سيء، يمكنك وقفه أو تسعيره»، مشدِّداً على أن الإحترام «هو مفتاح الحفاظ على العلاقات الجيدة فـي المدينة».
Leave a Reply