سامر حجازي وخليل رمَّال – «صدى الوطن»
لم تعد مدينة ديربورن فقط مكسر عصا لكل «المحترفـين» من الإعلاميين والساسة الانتهازيين وصيادي الفرص وحتى رجال الدين العنصريين والحاقدين وتجار الإسلاموفوبيا والذين يبحثون عن أمجاد ضائعة أو شهرة سريعة كلما وقعت أحداث إرهابية فـي أي بقعة من العالم، بل أصبحت فـي مرمى سهام مواطنين عاديين يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي من أجل بث سمومهم وآرائهم المتطرفة بحق المدينة التي تقطنها بشكل رئيسي جالية عربية وإسلامية مسالمة.
هذا ما حصل بالضبط يوم السبت 14 تشرين الثاني (نوفمبر) عند الساعة الثالثة و٦ دقائق عصراً عندما أطلقت سارة بيبي، وهي مواطنة من سكان ميشيغن متقاعدة من البحرية الأميركية تبلغ من العمر 28 عاماً، تغريدة تنضح عنصرية مقيتة على حسابها الخاص على «تويتر» تعليقاً على الهجمات الإرهابية فـي باريس، هددت فـيها مدينة ديربورن الوادعة بعبارات نابية.
وأثارت هذه التغريدة عاصفةً من ردود الفعل الغاضبة طيلة عطلة نهاية الأسبوع الماضي، مما حمل المغرّدة بيبي على الاعتذار بعد يومين من نشر التغريدة، فـيما لا تزال السلطات تبحث إمكانية توجيه تهم اليها.
وجاء اعتذار بيبي فـي سياق مقابلة مع القناة التلفزيونية السابعة، أكدت فـيها ان تغريدتها كانت «جاهلة وسوف تلاحقها بقية حياتها».
«لا أستطيع حتى أن أبدأ القول كم انا آسفة للمشاكل التي سببتها فـي ما يخص التغريدة البغيضة وغير المسؤولة ابداً التي اطلقتها كردٍ على الهجمات فـي باريس» ذكرت بيبي، وأضافت «أنا آسفة تجاه كل مدينة ديربورن ولكل من تأثر بجهلي وموقفـي على «تويتر». أنا لا أتمنى الضرر لأي شخص بتاتاً، وخاصة بسبب معتقداتهم الدينية. وهذا الموقف الذي جاء إبن ساعته سيطاردني طيلة حياتي. أنا آسفة جداً وآمل من الناس فـي ديربورن أنْ يروا أنني أخطأت. أنا حقاً اَسفة من صميم قلبي».
وعلى الرغم من قيامها بالاعتذار على شاشة التلفزيون على التغريدة المتوحشة، رفضت بيبي أن تظهَر على الكاميرا، مشيرةً إلى أنها كانت تشعر بالحرج الشديد.
وقالت بيبي عبر حسابها على موقع «تويتر» irish_beebs، «ديربورن، ميشيغن، لديها أعلى نسبة من عدد السكان المسلمين فـي الولايات المتحدة. دعونا «نضرب» ذلك المكان اللعين ونرسل رسالة إلى «داعش» بأننا قادمون».
وبعد بضع ساعات من صدور التغريدة، حذفت بيبي الحساب على تويتر ومواقع أخرى على وسائل التواصل الإجتماعي ولكن ليس قبل أن يتمكن مستخدمو الإنترنت من اكتشاف من هي بيبي وأين موقعها.
وقد قامت «صدى الوطن» بتفقد حساب بيبي على موقع «لينكد إن» والذي كشف انها عملت فـي السابق فـي البحرية الأميركية.
وفـي تغريدة لاحقة صبت بيبي الزيت على النار المشتعلة أصلاً عندما أضافت «أريد أن أعيد تجنيدي الآن» مع هاشتاغ «صلوات أجل باريس» #PrayersForParis.
وعلى الرغم من اعتذار بيبي، إلا أن جردة سريعة على تاريخ حسابها تظهر نمطاً من الميول المعادية للمسلمين.
فـي إحدى التغريدات، أخذت صورة لسيارة كُتب عليها باللغة العربية وطلبت من السلطات التحقق منها.
وقالت فـي تغريدة ثانية «الناس الذين ليسوا أميركيين بحاجة لكي يتعلموا ان يبتعدوا ثلاثة إنشات عني، لأنني سوف أسدد لكمة لهم، هذا ما نفعله فـي الولايات المتحدة».
وأعرب مستخدمو السوشال ميديا عن غضبهم من جهلها، خصوصاً وأنها كانت فـي تعمل فـي القوات المسلَّحة ويجدر بها ان تعرف أكثر من غيرها.
«يسرّنا جداً أن نعرف أن عسكرية محترفة هنا فـي ميشيغن تمتلك الحس السليم الكافـي للايحاء بمهاجمة المدينة الوادعة ديربورن، عبر وسائل التواصل الاجتماعية. نعم، انها ذكية مخلصة لقسمها العسكري المتعلق بـ«حماية وخدمة النَّاس» أنا لا يمكن أن اشعر بأكثر من هكذا أمان بوجودها»، تهكمت الناشطة ليلى أمين فـي صفحتها على «الفـيسبوك»، وتساءلت عما إذا كان رؤساءها الذين خدمت تحت إمرتهم، «على علم بشغفها للخدمة والحماية».
ولاحظ آخرون أن تصور بيبي للسكان العرب والمسلمين يمثل جزءاً كبيراً من الرأي العام الأميركي.
«يمكننا أن نسخر منها أو نلعنها، ولكن لا شيء يغير من حقيقة أن هذه المرأة تمثل شيئاً أكبر»، أشارت زينب الشامي واردفت أن عقلية الامتياز الأميركي والثقافة الشوفـينية «ولدت الكثير من المتعصبين مثل هذه الغبية، ودعونا نواجه الأمر سيكون هناك واحد على الأقل مجنون بما يكفـي لمحاولة القيام بشيء ما».
ورفع تقرير إلى إدارة شرطة ديربورن مساء السبت الماضي بعد أن بدأت التغريدة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال قائد شرطة ديربورن رون حداد ان الشرطة أحالت القضية إلى مكتب الادعاء الفدرالي فـي شرق ميشيغن لتقرير ما إذا كان يجب توجيه التهم لبيبي.
ويوم الثلاثاء، 17 تشرين الثاني (نوفمبر) وجَّه ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني دعوة لبيبي للقيام بزيارة لديربورن بعد تقديم اعتذارها، وقد شغل موقف السبلاني مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال السبلاني «نحن نعرض على بيبي القيام بجولة فـي ديربورن، حيث يمكن أن تختبر عن كثب ثقافتنا النابضة بالحياة، وتجرب أطعمتنا الشهية وتمشي فـي شوارعنا وتتسوق فـي محلاتنا وتزور متاحفنا»، وأضاف «إن أفضل طريقة لمحاربة الجهل هي من خلال التبيين للناس من نحن حقاً وفعلاً. ديربورن هي مكان مضياف ومرحب بالجميع».
ماذا لو كان عربياً؟
وقد انقسم الساخطون المعلقون على وسائل التواصل الاجتماعي حول أفضل طريقة للتعامل مع تغريدة بيبي. ففـي حين أن البعض وافق على قبول اعتذارها، رأى آخرون أنها اضطرت اليه اضطراراً من أجل تجنب عواقب وخيمة عليها فـي نهاية المطاف.
لكن الإجماع العام فـي الآراء اعتبر انه لو اختلفت هوية الاشخاص وقام أحد من العرب أو المسلمين بدل بيبي باطلاق هذا النوع من التهديد على وسائل التواصل الاجتماعي ضد المدينة، فإن السلطات حتماً كانت ستتخذ نهجاً مختلفاً تماماً.
وأكد المدير التنفـيذي لرابطة الحقوق العربية الاميركية نبيه عياد إنه لو قام عربي بنفس الفعل، لكانت السلطات قد اتخذت إجراءات فورية لمواجهة التهديدات. وأضاف «ليس هناك شك فـي ذهني أن المسلم او العربي كان سيعاني الأمرّين من جبروت الحكومة التي ستبطش به بكل سطوتها، على الأقل لوقت محدود».
ويعتقد عياد أن تغريدة بيبي ليس فـيها بما يكفـي لتبرير توجيه أي نوع من التهم الجنائية ضدها. فحقوق الفرد محمية فـي ظل التعديل الأول للدستور المتعلق بحرية الرأي «إلا إذا كان هناك خطر على السلامة العامة».
واستطرد بالقول إن القانون ينص على أن يكون التهديد «وشيكاً ومحدداً»، مشيراً الى أن بيبي ستنجو من توجيه التهم اليها لأن ما قالته محمي فـي إطار التعديل الدستوري الأول (حرية الرأي).
Leave a Reply