في أحيانٍ كثيرة، نقف عاجزين عن إستيعاب مآس نعيشها نحن، أو أحباؤنا، أو أصدقاؤنا، ونواجه هذا السؤال: لماذا يتعرض الطيبون للحوادث السيئة؟؟
ماريا، سيدة أميركية وممرضة مجازة، تعمل بجدٍ ونشاط، سبق وعملتُ معها لعدة سنوات وتعلمت منها الكثير.. الطيبة، الهدوء، التسامح والعطاء بمحبة للجميع. كان لديها إيمان عميق بأن لكل إنسان في هذه الحياة مهمة عليه أن يؤديها، وكانت مهمتها صعبة في إعالة ولديها بعد أن هجرها زوجها، إضافةً الى اعتنائها بوالدها المسنّ، الذي تركته زوجته الصغيرة بعد أن أصابه المرض وأقعده العجز.
ماريا كانت تصلي وتشكر الله دوماً لإنعامه عليها بولديها.
الإبن نوا (نوح) كانت لديه ميول موسيقية وفنية، بينما إنخرط جايكوب (يعقوب) في الجيش الأميركي. ليضمن لنفسه مستقبلاً علمياً كان يحلم به بعد إنهاء الخدمة في الجيش ليعفي أمه من المصاريف الجامعية الباهظة.
كانت فرحة ماريا لا توصف عندما أنهى جايكوب خدمة ثلاث سنوات قضاها بين العراق وأفغانستان وعاد إليها سالماً حالماً بتحقيق مستقبل علمي رائع.
لكن جايكوب للأسف، عاد ليقضي نحبه أمام والدته وفي غرفته بصورة مأساوية وبرصاصة خرجت من مسدسه الحربي بينما كان صديقه يلهو بالمسدس وبالخطأ أصابت رصاصة منه صدر جايكوب ومات قبل نقله إلى المستشفى.
في الكنيسة، وخلال القداس عن روحه، القسيس الذي كان يعرف ماريا الطيبة جيداً، حاول مواساتها في مصابها الأليم، فأجابها عندما سألته بلوعة: «لماذا أنا»؟؟ فقال لها: إرادة الرب وحده تسمح بما حدث لكِ، لأنه -أي الربّ- يعلم جيداً أن لديكِ القوة بما يكفي لتحمل المصيبة. ومن خلال دموعها،أجابته ماريا: يا أبونا هل إذا كنت ضعيفة، كان جايكوب لا يزال حياً بيننا؟
الحادثة الثانية، حصلت هنا في ديربورن مع سيدة متعلمة ومثقفة ومتدينة، تعمل في أحد مكاتب الخدمات الإجتماعية.
في إحدى المرات دخلت المكتب إمرأة تحمل طفلاً وتلوك علكةً بإبتذال وإستهتار. نصف جسمها المكشوف مغطى بوشم رخيص، طلبت من الموظفة أن تساعدها في ملء إستمارة للحصول على مساعدة حكومية لاستئجار بيت أو شقة لتعيش فيها مع أولادها الخمسة وأحفادها الثلاثة.
علمت الموظفة أن للمرأة هذا الكم من الأبناء والأحفاد مع أنها لم تتزوج أبداً.
عند إنتهاء المقابلة، بكت الموظفة بحرقة وقالت: لماذا أنا؟؟ أنا الزوجة الوفية المخلصة في حياتي محرومة من نعمة الأطفال، وهذه المرأة الصعلوكة وأمثالها الكثيرات يشتكين من كثرة الأولاد والأحفاد.
حادثة أخرى، روتها لي صاحبتها عندما أمضت أكثر من عشر سنوات في السفر حول العالم لشراء اللوحات والتحف النادرة من أجل البدء في مشروع فني وتجاري.
أنفقت السيدة الكثير لإعداد المعرض، وفي الليلة قبل الإفتتاح، وبسبب صاعق كهربائي، إحترق المعرض بكل معروضاته الثمينة. شركة التأمين دفعت تعويضات لكنها لم تعوض عذاب عشر سنوات قضتها في سفر وتعب حول العالم لإتمام عمل تحبه، وقالت لي: لماذا أنا، أنا التي أنفقت من مالي وصحتي. لماذا حدث هذا لي أنا؟؟
الحالة الأخرى، بعد صراع، مع المرض توفيت صديقتي الطيبة ذات الثمانية وثلاثون عاماً. وتركت زوجاً رائعاً وثلاثة أولاد صغار، أكبرهم في الثالثة عشر، الذي بكى أمه الحنونة بحرقة بعد دفنها. حاولت إحدى العمات تهدئته قائلة له: لا تحزن ياعزيزي أمك ذهبت للقاء ربها لأنه يحبها وربما لأنه هو بحاجة لها أكثر مما تحتاجها أنت الآن كشاب ورجل صغير.
وببراءة قال الولد لعمته: لماذا أنا؟ لماذا إختار الرب أمي أنا؟ أنا أحب أمي وبحاجة إليها أكثر منه!
مآس عديدة تحدث حولنا، نعجز عن تقبلها وإستيعابها، خصوصاً عندما تصيب أناساً طيبين يكافحون بشرف من أجل إثراء الحياة وتجميلها بينما الأشرار والقساة والطغاة يعيشون الملذات والشهوات فيفسدون الحياة. تماماً كما حصل للصيدلي براين، الشاب العصامي المكافح الذي عانى كثيراً حتى تخرج دكتوراً صيدلانياً، ولإجتهاده وأمانته إختاره أستاذه للعمل كشريك معه في مختبر بصيدلية يملكها، وبالمقابل حذره من بعض المدمنين والطفيليين الذين قد يؤذونه من أجل دواء مخدر أو من أجل سرقة.
وهذا ماحدث في أحد الأيام عندما دخل شاب ملثم الصيدلية وأشهر مسدسه في وجه الصيدلي براين الذي إنحنى لإيجاد مفتاح الصندوق وإعطاء المال لحامل السلاح الذي أطلق على ظهره النار إعتقاداً منه أن براين كان يحاول ضغط زر الإنذار.
الرصاصة لم تقتل براين لكنها سببت له شللاً جعله يستعمل كرسياً متحركاً طوال حياته. وفي كل مرة يرى نفسه عاجزاً عن صعود الدرج أو النزول، يسأل بألم: لماذا أنا؟؟
قد يبدو السؤال، لماذا أنا، منطقياً ولكن من يملك الإجابة عليه؟ ولكل إنسان طيب سأل نفسه هذا السؤال أقول له: لست وحدك!!
Leave a Reply