حسن عباس – «صدى الوطن»
يعرف الكثيرون في منطقة ديترويت، المذيع في قناة «فوكس 2» المحلية، جوشوا لاندون، لكن القليلين يعلمون أن في عروق هذا الشاب الإفريقي الأميركي يجري دم عربي لبناني!
نشأ لاندون في الجزء الشرقي من مدينة ديترويت، وبدأ حياته المهنية في إعداد التقارير الصحفية بعد تخرجه من «جامعة إيسترن ميشيغن»، ليتنقل بعدها للعمل في ميدان الصحافة والإعلام بين عدة مدن أميركية، قبل أن يعود في السنوات القليلة الماضية إلى ميشيغن، للعمل في إحدى محطات التلفزة الأكثر شعبية في الولاية.
لكن هذه المسيرة المهنية اللامعة للشاب ابن الـ36 عاماً، لم تخلُ من الآلام والندوب في شقها الشخصي، فحياة المذيع الذي يزداد نجومية يوماً بعد يوم، تعجّ بالكثير من الظلال الثقيلة التي تعكس النوازع العرقية والعنصرية، بين المجتمع العربي ومجتمع الأفارقة الأميركيين بمنطقة مترو ديترويت، ذات التنوع الثقافي والاجتماعي الكبير.
جوشوا لاندون، نصفه لبناني ونصفه الآخر أسود. أبوه محمود بزي الذي ينحدر من مدينة بنت جبيل في الجنوب اللبناني، وأمه ليلا من مدينة مونتغمري في ولاية آلاباما. أخذ لقبه (لاندون) من عائلة أمه، لكنه لم يدخر جهداً للم الشمل مع عائلة بزي التي يرتبط معها بعلاقة الدم عبر والده المرحوم.
بعد محاولات عديدة لم تكلل بالنجاح الذي يتمناه المذيع الشاب، قرر لاندون أن يروي قصته لـ«صدى الوطن» بقلب مفتوح، وذراعين ممدوتين إلى إخوته الخمسة غير الأشقاء، أربعة إخوة وأخت واحدة، الذين يقابلونه ببرود وإعراض، لا يليق بالأخوة، رغم الحساسيات الثقافية والعرقية التي تكتنف المسألة.
لقد أفاد لاندون بأن والده هاجر إلى الولايات المتحدة إبان الحرب الأهلية اللبنانية، وبعيد وصوله إلى أميركا، تواعد مع والدته طيلة سنوات أثمرت عن ولادته وولادة شقيقته بورش التي تصغره بأربع سنوات، لافتاً إلى أن أباه واجه ضغوطاً كبيرة للتخلي عن تلك العلاقة، والزواج بامرأة لبنانية.
ورغم زواجه بسيدة لبنانية، إلا أن بزي لم يتخلّ عن ليلا، وظل يواعدها سراً، فأنجبت طفلاً أسمته جوشوا تيمناً بالنبي يشوع. في هذا السياق، قال لاندون: «قد يتساءل البعض، لماذا لم أمنح اسماً عربياً، لقد أحبت أمي منذ البداية أن تسميني جوشوا، لأنها كانت من أشد المعجبين بالوصايا العشر في الكتاب المقدس، وبشخصية النبي يشوع».
كان الأب قد تعرف على عشيقته السوداء في أواخر سبعينيات القرن الماضي، عندما كانا يعملان معاً في مسلخ «ثورن آبل فالي»، بالقرب من سوق «إيسترن ماركت» بوسط مدينة ديترويت، لكن الكثيرين من أقارب المهاجر اللبناني لم يكونوا راضين عن علاقته بالمرأة الإفريقية الأميركية، وضغطوا عليه لكي يهجرها ويقترن بامرأة لبنانية، وهو ما حصل بالفعل.
ورغم ذلك، لا يبدي لاندون أي لوم على والده الذي خضع لضغوط الأقارب، مؤكداً أن أباه كان «رجلاً صالحاً، ولكنه اتخذ بعض الخيارات السيئة». ويضيف: «لست غاضباً منه أو ناقماً عليه، ولكنني اعتقد بأننا –كرجال–يجب أن نتحمل مسؤولية أفعالنا وتبعات قراراتنا».
ويتابع لاندون بالقول: «لا ألومه مطلقاً على إنجاب أطفال من امرأة أخرى، ولا ألومه على الاقتران بامرأة لبنانية، أتفهم بأن ضغوطاً مورست عليه حتى لا يبقى مع امرأة سوداء، وأن يتزوج بلبنانية بدلاً منها».
في سنوات طفولته المبكرة، نشأ لاندون وسط غياب شبه كلي للأب اللبناني الذي كان يعيش في ديربورن، على بعد أميال قليلة من الحي الذي يترعرع فيه الابن، ولكن ما يحزّ في قلب جوشوا أنه كبر، بدون أن يعلم بأن له أشقاء آخرين، وأن والده لم يسع مطلقاً لكي يتعارف الأخوة على بعضهم البعض.
ويؤكد لاندون بأن أخوته غير الأشقاء علموا بأمره وأمر شقيقته بورش، ولكنهم لم يبادروا إلى الاتصال به أو التقرب منه، مشيراً إلى أن والدته أبقت الباب مفتوحاً أمام العائلة بأكملها لسنوات طويلة، قبل أن تقرر في النهاية الزواج برجل إفريقي أميركي، عندما كان جوشوا في الثانية والعشرين من عمره.
وكان لاندون قد تعرف بالصدفة على أحد أبناء عمومته، وهو خليل (تشارلي) بزي، وتعرف –في وقت لاحق– على أخويه، جو (يوسف) بزي مدير صالة «بيبلوس» بديربورن، وكايد بزي، وابنه المحامي حسن بزي.
ويسرد جوشوا تلك الحادثة بالقول: «لقد عرفني صديق للعائلة يدعى هو الآخر، تشارلي، على ابن عمي تشارلي بزي، الذي كان يمتلك محطة للوقود في شرقي ديترويت»، مضيفاً: «كنت أذهب على دراجتي إلى تلك المحطة القريبة من منزلنا، لأشتري المشروبات والحلوى، ولم أكن أعرف مطلقاً أن صاحبها هو من أبناء عمومتي، وفيما بعد تعرفت على جو وكايد وحسن».
لكن علاقة جوشوا بأبناء عمه لم ترضِ والده، مع الإشارة إلى أن تشارلي وجو وكايد هم أبناء شقيق محمود بزي من أم أخرى. وفي نهاية المطاف تدهورت العلاقة بين الأب والابن، ويعلق جوشوا على ذلك قائلاً: «وجهة نظري كانت تقول.. حسناً.. أنت لم تعرفني أبداً على أي من أفراد عائلتي، فلماذا تنزعج من الأشخاص الذين يتقربون مني ويقبلونني». ويضيف: «كان يمكنني الذهاب إلى مونتغمري، إلى المنزل الذي نشأت فيه أمي، ولكنني لا استطيع فعل ذلك في جانبي اللبناني، ليس لدي هذه الجذور اللبنانية، وقد شعرت بأن المسؤولية في هذا الأمر تقع على عاتق والدي».
وظلت العلاقة بين الأب وابنه بين مدّ وجزر، وفي أدنى مستوياتها، حتى وقع محمود بزي فريسة المرض الذي أودى بحياته، في شهر نيسان (أبريل)، العام الماضي.
عاود جوشوا الاتصال بوالده، وزاره عدة مرات في المستشفى. وحاول الابن اقتناص الفرصة ليعرف الأسباب الحقيقية حول إبقائه بعيداً عن أشقائه الخمسة، إلا أن أسئلته المتلهفة ذهبت أدراج الرياح، ولم تجد إجابات شافية.
مع ذلك، يلتمس جوشوا الأعذار لأبيه، رغم اعتقاده الراسخ بأن العرق كان السبب الوحيد الذي دفع بزي لإبقاء أسرته السوداء في الظل، وطي الكتمان. وفي هذا الصدد، يقول جوشوا: «إن لم يكن العرق هو السبب، فماذا الذي يمكن أن يكون؟».
ويبدو أن الحساسية العرقية لم تكن بعيدة عن حسابات إخوة جوشوا غير الأشقاء، لاسيما وأنه حاول إقامة علاقات معهم على مر السنين، ولكن بدون جدوى.
لقد رفض إخوته الذكور الأربعة أن يقيموا معه علاقة أخوية، فيما تربط بورش بأختها غير الشقيقة «علاقة معقولة»، وفقاً لجوشوا الذي عزا نبذ إخوته له إلى أسباب عرقية وعنصرية، قائلاً: «حتى هذه اللحظة، قمت بدوري وواجبي، ولا يمكن القول بأن العرق ليس سبباً، ولا يمكنك أن تقنعني بأنه ليست لديهم مشكلة في معرفة بأن لهم أخاً أسود».
ولكن السعادة لا تزال تغمر قلب لاندون لقربه من والده في أوقات مرضه، فيسترجع ذكرياته معه وكأنها حدثت البارحة. وعلى الرغم من إعراض إخوته وتجنبهم له، لايزال لاندون يتشوّق لإقامة علاقات معهم.
ومن خلال تجربته الشخصية، يأمل المذيع الإفريقي الأميركي في ردم الفجوات بين المجتمع العربي ومجتمع الأفارقة الأميركيين بمنطقة ديترويت، ويقول في هذا الخصوص: «يوجد لدينا الكثير من التشابه والقواسم المشتركة، ولكن بيننا أيضاً الكثير من الانقسام والتباعد، وهذا ينطبق على الكثير من المجتمعات الأخرى، وأعتقد أننا بحاجة إلى التوقف عن التفكير في أننا أفضل من الآخرين».
Leave a Reply