ديربورن
بحضور فعاليات دينية ومجتمعية بمنطقة ديترويت، أقيمت مساء الجمعة، الخامس من شهر تموز (يوليو) الجاري، الذكرى السنوية الرابعة عشرة لرحيل المرجع اللبناني السيد محمد حسين فضل الله في «المركز الإسلامي في أميركا» بمدينة ديربورن.
وتضمنت الفعالية التي أُقيمت تحت عنوان «حاضراً في قضايا الأمة»، معرضاً لمؤلفات المرجع المجدد باللغتين العربية والإنكليزية، وعروضاً توثيقية لأبرز المحطات في مسيرته الدّعوية والاجتماعية، بالإضافة إلى مهرجان خطابي أضاء على دوره الاستثنائي في دعم المقاومة الإسلامية وتعزيز الحوار بين المذاهب الإسلامية والأديان السماوية.
وخلال الحفل الذي نظمته «جمعية المبرات الخيرية بأميركا»، أشاد مرشد «المجمع الإسلامي الثقافي» بديربورن، الشيخ باقر بري، بشجاعة وصلابة المرجع الراحل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي خلال ثمانينيات القرن المنصرم، ما عرّضه للعديد من محاولات الاغتيال التي «كانت تستهدف قيادات المقاومة الإسلامية في لبنان».
وقال بري: «لقد كان المطلوب في تلك المرحلة أن يصمت الجميع، ولكن سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، رفض الإذعان للإملاءات الخارجية، وواصل القيام بواجبه الديني والوطني من خلال دعم المقاومة الأهلية في قرى الجنوب اللبناني، بالإضافة إلى دعم جميع فصائل المقاومة اللبنانية خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في عام 1982»، ما كان له أكبر الأثر في إسقاط اتفاق 17 أيار بين إسرائيل والدولة اللبنانية في عام 1983.
وتطرق برّي إلى جهود المرجع الديني الأشهر في تاريخ جبل عامل في «غربلة التراث الشيعي من الغلو والخرافات والتصورات السلبية حول بعض الشخصيات الإسلامية»، من منطلق حرصه على «تعزيز الوحدة الإسلامية وعدم إشغال الساحة بالخلافات المذهبية»، عبر نهج قرآني يركز على الانفتاح والتسامح والتجديد.
وعُرف السيد فضل الله بموقفه المشكك في حادثة كسر ضلع فاطمة الزهراء، ورفضه لسبّ صحابة الرسول الأعظم، إلى جانب قيامه بإعادة أداء صلاة الجمعة في مسجد الإمامين الحسنين في الضاحية الجنوبية في عام 1996، وهو ما استجر ضده موجة من النقد وصلت إلى حد التكفير.
إمام «المنتدى الإسلامي بأميركا» بديربورن هايتس، السيد حسن القزويني، وصف من جانبه السيد فضل الله بـ«أبرز أعلام الأمة الإسلامية المجددين»، لما اتسم به من «رؤى ثاقبة ومواقف لبقة انعكست بشكل إيجابي على واقع الدين الإسلامي برمّته، وعلى مذهب أهل البيت بشكل خاص».
وأثنى القزويني على الثقافة الموسوعية التي تحلّى بها المرجع اللبناني، والتي أهّلته للبحث والكتابة في التاريخ والفقه والفكر والاجتماع والأدب، حيث أصدر عشرات الكتب والمؤلفات، بما في ذلك «تفسير القرآن الكريم في 20 مجلداً»، الذي يعتبر واحداً من أبرز تفاسير القرآن الكريم في القرن الرابع عشر الهجري، بشهادة العديد من أعلام ورجال الدين المسلمين.
وأوضح القزويني بأن المرجع الراحل حاز الكثير من مواصفات «رجل الدين المنخرط في مجتمعه وقضايا أمته»، والتي كان من أبرزها صفات «اللباقة» و«التواضع»، مستشهداً بحادثة نجاته من إحدى محاولات الاغتيال التي استهدفته في عام 1985، عندما تأخر عن موكبه الشخصي للإجابة على أسئلة إحدى النساء المسنّات.
وقال القزويني: «كان آية الله العظمى السيد حسين فضل الله يعيش هموم الناس ويتفهم مشاكلهم، وكان يجلس مع العمال والفقراء والمزارعين ليجيب على أستلتهم، وكان بذلك يقتفي نهج النبي الأكرم».
من ناحيته، أشاد مرشد «مركز الإمام الصادق» بديترويت، السيد نجاح الحسيني، بمناقب وفضائل المرجع الراحل وجهوده الدؤوبة في نشر التعاليم والقيم الإسلامية «لا في لبنان فقط، وإنما كذلك في سوريا حيث كان يواظب على زيارتها خلال عطلة نهاية الأسبوع للتدريس في حوزة المرتضى بمنطقة السيدة زينب في تسعينيات القرن الماضي».
وقال الحسيني، إن فضل الله لم يكتف بالتدريس في الحوزات والمجامع الدينية وإنما كان يتجول بين مختلف القرى والمدن السورية، مثل دمشق وحلب ودرعا وحمص، لافتاً إلى أنه كان يحظى بتقدير كبير من المسلمين بجميع طوائفهم في الوقت الذي كان فيه بعض الشيعة يقاطعون دروسه.
وأضاف الحسيني: «لقد شاهدت بنفسي الترحيب الكبير والمودة العظيمة التي يكنها الناس لسماحته، كما أنني رأيت بأم عيني بعض الشيعة يرمونه بالحجارة وهو خارج من حوزة المرتضى في منطقة السيدة زينب بدمشق».
وفي كلمة عبر الإنترنت، أشاد نجل المرجع الراحل، السيد جعفر فضل الله، بإرث والده الغني، الذي تميز «بجمعه للتناقضات، ما أدى إلى إساءة فهمه في كثير من الأحيان»، مستدركاً بالتأكيد على «عمق وأصالة إرث السيد فضل الله الذي يتوجب فهمه دون اجتزاء أو إخراجه من السياق».
وأوضح عضو «هيئة الأمناء في مؤسسات المرجع الراحل» بأن السيد محمد حسين فضل الله لم يكن فحسب عالماً مجتهداً في مجمل القضايا المعاصرة، وفي قضايا المرأة والأسرة، و«إنما كان مجدداً في النهج باتخاذه القرآن الكريم معياراً لحل الإشكاليات المعاصرة».
ولفت السيد جعفر إلى أن والده أنتج «فكراً متكاملاً، وأنه كان في العقيدة منتمياً إلى الإسلام عبر مدرسة أهل البيت»، مؤكداً على أنه كان في الوقت نفسه ناقداً «لما أضافه التاريخ إلى الإسلام والمذاهب الإسلامية من شوائب»، ما دفع الكثيرين إلى اتهامه بالخروج عن خط أهل البيت.
وتضمن الحفل الذي قدمته الإعلامية إكرام زرقط، كلمات أخرى لمرشد «دار الحكمة الإسلامية» الشيخ محمد علي إلهي، والناشطين علي عماد فضل الله وعادل القاضي، بالإضافة إلى قصيدة للمهندس محمد فرحات، تمحورت حول المزايا الفريدة التي تحلى بها المرجع الراحل، وحول إسهاماته الجليلة في تجديد الفكر الشيعي وتعزيز المقاومة الإسلامية في كل من لبنان وفلسطين.
نبذة حول السيد فضل الله
■ ولد السيد محمد حسين فضل الله في مدينة النجف العراقية عام 1935 وتوفي في لبنان في الرابع من شهر تموز (يوليو) 2010.
■ بدأ الدراسة الحوزوية في سن مبكرة، وعلّم الفقه والأصول في حوزة النجف.
■ انتقل إلى لبنان في عام 1966 وساهم في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مع السيد موسى الصدر، كما أسس حوزة دينية باسم المعهد الشرعي الإسلامي، بالإضافة إلى العديد من الجمعيات الخيرية ومقرات رعاية الأيتام والمستشفيات الخيرية.
■ دعم وموّل الأمين العام الأسبق لحزب الله، السيد عباس الموسوي، في إنشاء الحوزة العلمية في منطقة البقاع اللبنانية، كما خصص قسماً من الحقوق والأموال الشرعية لدعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
■ تعرّض للعديد من محاولات الاغتيال كان أبرزها متفجرة بئر العبد عام 1985، وقصف منزله في حرب تموز عام 2006 من قبل الجيش الإسرائيلي.
■ تصدى للمرجعية الدينية في عام 1997، وكان له دور بارز في كسر الجمود وتفعيل الحوار بين الأديان السماوية والمذاهب الإسلامية.
■ كتب أكثر من أربعين كتاباً في الفقه والتفسير والتاريخ والأدب، كما شارك في آلاف الندوات والمؤتمرات والمحاضرات الدينية داخل العالم العربي وخارجه.
■ أسس جمعية المبرات الخيرية، التي انبثقت عنها الكثير من المدارس والمستشفيات والمعاهد التعليمية ومراكز رعاية الأيتام داخل وخارج لبنان، ومن بينها جمعية المبرات في أميركا، ومقرها ديربورن.
■ توفي في الرابع من يوليو عام 2010.
Leave a Reply