محمد العزير
بشيء من التبسيط يمكن القول بأن الانتخابات التمهيدية التي جرت الثلاثاء الماضي، انتهت بأقل قدر ممكن من الخسائر للعرب الأميركيين الذين يبدو أن حضورهم السياسي دخل أخيراً دائرة الفعل والتأثير بما يتجاوز الحدود التقليدية مساحة ومشاركة، لم يعد الدور العربي الأميركي محصوراً بالمناطق التقليدية «المصنفة»، مثل مدينتي ديربورن وهامترامك، لا بل يتمدد إيجابياً، ترشيحاً واقتراعاً في الكثير من أنحاء جنوب شرقي ولاية ميشيغن، ويعكس باضطراد، النمو الديمغرافي والاقتصادي والمهني في هذه المنطقة الأهم في الولاية.
هذا الحضور الذي يوازن بين المشاركة الفعلية في التصويت وبين الإسهام في تقديم كفاءات ومواهب عربية أميركية، خصوصاً من فئة الشباب إلى الانتخابات كمرشحين ومرشحات لمختلف المناصب والمجالس، أمر في منتهى الحيوية لأنه في المجتمعات الديمقراطية التي تقوم السياسة فيها على التمثيل الانتخابي يحتسب نفوذ ودور وتأثير أية جماعة إثنية أو نقابية أو قطاعية أو ثقافية أو دينية على أساس حضورها الانتخابي أولاً وقبل كل شيء، ثم على أساس حضورها على الطاولة وفي أروقة القرار من خلال مرشحيها والمنتخبين من أفرادها.
يسهل على المتابع أن يرى في السنوات القليلة الماضية بلوغ العرب الأميركيين عتبة المشاركة، لكن ذلك لا يعني أبداً أن المسيرة انتهت وحققت أهدافها، العكس هو الصحيح؛ هذا يعني أن المسيرة ابتدأت للتو وتحتاج إلى كل الإمكانات والجهود الممكنة.
الملاحظة الأولى التي تنبغي الإشارة اليها عشية الاستحقاق الانتخابي العام في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، هي ضرورة الانتباه إلى أن خريطة الانتشار العربي الأميركي، خصوصاً في الغرب الأوسط تمنح الصوت العربي الأميركي أهمية مضاعفة في الانتخابات العامة والوطنية على السواء، لأن هذا الوجود مؤثر وقد يستطيع أن يصنع الفرق في الولايات غير المحسومة سلفاً مثل ميشيغن وأوهايو وويسكونسن وبنسلفانيا، والى حد ما في أريزونا.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن آلاف الأصوات فقط حسمت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أكثر من ولاية سالفة الذكر.
الملاحظة الثانية المستمدة من انتخابات ميشيغن التمهيدية على وجه الخصوص، هي أن الدعم الانتخابي حتى في الجماعات الإثنية لم يعد مرتبطاً بالهوية الشخصية للمرشحين بقدر ارتباطه بالمواقف العامة لهم. إذ شهد العرب الأميركيون في الانتخابات التمهيدية حالة أنموذجية عن ذلك حين قررت أكبر مؤسسة ضغط موالية لإسرائيل (آيباك) ضح ملايين الدولارات في انتخابات محلية لإسقاط عضوين من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي؛ وهما العربية الأميركية رشيدة طليب واليهودي الأميركي آندي لفين. كان واضحاً منذ البداية أن استهداف طليب لم يكن بسبب هويتها، وإنما بسبب مواقفها، خصوصاً من عدالة القضية الفلسطينية كزميلها لفين. قد تساهم هذه الحقيقة في إنضاج التجربة العربية الأميركية أكثر للقضاء على رواسب الانتماءات البدائية التي لا تزال حاضرة في بعض التجارب.
الملاحظة الثالثة، وهي ليست مقتصرة على الانتخابات الأخيرة بل تتصل بما سبقها في الدورات الانتخابية الثلاث الأخيرة، هي أن الانتخابات في قسم كبير منها عملية احترافية تتطلب مقاربة علمية ومهنية قادرة على صياغة برامج العمل وتأمين التواصل مع الناخبين والوصول إليهم. لذلك، كان النجاح حليف المرشحين الذين اعتمدوا الأساليب الحديثة والمتداولة ولم يركنوا إلى العلاقات الشخصية والعائلية والعواطف.
الملاحظة الرابعة هي وجود رغبة كبيرة لدى فئة الشباب للانخراط في العمل العام وهذه قيمة جيدة جداً وتتطلب من المؤسسات المعنية إيلاء هذه الشريحة الاهتمام اللازم سواء من حيث تشجيع الشباب والصبايا على المبادرة والترشح أو من خلال مساعدتهم في بناء علاقات تعاون وعمل مع المسؤولين المحليين والمنتخبين والنشطاء من المتمولين والمهتمين بالشأن العام. هذه هي الطريقة الأنجع والأسرع لجذب الموهوبين والواعدين ليكونوا مصدراً دائماً للكوادر والقيادات المستقبلية.
الملاحظة الخامسة هي إصرار الطفيليات النرجسية المتورمة غروراً على التعامل مع الاستحقاقات الانتخابية والعمل العام وكأنها برنامج هواة أو منبر للشهرة فيسارع أصحابها إلى إعلان ترشحهم لأي منصب شاغر، ويجدون للأسف من يصفق لهم ويشجعهم إما لمجرد التسلية و«التنكيت» وإما للتشويش بطريقة غير مباشرة على مرشحين كفوئين وجديين.
في المبدأ من حق أي شخص أن يترشح لأي منصب، لكن أن يتحول البعض إلى محترفي ترشح من أجل الرسوب فقط لأنهم يطربون لسماع أسمائهم في وسائل الإعلام أو رؤيتها مطبوعة، فذلك أمر يجب أن يكون فيه نظر.
الملاحظة السادسة هي أن الغالبية العظمى من المرشحين العرب الأميركيين الذين يحالفهم الحظ في النجاح أو يحققون نتائج جيدة ومشجعة ليس لديهم مشكلة في تبني الهوية العربية الأميركية الشاملة ويعرفون أهمية ذلك داخلياً في مجتمعهم الضيق أو خارجياً في المحيط العام.
للأسف هذه الحقيقة لم تترسخ بعد، في أذهان البعض الذين لا يزالون حريصين على سياسة التفرقة والتنافر سواء على أسس دينية أو مذهبية أو مناطقية، والذين يباشرون نشاطهم من منطلقات ضيقة وفئوية تنم عن قصور في فهم متطلبات العمل العام أو يصرون على تغليف أحط المشاعر الفتنوية بقشرة انتخابية تحاول إقامة خطوط تماس بين ذوي الأصول اللبنانية والفلسطينية واليمنية والعراقية وغيرها، وكأن عقليتهم تنتمي إلى الماضي ولا تتطلع إلى المستقبل.
الملاحظة الأخيرة والتي لا بد منها هي عن دور المؤسسات الدينية التي تتعامل في معظمها مع الاستحقاقات الانتخابية إما بشخصانية مرتبطة بأهواء النافذين فيها فتقصر اهتمامها الانتخابي بدعوة مرشحين محددين إلى نشاطاتها، أو تركز على دعوة المسؤولين المنتخبين في لعبة مناكفات غير مفهومة فيما بينها، لكنها في جميع الحالات تتعامل مع الشأن الانتخابي كأمر ثانوي غير ذي أهمية ولا تضع الترشيح أو الاقتراع لا في أولوياتها ولا في أدبياتها أو مناسباتها، بينما تنشط إلى أبعد الحدود وتستنفر كل جهودها إن كان في الأمر فتنة أو تحريض أو كيد.
مع انتهاء الجولة التمهيدية من الانتخابات تبدأ الاستعدادات للجولة العامة التي ستجري بعد أقل من مئة يوم، وهذه الانتخابات ستكون مفصلية ومهمة جداً خصوصاً في الولايات التي للصوت العربي فيها وزن وتأثير، وهذا يستدعي انتباه كل المعنيين، لكن ذلك موضوع له بحث آخر.
Leave a Reply