واشنطن – بإشراف رئيس المحكمة الأميركية العليا، القاضي جون روبرتس، انطلقت رسمياً –الأسبوع الماضي– محاكمة الرئيس دونالد ترامب أمام مجلس الشيوخ، بتهم إساءة استغلال سلطاته الرئاسية، وعرقلة عمل الكونغرس، وسط انقسام حزبي حاد بين الجمهوريين والديمقراطيين يشي بأن المحاكمة لن تطول كثيراً قبل أن تتم تبرئة الرئيس.
وبعد يوم أول ماراثوني، أقر مجلس الشيوخ في وقت متأخر من ليل الثلاثاء المنصرم، القواعد الأساسية لآلية محاكمة الرئيس، حيث رفضت الأغلبية الجمهورية، كافة المقترحات التي قدمها الديمقراطيون، مثل طلب وثائق أو شهود إضافيين على صلة بقضية حجب المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وقوبل طلب استدعاء مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون للإدلاء بشهادته بالرفض، من طرف 53 جمهورياً مقابل 47 ديمقراطياً صوتوا لصالح المقترح.
وقد تم رفض جميع الطلبات التي تقدم بها زعيم الأقلية الديمقراطية السناتور تشاك شومر، برفض 53 جمهورياً مقابل 47 ديمقراطياً صوتوا لصالح المقترحات، بما يعكس الانقسام الحزبي الحاد في المجلس الذي يضم 100 سناتور.
كما رُفض طلب استدعاء لمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون وكبير موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني ومساعدَي الرئيس ترامب، روبرت بلير ومايكل دافي.
وتواصلت المحاكمة وسط نقاشات مريرة حول ضوابطها مع اتهام الديمقراطيين للجمهوريين بتدبير تبرئة ترامب.
وفي المرافعة الافتتاحية لفريق الادعاء المتمثل بسبعة نواب ديمقراطيين، قال النائب آدم شيف إن ترامب ضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتحقيق حول جو بايدن، نائب الرئيس السابق، والمرشح الديمقراطي الأبرز للرئاسة الأميركية 2020.
وقال شيف إن ترامب سعى في تعاملاته مع أوكرانيا لتدخل أجنبي من أجل تحسين فرصه في الانتخابات الرئاسية.
وأضاف «ولتنفيذ هذا المخطط الذي ينطوي على فساد، ضغط الرئيس ترامب على رئيس أوكرانيا ليعلن عن فتح تحقيقات في زعمين تم دحضهما وكانا سيصبان في صالح حملة ترامب الرئاسية».
ودعا الديموقراطيون، زملاءهم الجمهوريين إلى التحلي بـ«الشجاعة» الكافية «للبحث عن الحقيقة» في محاكمة ترامب.
واستشهد فريق الادعاء بمقاطع عديدة من إفادات أدلى بها أعضاء في الإدارة الأميركية أمام اللجان الفرعية في مجلس النواب في نوفمبر الماضي.
وقال شيف موجهاً كلامه إلى الأعضاء الجمهوريين الـ53 الموحدين حتى الآن في دعمهم لترامب، «لقد جازفوا بكل ما لديهم، بمسارهم المهني. أعرف أنّ ما نطلبه منكم يمكن أن يعرّض مساركم أنتم أيضاً للخطر، لكن إن كانوا تحلّوا بالشجاعة، فذلك بإمكاننا نحن أيضاً».
وعلق ترامب من سويسرا قائلاً: «هؤلاء الأشخاص مجانين!»، مؤكداً أنه ضحية «مكيدة» دبرها الديمقراطيون.
وقال ترامب إنه كان «بودّه» حضور المداولات لكن محاميه لا يؤيدون ذلك.
ورد ترامب بلهجة تحد، من منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا قائلاً إن الديمقراطيين ليست لديهم أدلة كافية لتجريمه وعزله، كما أعرب عن رضاه عن سير المحاكمة وأداء فريق الدفاع.
وفي رده على سؤال للصحفيين عن سبب وجوده في دافوس بدلاً من واشنطن حيث انطلقت محاكمته، قال ترامب «نجتمع مع قادة العالم، أهم أشخاص في العالم ونعود وبجعبتنا أعمال تجارية هائلة»، مشيراً إلى أن المحاكمة «مجرد (إجراء) زائف. إنها مطاردة شعواء مستمرة منذ سنوات وبصراحة، إنها مشينة».
وغرد بكثافة –بعد عودته إلى واشنطن، ناشراً عشرات التغريدات الساخرة من خصومه ومتباهياً بسجله الرئاسي.
وينفي ترامب ارتكاب أية مخالفة ويقول أعضاء حزبه الجمهوري في مجلس الشيوخ إن سلوكه لا ينطبق عليه وصف «الجرائم والمخالفات الجسيمة» التي جعلها الدستور الأميركي سبباً لعزل الرئيس.
ومن شبه المؤكد أن يبرئ مجلس الشيوخ ساحة ترامب، حيث تستلزم إدانة الرئيس أغلبية ثلثي المجلس (67 عضواً)، أي أنه يترتب على الديمقراطيين إقناع عشرين سناتوراً جمهوريا بالتصويت ضد ترامب، ولا يبدو هذا الأمر وارداً.
وأمام الديمقراطيين ما يصل إلى ثلاثة أيام لتقديم مرافعاتهم. وسيتاح لفريق الدفاع عن ترامب ثلاثة أيام بعد ذلك للرد في المحاكمة التي ربما تنتهي الأسبوع المقبل.
وقال شيف «ما من شيء أكثر خطراً على أي ديمقراطية ما من قائد أعلى يظن أن بوسعه العمل دون رادع ومحاسبة. ما من شيء، إلا كونغرس على استعداد لغض الطرف عن هذا».
وكان محامو الرئيس ترامب، الاثنين، قد دعوا مجلس الشيوخ إلى تبرئته «فوراً». وكتبوا في مذكرة من 110 صفحات رداً على الاتهامات أن «على مجلس الشيوخ أن يرفض القرار الاتهامي ويبرئ الرئيس فوراً» واصفين قضية المساءلة بأنها قضية فبركها الديمقراطيون.
كما وصفت المذكرة التهمتين بأنهما «إهانة للدستور ومؤسساتنا الديمقراطية» مشيرة إلى أن تهمة تعطيل عمل الكونغرس «سخيفة وخطيرة».
ويصرّ الفريق القانوني لترامب أيضاً على أن الرئيس كان ضمن حقوقه في الضغط على نظيره الأوكراني للكشف عن نظريات المؤامرة التي روجها الديمقراطيون حول تدخل روسيا في انتخابات 2016، ويرى أن ترامب كان على حق في مطالبة الرئيس الأوكراني بفتح تحقيق حول نائب الرئيس السابق جو بايدن، الذين قالوا إنه ينبغي أن يخضع للتدقيق بغض النظر عن وضعه كمنافس سياسي محتمل، بسبب شبهات الفساد التي تحيط بابنه هانتر الذي تم تعيينه في مجلس إدارة شركة غاز أوكرانية رغم افتقاده لأية خبرة في هذا المجال، إبان تولي والده للملف الأوكراني أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
ومن المتوقع أن يحاول الجمهوريون أن ينهوا المحاكمة والتصويت لصالح براءة الرئيس قبل موعد خطاب حالة الاتحاد الذي ينتظر أن يلقيه ترامب أمام الكونغرس في 4 شباط (فبراير) المقبل.
ومن المقرر أن تبدأ مرافعات الدفاع اعتباراً من السبت وتخصص لها مهلة ثلاثة أيام، وفقاً للإجراءات التي أقرها مجلس الشيوخ لسير المحاكمة.
وقال المحامي الشخصي للرئيس جاي سيكولو إن «الدستور يحمي «امتيازات السلطة التنفيذية، وثمة سبب لذلك»، مندداً بالمحاكمة التي وصفها بأنها «مثيرة للسخرية» و«خطيرة على الجمهورية» قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية.
ويعول الديمقراطيون على إجراء عملية تصويت بعد الانتهاء من مرافعات الدفاع، للبت نهائياً في مسألة استدعاء شهود جدد.
ومن أجل البت بالطلب إيجاباً، يتحتم أن يخالف أربعة جمهوريين إجماع حزبهم ويؤيدوا استدعاء شهود، وهو ما يبدو مستبعداً.
ورفض الديمقراطيون الأربعاء الماضي، «صفقة» اقترحها عدد من المشرعين الجمهوريين، تقضي بالموافقة على استدعاء شاهد ادعاء مقابل استدعاء هانتر بايدن نجل جو بايدن، الذي طلب ترامب من كييف فتح تحقيق بشأنه. ويمكن بعد ذلك لأعضاء مجلس الشيوخ الانتقال إلى التصويت على الاتهامين الموجهين إلى ترامب.
Leave a Reply