ديربورن – «صدى الوطن»
ممتلئاً بالطاقة والحيوية والمثابرة، حضر الناشط المخضرم علي بلعيد المكلاني إلى مكاتب «صدى الوطن»، فور انتهائه من المشاركة مع عشرات الناشطين المحليين بالترّيض في شوارع ديربورن ضمن النشاط الأسبوعي لمنظمة «تحالف ديربورن الصحية»، التي تأسّست قبل ست سنوات بمبادرة من بلدية ديربورن ومستشفى «بومانت» والمدارس العامة في المدينة.
هذا النشاط الأسبوعي لم يكن إلا واحداً من عشرات النشاطات الدورية التي يشارك فيها «أبو ظافر» الذي احتفل في 20 آب (أغسطس) المنصرم بعيد ميلاده التسعين في منتزه لابير في قلب حي «الساوث أند» أو ما يعرف بحي «ديكس» الذي عاش فيه لأكثر من ثلاثين عاماً.
لم يكن الحفل عادياً بالطبع، فلقد حضر لتكريمه العديد من المسؤولين الرسميين والفعاليات المحلية، بحضور النائبتين في الكونغرس الأميركي، ديبي دينغل ورشيدة طليب، وممثلين عن السناتورين في مجلس الشيوخ الأميركي عن ميشيغن، غاري بيترز وديبي ستابينو، إلى جانب السناتور في مجلس شيوخ ميشيغن سيلفيا سانتانا وعضو مجلس نواب الولاية أبراهام عياش، ورئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود ورئيس المجلس البلدي مايك سرعيني ورئيس بلدية هامترامك أمير غالب والقنصل اليمني العام في ديترويت مختار الجعدني وعضو مجلس مفوضي مقاطعة وين سام بيضون، بالإضافة إلى لفيف من القضاة ورجال الأعمال والنشطاء الحقوقيين.
ورغم تقدمه في السن لايزال «أبو ظافر»، أحد أبرز وجوه الجالية اليمنية والعربية عموماً في منطقة ديترويت الكبرى وأكثرها ديناميكية وقد استحق عن جدارة، التكريم الرسمي والأهلي لمسيرته الممتدة قرابة 55 عاماً، ساهم خلالها بتأسيس العديد من المنظمات والجمعيات والمراكز، مثل «الجمعية الخيرية اليمنية الأميركية» (يابا)، «المركز العربي للخدمات الاجتماعية والاقتصادية» (أكسس)، «المهرجان العربي الأميركي»، «المهرجان العربي والكلداني»، و«اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي)، و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك).
وكان المكلاني –الذي وُلد بمديرية الشعيب بمحافظة الضالع في اليمن عام 1932– كان قد هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1968. وبعد عام واحد على وصوله إلى العالم الجديد، بادر مع مجموعة من رفاقه إلى تأسيس جمعية «يابا» لمساعدة المهاجرين على مواجهة العراقيل والتحديات المستجدة في المغترب الأميركي.
وأوضح «أبو ظافر» بأن «الجمعية الإسلامية الأميركية» (مسجد ديكس) و«الجمعية الخيرية اليمنية الأميركية» (يابا) غدتا من معالم الجالية اليمنية في منطقة ديترويت وعموم ولاية ميشيغن، لافتاً إلى أن تأسيس الأخيرة واستمرارها في حقل الخدمة العامة لأكثر من نصف قرن يمثّل دليلاً ساطعاً على عمق رؤيتها وصحة نهجها في الاستجابة للتطلعات الحقيقية لمجتمع الجالية اليمنية التي شهدت ولادة العديد من المنظمات تحت يافطة الأهداف الشخصية والمناطقية، والتي ما لبثت أن اختفت عن ساحة العمل الاجتماعي بدون تحقيق نجاحات ملموسة.
ولفت المكلاني إلى أن جمعية «يابا» التي يشغل فيها منصب المدير التنفيذي واظبت منذ تأسيسها على إقامة صفوف لمحو الأمية وتعليم اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي خلال عطلات نهاية الأسبوع، كما أطلقت خلال العقود الأخيرة برنامجاً لتقديم المنح الدراسية لخريجي المدارس الثانوية لمساعدتهم على استكمال تعليمهم الجامعي، مؤكداً بأن «يابا» لم تقصر جهودها على خدمة المغتربين اليمنيين في منطقة ديترويت فحسب، بل ساهمت –على مرّ السنين– في تمويل العديد من المشاريع التعليمية والصحية والخيرية في الوطن الأم.
الهوية اليمنية والهوية العربية
لدى الاستسفار عن ميل الكثير من الناشطين اليمنيين إلى تأسيس منظمات ذات طابع يمني خالص، على عكس المنظمات العربية الأميركية الأخرى، أوضح المكلاني بأنه كـ«عروبي وحدوي» يولي أهمية قصوى لخدمة جميع العرب الأميركيين من خلال مؤسسات عربية جامعة لا تقيم فروقاً بين الجنسيات العربية، منوهاً بأنه شارك في تأسيس وتنشيط العديد من هذه المؤسسات، مثل «أكسس» و«أي دي سي»، و«أيباك»، وغيرها.
وبرر المكلاني تمسك بعض المنظمات الناشئة بالهوية اليمنية دون الهوية العربية الجامعة، بخصوصية اليمنيين الأميركيين في منطقة ديترويت، واختلاف احتياجاتهم عن سائر الجاليات العربية الأخرى في منطقة ديترويت بسبب الفروقات الاجتماعية والثقافية، وكذلك بسبب الحاجة إلى تعزيز الخبرات والموارد لدى الجالية اليمنية. وقال: «بصراحة أنا لا أؤيد مثل هذه الممارسات، وأؤمن بحاحتنا الملحة إلى تضافر جهودنا كعرب ومسلمين من أجل تحقيق مطامحنا وصيانة حقوقنا المدنية والدستورية».
وأضاف: «نحن في الجمعية الخيرية اليمنية الأميركية نخدم الجميع، بدون أي تمييز، ونقوم عبر البرنامج السنوي لتوزيع المنح بتكريم الطلاب اليمنيين وغير اليمنيين على حد سواء»، لافتاً إلى أن التركيز على التعليم دفع الجالية اليمنية إلى الازدهار في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية خلال السنوات الأخيرة، حيث «بات اليمنيون منخرطين أكثر فأكثر مع المجتمعات العربية وعموم المجتمع الأميركي».
نهضة اجتماعية واقتصادية
يعزو المكلاني الطفرة التعليمية والاقتصادية في مجتمع الجالية اليمنية خلال العقدين الأخيرين إلى تغير عقلية وسلوك المهاجرين اليمنيين في منطقة ديترويت، بحيث أنهم لم يعودوا يفكرون بعقلية المغتربين كما كان الحال في السابق حيث يتمحور جلّ اهتمامهم حول تحسين أوضاعهم المادية لمساعدة عائلاتهم في الوطن الأم.
وقال المكلاني: «لقد بدأ اليمنيون يفكرون بعقلية المقيمين في موطنهم الجديد، خاصة مع ازدياد هجرة العائلات التي تسارعت بشكل كبير في أعقاب الحرب في اليمن، إضافة إلى الأجيال الجديدة التي تمتلك رؤى وتصورات أكثر إدراكاً وفهماً لطبيعة المجتمع الأميركي وما يوفره من فرص وإمكانات هائلة لم يكن آباؤهم قادرين على الاستفادة منها بفعل الكثير من الأسباب، منها ضعف اللغة الإنكليزية وتدني التحصيل العلمي».
وأضاف: «اليوم، لدينا طاقات متزايدة وإنجازات ملموسة.. فلأول مرة يتمكن أميركي من أصل يمني من الوصول إلى مجلس نواب الولاية، وهو النائب أبراهام عياش، وكذلك لأول مرة يترأس بلدية هامترامك أميركي من أصل يمني هو رئيس البلدية أمير غالب، ناهيك عن مئات المهنيين الناجحين كالأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين وغيرهم».
كما نوّه المكلاني بنجاح اليمنيين في مجال البزنس وازدهار أعمالهم التجارية في الكثير من المجالات، ولا سيما في قطاع محطات الوقود والمطاعم والمقاهي. وقال: «إن المطاعم والمقاهي اليمنية باتت علامة تجارية مميزة في منطقة ديترويت خلال الآونة الأخيرة».
وحثّ المكلاني اليمنيين الأميركيين على الانخراط في الخدمة العامة والعمل المجتمعي، وقال إن سلوكيات الشكوى والتظلم لا تفيد بشيء، ولا تحقق الأهداف التي نصبو إليها، مؤكداً على أن التغيير المثمر لا يتحقق إلا من خلال المؤسسات الرسمية والأهلية.
وكان المكلاني قد انتسب إلى الحزب الديمقراطي بعد سنوات قليلة من هجرته إلى الولايات المتحدة، وهو حالياً عضو في اللجنة التنفيذية للحزب في «الدائرة 12»، التي تضم كلاً من ديربورن وديربورن هايتس والجانب الغربي من مدينة ديترويت، إلى جانب غاردن سيتي وإنكستر وليفونيا وساوثفيلد.
وأوضح بأن انتسابه للحزب الديمقراطي ساعده على توطيد «علاقات استراتيجية» مع المسؤولين والمنتخبين في ولاية ميشيغن على مرّ السنين، والتي جيّرها –مع زملائه الآخرين– لتحسين أوضاع العرب الأميركيين وتعزيز دورهم السياسي والثقافي والاقتصادي في عموم ولاية ميشيغن.
وشجع المكلاني الشباب العربي على الانتساب إلى أحد الحزبين، الديمقراطي أو الجمهوري، وقال: «مع أنني ديمقراطي ولا أوافق على أجندة الحزب الجمهوري، إلا أنني لا أمانع في أن ينتسب العرب الأميركيون إليه، إذ يتوجب علينا أن لا نضع كل البيض في سلة واحدة».
وشدد المكلاني على أن التغيير الإيجابي المطلوب لا يأتي إلا من خلال المؤسسات، وقال: «قم بالدخول إلى المؤسسة الرسمية أو الحكومية أو الحزبية، واعمل على تثقيف نفسك وتطوير قدراتك، ثم ابدأ بالتغيير من الداخل».
لا نية للتقاعد
مع دخوله عامه الحادي والتسعين، كانت المفاجأة في أن المكلاني لا يفكر بالاستقالة من العمل الاجتماعي، حيث قال: «إن الحياة تعني العمل والعطاء، والأعمار لا تقاس بالسنوات، وإنما بما يقدمه الإنسان من خير وعون للآخرين».
تجدر الإشارة إلى أن المكلاني كان قد اختير في عام 2019 ضمن أفضل 70 شخصية فوق سن السبعين في ولاية ميشيغن، ومُنح جائزة «القيادة المدنية والاجتماعية» من قبل «مركز هنان» بديترويت الذي يمنح الجائزة آنفة الذكر «لأشخاص تركوا آثاراً لا تمحى في مجتمعات ميشيغن». وجاء في بيان الجائزة «فيما يسعى بعض الأشخاص إلى التمتع بتقاعدهم، فإن آخرين يقلبون الصفحة لكي يبدأوا فصلاً جديداً».
مليئاً بالطاقة والحيوية، يدخل علي بلعيد المكلاني عامه الحادي والتسعين، مبتدئاً صفحة جديدة في العمل العام كريادي وكشاهد عصر على تحولات الجالية اليمنية في منطقة ديترويت.
Leave a Reply