ديربورن
الجدل المحموم في ديربورن حول سحب مجموعة من الكتب التي تتناول المثلية الجنسية من مكتبات المدارس العامة في المدينة، لم يلبث أن تحوّل إلى تظاهرات غاضبة عكست حدة الانقسام بين المعارضين لما أسموه «الرقابة على المطبوعات»، وبين المطالبين بـ«حماية النشء» من المنشورات ذات المضامين الجنسية الفاضحة.
فقد شهدت «مكتبة هنري فورد المئوية»، يوم الأحد الماضي، تظاهرتين متعارضتين في غضون ساعات قليلة، حيث ضمّت الأولى زهاء مئة شخصً، من أنصار مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً، الذين تجمعوا للإعراب عن رفضهم لقرار سحب الكتب من المدارس، قبل أن يحتشد المئات، معظمهم من العرب الأميركيين، تحت عنوان «إحموا أبناءنا» لمطالبة المسؤولين التربويين في المدينة بمنع المطبوعات الإباحية، لاسيما تلك التي تتناول العلاقات المثلية.
وكان مجلس ديربورن التربوي قد أمر في اجتماعه المنعقد في 12 أيلول (سبتمبر) المنصرم بسحب سبعة كتب مؤقتاً من المكتبات المدرسية إثر احتجاج بعض الأهالي على محتوياتها الجنسية الفاضحة، معتزماً تشكيل لجنة خاصة لمراجعة الكتب السبعة وغيرها من المطبوعات في مكتبات مدارس ديربورن، للبت في قرار سحبها نهائياً.
وقد شملت قائمة المطبوعات المقيّدة أربعة كتب ورقية وثلاثة إلكترونية، وهي تحمل العناوين التالية:
– «ادفع» عن دار «سافير» للنشر
– «ليس جميع الصبيان زرقاً» للكاتب جورج جونسون
– «وعاشوا» للكاتب ستيفن سلفاتوري
– «عظام جميلة» للكاتبة أليس سيبولد
– «إيليانور وبارك» للكاتبة راينبو روويل
– «أحمر، أبيض وأزرق ملكي» للكاتبة كايسي مكويستون
– «هذا الكتاب مثليّ» للكاتب جونو داوسون
القرار بتشكيل اللجنة المزمعة، التي لم تتحدد بعد، ملامحها وطبيعة المهام المُناطة بها، لم يخفف من استياء بعض الأهالي الذين اعتبروا هذه الخطوة بمثابة «هروب إلى الأمام».
وأشار أحد المتظاهرين إلى أن أعضاء المجلس التربوي، بمن فيهم العضوان العربيان حسين بري وعادل معزب، يحاولون التنصل من مسؤولياتهم تجاه هذه القضية، وذلك على قاعدة: «إذا أردت التخلص من مشكلة، فقم بتشكيل لجنة لحلها، فذلك كفيل بتحييدها ودفنها».
وتجيز المحكمة العليا في الولايات المتحدة للمناطق التعليمية تقييد أو منع الكتب في مكتبات المدارس العامة، ضمن شروط محددة. وقد قضت المحكمة العليا في قضية «منطقة آيلاند تريز يونيون فري التعليمية رقم 26 ضد بيكو»، بأنه إذا كان هنالك أي سبب سياسي أو اجتماعي أو ديني وراء حظر الكتب، فإن ذلك يعد انتهاكاً لحقوق التعديل الأول في الدستور الأميركي، ولكن إذا كان الدافع غير تمييزي (كوجود مخاوف بشأن فحش النصوص ومستوى قيمتها التعليمية)، فعندئذ سيتم منح المنطقة التعليمية سلطة تقديرية لتقرير مدى ملاءمة النصوص لطلابها.
ولم تكن منطقة ديربورن التعليمية هي الوحيدة التي لجأت إلى سحب أو تقييد الوصول إلى الكتب الإباحية في مكتبات المدارس بولاية ميشيغن، فقد قامت المناطق التعليمية في مدن غلاودين وروتشستر ونوفاي وهادسونفيل بسحب العديد من المطبوعات مؤقتاً بانتظار التحقق من مضامينها ومدى ملاءمتها لطلبة المدارس، وذلك ابتداءً من 22 حزيران (يونيو) المنصرم، وفقاً لمنظمة «پين» (قلم) الأميركية، التي توثق للكتب الممنوعة في الولايات المتحدة.
تفاقم الجدل وزيادة حماوته في المدينة التي تضم ما يربو على 21 ألف طالب، دفع رئيس البلدية عبدالله حمود إلى التدخل عبر منشور على صفحته بموقع «فيسبوك»، أكد فيه على طبيعة المدينة المنفتحة والمتنوعة والمرحبة، مشيراً إلى أنه «كرئيس للحكومة المحلية، وكمُنتَج لمدارس ديربورن العامة»، يعارض حظر الكتب تحت أي مسمى، ما أثار مواقف متباينة بين المتصفحين الإلكترونيين الذين تنوعت تعليقاتهم بين التأييد والرفض الذي لم يخلُ من تعابير غاضبة ومسيئة.
ضد الرقابة
تجمع نحو مئة شخص، معظمهم من الأميركيين البيض، أمام «مكتبة هنري فورد» على شارع ميشيغن أفنيو، عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، للتعبير عن معارضتهم لقرار سحب كتب المثلية الجنسي تحت «التنوع والقبول والتسامح»، رافعين أعلام المثليين ولافتات تدعو إلى حماية الحريات العامة.
وحملت إحدى اللافتات عبارة: «المكتبات سوف تموت، إذا حظرت الكتب»، فيما حملت لافتة أخرى عبارة تقول: «الكتب توحدنا، والرقابة تفرقنا». كما تم توزيع منشورات من «جمعية المكتبات الأميركية» لتثقيف الجمهور حول كيفية وقف حظر الكتب.
وانتقد المتحدثون –خلال التظاهرة– قرار المجلس التربوي بسحب الكتب السبعة مؤقتاً، وطالبوا المسؤولين التربويين بتخويل أولياء الأمور لانخاذ القرارات المتعلقة باختيار أبنائهم للمطبوعات التي يريدون الوصول إليها في مكتبات المدارس العامة.
وكان مستشار منطقة ديربورن، روس غروفر، قد أوضح في الاجتماع الأخير للمجلس التربوي بأن اللجنة المزمع تشكيلها لمراجعة الكتب المقيدة مؤقتاً في مكتبات المدارس العامة، سوف تضم فريقاً من المعلمين والإداريين والأخصائيين الإعلاميين وأولياء أمور الطلبة. وقال غروفر: «إن المهمة الأولى للجنة ستتضمن مراجعة الكتب السبعة لتقديم توصية حول مدى ملاءمتها لطلابنا، وتحديد ما هو مناسب لمكتباتنا».
المعلمة في مدارس ديربورن، ماري كوبيسيك، التي انضمت للتظاهرة مع أصدقائها للتعبير عن معارضتهم لحظر المطبوعات في مكتبات المدارس، أعربت عن يقينها بأن قرار المجلس التربوي بتقييد الكتب السبعة قد ساهم بزيادة الانقسام في أوساط المعلمين وأولياء الأمور وفئات المجتمع الأخرى. وقالت: «بسبب ذلك، فقد خططنا لتنفيذ هذه الوقفة الاحتجاجية تحت عنوان: الكتب توحدنا والرقابة تفرقنا».
وأضافت: «لقد كنا في وسط هذا الجنون منذ وقت طويل، كان يجب أن ينتهي هذا الوضع، ولكن مرت شهور تلو الشهور ولم يحدث شيء، لذلك قررنا أننا بحاجة إلى جذب المزيد من الناس الذين يجب على أن يكونوا على علم بحقيقة ما يجري، لأن الكثيرين على ما أعتقد يعارضون حظر هذه الكتب». وأوضحت بأن قرار المجلس بتقييد الكتب هو «تعدّ على مكتباتنا ومدارسنا العامة، وأنه محاولة لانتزاع حقوق الناس في القراءة وفي سماع قصص الآخرين»، على حد تعبيرها.
المتظاهرة شانون وايوتاس التي تعيش مع ابنها وابنتها المثليين، أكدت بأن موضوع حظر الكتب ذات المضامين الجنسية قد ترك ظلاله الثقيلة على عائلتها المقيمة في مدينة غاردن سيتي، منتقدة فكرة عدم تمكين طفليها من الوصول إلى الكتب ذات المضامين المثلية، لاسيما وأنهما «قارئان متعطشان لتلك المواضيع».
وقالت وايوتاس (49 عاماً): «بصفتي عضوة في مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً ثم أرى طفليّ يعانيان من ذلك.. فهذا يهمّ، لأن هذه الكتب موجودة في المكتبات من أجل هؤلاء الأطفال وهم يعلمون أنهم ليسوا وحدهم من يرغب بقراءتها». وأضافت: «هذه الكتب لا تحولك إلى شخص مثلي، إنها فقط تجعلك تعلم بأن الموضوع مقبول».
حماية النشء
وبعد ساعة واحدة من انفضاض التظاهرة المؤيدة لمجتمع المثليين والمتحولين جنسياً، تجمع نحو 800 شخص، بحسب صحيفة «ديترويت نيوز» في تظاهرة مضادة بالموقع نفسه، عند الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، تأييداً لقرار سحب الكتب وتأليف لجنة تتولى «تنظيف» مكتبات المدارس العامة من «جميع المطبوعات ذات المضامين الفاضحة»، رافعين لافتات كُتب عليها: «أوقفوا غسيل أدمغة أطفالنا»، و«الله خلقنا على هذا النحو»، فاتركونا كما نحن»، و«ارفعوا أيديكم عن أطفالنا أيها الحيوانات المنحرفة جنسياً»، باللغتين العربية والإنكليزية.
كما حمل بعض المحتجين صوراً مكبّرة من كتاب «هذا الكتاب مثليّ الجنس»، تتضمن رسماً لصبي عارٍ، وأخرى يظهر فيها ولد يشجع رفيقه على ممارسة فعل جنسي.
وأجمع المتحدثون خلال التظاهرة التي حضرها رجال دين مسلمون، على أنهم ليسوا معادين أو كارهين للمثليين والمتحولين جنسياً وأن تأييدهم لمراجعة الكتب المدرسية ينطلق من اعتقادهم بأن تلك المطبوعات غير مناسبة لأعمار أطفالهم، وذلك بغض النظر عن المبادئ والتعاليم الدينية.
المتظاهرة ستيفاني بتلر، أعربت عن سئمها من المدارس «التي تدفع بهذه المواد الإباحية إلى الطلبة». وقالت: «إن المدارس باتت تسأل الأطفال عن ميولهم الجنسية»، منوهة وسط تصفيق حاد بأن سكان المدينة لن يستمروا في قبول ذلك بعد الآن.
وأضافت: «هؤلاء الناس يريدون إثارة مواضيع الجنس لدى أطفالنا، ونحن لدينا الكثير من المشاكل في المدارس، ولا نحتاج إلى المزيد منها، مثل الكتب الجنسية التي لا أعتقد بأننا سنقبلها في مدارس ديربورن بعد اليوم».
وشددت بتلر على أنه يجب السماح لأولياء الأمور بمزيد من التدخل في مناهج تعليم أبنائهم، وقالت: «نريد إجابات من المسؤولين التربويين حول كيفية عمل المكتبات، إذ لا يمكن أن يكون لدينا أناجيل أو مصاحف، ولكن توجد لدينا هذه البذاءات». وصرخت بتلر بصوت عالٍ: «قطعاً لا، لن يتم إخراسنا بعد اليوم»، ليردد المتظاهرون بعدها بحماس: «قطعاً لا.. لن يتم إخراسنا بعد اليوم».
من ناحيته، انتقد ناجي المذحجي ما أسماه «هذا النوع من الزبالة تحت ستار التعليم»، في إشارة إلى الكتب قيد المراجعة، لافتاً إلى أن التعليم والتربية هما مساران متلازمان ولا يمكن الفصل بينهما.
وقالت زينة حميد، وهي متخرجة من مدارس ديربورن العامة، وأم لثلاثة أطفال في منطقة ديربورن التعليمية: «لا أتذكر أبداً بأنني كنت أجد مثل هذه الكتب في المدرسة»، مؤكدة عدم كراهيتها لمجتمع المثليين والمتحولين جنسياً ولكنها «تعارض تدريس الكتب ذات الإيحاءات والمضامين الفاضحة» بغض النظر عن الميول الجنسية التي تتناولها. وأضافت حميد: «أميركا بلد حر، ولكن هنالك فرق بين هذه الحقيقة وبين ما يتم تقديمه للأطفال في المدارس».
وطالب المتحدثون أولياء الأمور بالحضور الكثيف في اجتماع مجلس ديربورن التربوي في 10 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، لكي يضمنوا المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بمستقبل أبنائهم ومستقبل التعليم في مدينة ديربورن.
وومن المتوقع أن يتناول اجتماع مجلس التربوي مسألة تشكيل لجنة مراجعة الكتب الطلابية في مدارس المدينة، وسط انقسام حاد بين السكان، وغموض موقف معظم أعضاء المجلس.
تحدٍّ مضاد
سام سمولي، وهو من مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً، لم يكتف بالمشاركة في التظاهرة المعارضة لسحب المطبوعات مؤقتاً من المكتبات المدرسية في ديربورن، بل زاد من جرعة التحدي والتوتر حين قام باقتحام التظاهرة المؤيدة لقرار سحب الكتب، ما دفع عناصر الشرطة إلى التحلق حوله وإحاطته بحواجز حديدية تفادياً لوقوع مشاجرات بينه وبين المحتجين الذين استفزهم حضوره وطلبوا منه مغادرة المكان.
وقاطع سمولي، الذي رافقته متظاهرة أخرى، المتحدثين مدلياً بتعليقات عبر مكبر الصوت حول تأييد حريات التعبير والميول الجنسية وسط صيحات الاستهجان، وقال: «بعض الناس يجعلون الأمر وكأنه يتعلق بحماية الأطفال، لكن لكل شخص حق التعلم والقراءة عن أشخاص يشبهونه في كتب المدارس العامة»، مضيفاً: «أنا هنا لأنني لم أكن أدرك ذلك عندما كنت طفلاً».
ورد المحتجون بالهتاف ساخرين: «اذهب وابكِ!».
وبعد انتهاء مداخلته، جلس سمولي على درج المكتبة وهو يحتضن علم المثليين حتى نهاية التظاهرة التي غادرها برفقة بعض رجال الشرطة الذين اصطحبوه حتى سيارته المركونة في الموقف التابع لمكتبة هنري فورد.
Leave a Reply