لا تزال المنحة الحكومية الضخمة التي حصلت عليها المديرة التنفيذية السابقة لغرفة التجارة العربية الأميركية، فاي بيضون، في عام 2022، عبر تأسيس منظمة غير ربحية لتحفيز وتعزيز الأعمال التجارية في ولاية ميشيغن، تثير الشكوك والشبهات حول كواليس حصولها على تلك الأموال الطائلة وكيفية إنفاقها، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «ديترويت نيوز»، الأربعاء المنصرم.
وكان مجلس ميشيغن التشريعي قد أقرّ منحة بقيمة 20 مليون دولار لمنظمة «غلوبال لينك إنترناشيونال» (جي أل آي) التي أسستها بيضون، وذلك ضمن مجموعة منح مالية بقيمة مليار دولار تم تخصيصها في ميزانية الولاية لعام 2022 تحت بند تمويل 114 منظمة تحظى برعاية خاصة من أعضاء المجلس التشريعي.
وفضلاً عن أن مؤسسة «غلوبال لينك إنترناشيونال» لم تكن مسجلة رسمياً لدى الولاية إبان تلقي المنحة، حيث تم تسجيلها في مقاطعة أوكلاند بعد فترة وجيزة من الحصول على التمويل، أظهرت السجلات العامة التي اطلعت عليها «ديترويت نيوز» بأن بيضون أنفقت 408 آلاف دولار على رواتب الموظفين خلال الشهور الثلاثة الأولى بعد تلقي 10 ملايين كدفعة أولى من المنحة آنفة الذكر، ليتبين لاحقاً بأن الموظفين المزعومين لم يكونوا سوى بيضون نفسها مع موظف آخر لم يتم الكشف عن هويته.
بيضون التي تتحدر من أصول لبنانية، دفعت أيضاً 11 ألف دولار من أموال دافعي الضرائب كنفقات لتغطية سفرها وحضورها لمؤتمر في العاصمة المجرية بودابست، وكذلك 4,500 دولار ثمناً لماكينة تحضير القهوة، إضافة إلى 100 ألف دولار لرعاية «أسبوع ميشيغن للتكنولوجيا»، و130 ألف دولار كأتعاب لشركات قانونية واستشارية خلال الشهور التسعة الأولى من عمل شركتها المزعومة.
كذلك، بيّنت السجلات بأن بيضون دفعت 40 ألف دولار لمشتريات الأثاث، الذي جرى شحن جزء منه إلى منزلها الكائن في مدينة فارمنغتون هيلز، فيما شحن الجزء الآخر إلى عنوان في مدينة برمنغهام، الذي من المقرر أن يتم اتخاذه مقراً لمؤسسة «غلوبال لينك».
وبيّنت الوثائق التي حصلت عليها «ديترويت نيوز» بموجب قانون الاطلاع على السجلات العامة، بأن بيضون صرفت حتى كانون الأول (ديسمبر) الماضي أكثر من 800 ألف دولار من الدفعة الأولى البالغة عشرة ملايين دولار من المنحة المقدمة لمؤسسة «غلوبال لينك إنترناشيونال»، وهي كيان لم يكن موجوداً عندما أقرّ صانعو القوانين في ميشيغن منحها 20 مليون دولار على دفعتين.
ونقلت الصحيفة الديترويتية عن اثنين من زملاء وشركاء بيضون السابقين في تحصيل المنحة، قولهما إنها أبعدتهما عن المشروع بعد حصولها على التمويل من مجلس ميشيغن التشريعي الذي تجاوز الآليات المعمول بها عادة لتقديم المنح في ولاية البحيرات العظمى.
بدورها، دافعت بيضون عن مصاريفها المسرفة موضحة بأنها تلقت بالفعل ملايين الدولارات لتشجيع وجذب الأعمال إلى ولاية ميشيغن، وقالت: «لقد كانت نيتي دائماً تتمثل في تعزيز البصمة العالمية لولاية ميشيغن وجذب الشركات الناشئة إليها من جميع أنحاء العالم».
وقالت «مؤسسة التنمية الاقتصادية بميشيغن»، وهي وكالة حكومية تضم بيضون ضمن عضوية لجنتها التنفيذية، إنها تقوم بمراقبة نفقات بيضون، غير أنها لن تجري تدقيقها أو مراجعتها لحسابات المنظمة حتى تُصرف جميع أموال الدفعة الأولى البالغة عشرة ملايين دولار.
وبينما تؤجل حكومة الولاية مراجعة النفقات المثيرة للشبهات، دعا بعض الزملاء والشركاء السابقين لبيضون إلى التدقيق في المنحة المقدمة لها، وتساءل رجل الأعمال شريف حسين، وهو مسؤول في غرفة التجارية العربية الأميركية، وكان قد ساعد بيضون في الحصول على المنحة عما إذا كان المانحون الديمقراطيون، بمن فيهم حاكمة ولاية ميشيغن غريتشن ويتمر، قد أساؤوا التصرف والتقدير في تخصيص المنحة آنفة الذكر.
زملاء فاي بيضون السابقون في غرفة التجارة العربية الاميركية يتهمونها بالاستيلاء على التمويل الحكومي لنفسها
وتتمتع بيضون بعلاقات وطيدة مع الحاكمة الديمقراطية التي عينتها في عام 2019 في عضوية لجنة العلاقات الأميركية الشرق أوسطية، وفي اللجنة الاستشارية لـ«مؤسسة التنمية الاقتصادية بميشيغن» التي تشرف سنوياً على توزيع وإدارة ومنح حوافز حكومية بعشرات ملايين الدولار للمؤسسات القائمة أو قيد الإنشاء.
وحين حصلت بيضون على الدفعة الأولى من الأموال في تموز (يوليو) 2022 كانت لاتزال تشغل منصب المديرة التنفيذية لـ«غرفة التجارية العربية الأميركية» التي غادرتها بعد فترة وجيزة من نشر صحيفة «ديترويت نيوز» في آذار (مارس) العام المنصرم لتقرير حول حصول مؤسستها على المنحة الحكومية قبل تأسيسها رسمياً، فيمل تواصل غرفة التجارة جهودها ومساعيها لمعرفة أسباب وحيثيات وصول المنحة لبيضون، وليس للغرفة نفسها، حسبما نقلت الصحيفة.
وفي الإطار، أعرب المؤسس المشارك لـ«غرفة التجارة العربية الأميركية» ورئيس مجلس إدراتها أحمد الشباني عن أمله في «أن تصبح الأمور أكثر شفافية فيما يتعلق بكيفية تلك استخدام هذه الأموال لتحسين ولاية ميشيغن، وأن تتأكد مؤسسة التنمية الاقتصادية بميشيغن من وجود عائد لهذا الاستثمار على دافعي الضرائب».
من جانبها، رفضت بيضون الاتهامات التي وجهتها الغرفة وكذلك مزاعم حسين في تأمين المنحة، مشيرة إلى أن هذا الانتقادات تعود إلى عدم حصولهم على التمويل و«تحفظهم على القيادة النسائية». وقالت إن المنحة التي حصلت عليها جرى تأمينها عبر عملية تشريعية «عامة وشفافة»، في إشارة إلى قيام مجلس ميشيغن التشريعي بإضافة زهاء مليار دولار إلى مشروع ميزانية العام 2022، الذي استمر التفاوض عليه خلف أبواب مغلقة حتى وقت متأخر من الليل، قبل طرحه أمام المشرعين للتصويت عليه.
وشككت بيضون في المخاوف التي أثيرت حول المنحة، وقالت: «إنها ادعاءات غير متسقة من رجلي أعمال انتهازيَين، محنكين وناجحين»، مطالبة بتقديم الوثائق التي تدعم ادعاءاتهما إذا كانت «صحيحة».
البحث عن أجوبة
نشرت صحيفة «ديترويت نيوز» تقريراً حول منحة بيضون لأول مرة في مارس 2023 كجزء من تحقيق استقصائي استمر لعدة أشهر لتحرّي وجهات المنح الحكومية التي قاربت مليار دولار في ميزانية الولاية.
ونفى رئيس مجلس نواب ميشيغن حينها جيسون ونتوورث (جمهوري) رعايته لمنحة «غلوبال لينك» على الرغم من إدراجها تحت رعايته من قبل مكتب ميزانية الولاية. ولكن رجل الأعمال شريف حسين، وهو مانح سياسي للحزبين الجمهوري والديمقراطي، رتّب لقاءً بين بيضون وونتوورث انتهى يموافقة الأخير على رعاية المنحة.
ونجحت بيضون في الحصول على المنحة لتمويل منظمة ناشئة لم تكن مسجلة رسمياً بعد، حيث تم تأسيها عقب مرور عشرة أيام على إقرار الموازنة.
وفي السياق، قال الشباني إن الغرفة طلبت في ذلك الوقت من بيضون التواصل مع حكومة الولاية للحصول على تمويل لبرنامج دولي تشرف عليه غرفة التجارة لجذب وتنمية الأعمال في ميشيغن، وبدلاً من قيامها بذلك، فقد استأثرت بيضون بأموال المنحة لمؤسسة لم يتم إنشاؤها بعد، والتي تم تسجيلها على عنوان منزلها الكائن في مدينة فارمنغتون هيلز.
وأوضح الشباني بأن مجلس إدارة غرفة التجارة لم يعلم بأمر المنحة التي حصلت عليها بيضون إلا بعد التقرير الذي نشرته «ديترويت نيوز»، قائلاً بأن الغرفة «تبحث من ذلك الحين عن إجابات»، غير أنها لم تتلقَ أي توضيح من إدارة ويتمر في هذا الخصوص. ولفت إلى أن مجلس الإدارة «كان في حيرة من أمره لإن إحدى الموظفات في منظمتنا حصلت على منحة بشكل مستقل».
ووضعت بيضون اللمسات النهائية على اتفاقية المنحة مع الولاية قبل أيام من نشر تقرير «ديترويت نيوز».
وبعد حصولها على الدفعة الأولى البالغة عشرة ملايين دولار، سارعت بيضون في 3 نيسان (أبريل) 2023 إلى التخلي عن منصبها في غرفة التجارة. وقال الشباني: «عندما تمت الموافقة على تمويلها، انسحبت على الفور».
وفي تقرير تم تقديمه للولاية، زعمت بيضون بأنها التقت في أواخر شباط فبراير 2023 بوزراء سعوديين لمناقشة الشراكات المحتملة مع مؤسسة «غلوبال لينك»، إضافة إلى إجرائها مقابلات مع محامين ومحاسبين قانونيين معتمدين لدى مؤسستها، وذلك في الوقت الذي كانت فيه على رأس عملها لدى غرفة التجارة العربية الأميركية.
وأخطرت بيضون الولاية بأنه تم عقد أول اجتماع لمجلس إدارة «غلوبال لينك» في حزيران (يونيو) 2023، وليس من الواضح بعد من هم أعضاء المجلس الذين رفضت بيضون الكشف عن أسمائهم متذرعة بخشيتها من تعرضهم «للمضايقات»، مع العلم بأن أسماءهم ستقدم في نهاية المطاف لمصلحة الضرائب الأميركية (آي آر أس(.
لكن بيضون أكدت بأنها قامت بلإبلاغ الشباني عن قرارها بترك غرفة التجارة «في وقت مبكر جداً من العملية التشريعية الخاصة باعتماد المنح»، مدعية بأن «غلوبال لينك» تمتلك أهدافاً أبعد من أهداف الغرفة، وأفادت لـ«ديترويت نيوز» بأن الشباني وحسين توقعا منها أن تعمل «كمرتزقة» للحصول على أموال الولاية لمصلحتهما.
وأردفت بيضون: «إن وظيفتي لدى الغرفة لم تكن تتضمن تلقي التعليمات للذهاب والحصول على أموال من الولاية، ولم تكن تلك الطريقة التي يمكنني من خلالها الاستمرار في العمل».
من جانبه، زعم شريف حسين وهو رجل أعمال من مدينة أوكيموس مقرب من رئيس مجلس النواب السابق، أن المحادثات بينه وبين بيضون تضمنت احتمال أن يتولى دوراً لدى مؤسسة «غلوبال لينك»، غير أنه عاد بخفي حنين من ذلك المشروع، بحسب ما أفاد للصحيفة الديترويتية.
وفيما لم يستجب ونتوورث للتعليق حول دوره في إقرار المنحة، أضاف حسين قائلاً: «لقد حصل معي ما حصل مع غرفة التجارة، لقد تم استبعادي بعد أن ظننت بأنه سيكون لي دور ما في غلوبال لينك، دور استشاري، لكن لم يتم إشراكي على الإطلاق في تلك المؤسسة»، نافياً علمه بكيفية صرف الأموال، وقال: «أنا قلق للغاية من أن يكون هنالك احتمال لاختلاس الأموال ثم ينسب لي بأنني أحد الأشخاص الذين طرحوا أو دافعوا عن الفكرة… سوف يُسيء ذلك لسمعتي».
ورفضت بيضون مزاعم حسين وقالت إنه طالب بوظيفة مدفوعة الأجر في مؤسسة «غلوبال لينك»، لكن «خلفيته» لم تسمح بإيجاد دور يمكن تبريره، لافتة إلى أنه رفض القيام بدور استشاري. وأضافت: «من الناحية العملية، لم يكن من المناسب أن نعرض عليه وظيفة مدفوعة الأجر إذا تحقق التمويل، لأن ذلك سيكون بمثابة مقايضة وسوف يثير أسئلة أخلاقية خطيرة».
نفقات غلوبال لينك
في الشهور الثمانية الأخيرة من عام 2023، أنفقت بيضون حوالي 850 ألف دولار من أموال المنحة، بحسب التقارير ربع السنوية التي قدمتها للولاية، كاشفة عن أن النفقات الأضخم قد تمثلت في رواتب الموظفين وأتعاب القانونيين والاستشاريين، إضافة إلى دعم مجموعة من مؤسسي الأعمال التجارية.
ووفقاً لسجلات الولاية، فقد أدرجت بيضون زهاء 10 آلاف دولار كرواتب بين شهري تموز (يوليو) وأيلول (سبتمبر)، ثم 408 آلاف دولار كرواتب من تشرين الأول (أكتوبر) ولغاية كانون الأول (ديسمبر)، وتظهر الوثائق بأن مؤسسة غلوبال لينك وظفت خلال هذه الفترات بيضون نفسها وشخصاً آخر لم يتم الكشف عن هويته.
وقالت بيضون إن مبلغ الـ 408 آلاف دولار يتضمن الرواتب التي سبقت الفترة المشمولة بالتقرير والتي تم دفعها في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، رافضة الكشف عن حجم راتبها الذي «يتناسب مع منصبها»، والذي سيضر الكشف عنه بجهود تجنيد الموظفين والعملاء. لكن بما أن غلوبال لينك مسجلة كمؤسسة غير ربحية فيتوجب على بيضون الكشف عن راتبها في المستندات الضريبية لنهاية السنة، غير أنها لن تصبح متاحة للجمهور إلا في وقت لاحق.
وقالت بيضون إن تكاليف بدء تشغيل المؤسسة كانت باهظة الثمن، لكن تم صرفها على أساس أنه «سيكون هنالك تدقيق كامل لجهودنا»، مضيفة: «هدفنا هو النمو، وعلى هذا النحو، نحن نستثمر من أجل هذا النمو».
ويبدو أن بيضون بدأت في استئجار مكتب في مدينة برمنغهام، لكن المنظمة لاتزال مسجلة على عنوان منزلها في مدينة فارمنغتون هيلز، ولا تزال الفواتير الصادرة حتى ديسمبر تحمل عنوان منزلها الذي تم شحن الأثاث إليه في بعض الأحيان، وفي حالات أخرى تم شحنه إلى عنوان في برمنغهام، بحسب الفواتير المقدمة لولاية ميشيغن.
وقالت بيضون إن غلوبال لينك وقعت عقد إيجار قصير الأجل لمساحات مكتبية في مدينة برمنغهام خلال ديسمبر المنصرم، مؤكدة أنها انتقلت إلى الموقع الجديد في الأسبوع الماضي.
Leave a Reply