قد يتشابه جاك شاهين مع القادة التاريخيين لمعارك حددت معالم العالم. والمعارك الكبرى قد تنتظر سنوات، مراوحة مكانها، حتى يخرج لها قائد يبني مجد امته عليها. لكن الفرق بين المعارك الحربية والاخرى الثقافية هي ان الاسلحة المستعملة فيها، وان اشتركت في صفة الفتك، الا انها تختلف في ان الاولى يراق بها دماء الشعوب، بينما تحقنها الثانية وتحفظ بها ماء الوجه.ومنذ ما يقارب الثلاثين سنة، شهر شاهين قلمه في وجه ملحمة لم يعرف العرب كيف يواجهونها. فلقد حاول الكثيرون التصدي لهجمة السينما الاميركية على ثقافة العرب وتشوية صورتهم لتتشوه، بالتالي، حقوقهم وتفقد مصداقيتها. الا ان جميع المتصدين افتقدوا شيئا مهما في معاركهم الثقافية، لم يفت على شاهين ادراكه: الجدية الاكاديمية وإقامة الدليل العلمي ومنهَجَة الدفاع لينتزع المصداقية انتزاعا. والاهم، الابتعاد عن الحدة والصوت المرتفع.كتب شاهين ثلاثة كتب يفضح فيها تواطؤ المنتجين والمخرجين في هوليوود على ثقافة العرب. كان آخرها فيلم وثائقي مرتكز على كتابة الاخير «عرب اشرار: كيف تشوه هوليوود صورة العربي» يطوف به الولايات الاميركية والعالم ليكسب في معركته ارضا جديدة ويلم حوله المناصرون.ولد في مدينة كليرتون، ولاية بنسلفانيا، لأب وأم لبنانيين. درس الاعلام ودرّسه في جامعة جنوبي إيلينوي وشق لنفسه مكانا مميزا في النقد الاعلامي ليصبح خبيرا ثقة في نقد الاعمال الاعلامية. والى جانب تأليّفه كتبا في النقد، انتج افلاما وثائقية عن الحرب النووية.لكن مواهب شاهين النقدية ومعرفته الاعلامية اتجهت الى حيث أحس بالغبن. فهو كعربي، ورغم عدم اتقانه العربية او زيارته البلاد العربية الا بعد ان جاوز الثلاثين من عمره، لم يستطع ان يحتمل الاجحاف الذي تنزله السينما الاميركية بقومه. ففي احدى المرات التي كان اطفاله يشاهدون فيها التلفزيون، صرخ احدهم «ابي، ابي، انظر، عرب اشرار على التلفزيون». ولم يكن اطفاله يشاهدون الا رسوما متحركة مخصصة للاطفال وكانت صدمته كبيرة. الا ان ما أثر فيه اكثر هو عندما التقى أول مسلم، ورأى أول مسجد، وطاف بأكثر من بلد عربي وهو ذو الاصل اللبناني المسيحي. فبعد ان حصل على منحة ليكمل دراسته العليا في الجامعة الاميركية في بيروت، اكتشف ان كل ما يملكه من صورة عن العرب والمسلمين ليست الا تشويها مفتعلا من قبل المنتجين السينمائيين. وهذا هو الحال وهو العربي الاصل، فكيف بالاميركي العادي والذي لا يمتلك اي طريق آخر ليتعرف من خلاله على العرب او المسلمين الا التلفزيون وافلام هوليوود. عندها، بدأ شاهين يوظف طاقاته لشن حملة على اساطير هوليوود.لكن الثقل الاكاديمي الذي استدعى دعما واستحسانا من كثيرين على مدى سنوات اضمحل عندما بدأ شاهين حملته على الاعلام المضلل مدافعا عن العرب.فأول مقالة كتبها حول الموضوع بقيت دون نشر لثلاث سنوات لم تقبل، خلالها، اي جريدة او مجلة نشرها. وتم نعته بأنه «بروباغاندا» عربية. هذا ما دفعه الى التعمق في بحثه ليصدر كتابه الاول «ذا تي في آراب» والذي انتظر ايضا سنوات، واستلم الكثير من رسائل رفض النشر. مما استدعى قول أحد وكلاء النشر «لم أر في حياتي تحيزا مثل هذا من قبل».
وفي الاخير استلم رسالة من «مركز الدراسات للثقافات الواسعة» في جامعة باولينغ غرين تقول «عزيزي شاهين، قرأنا المخطوطة ونرغب في نشرها».«عندما استلمت الرسالة تلك، قرأتها اكثر من مرة، اعتقدتُ اني قرأت الجملة خطأ من شدة اندهاشي فاعدت القرآءة»، فلم يكن شاهين يتوقع ان يتم قبول نشره كتابه بعد كل هذا الانتظار. ويتساءل شاهين الذي حاول ان يواجه التنين الهوليوودي ومن ورائه تنانين المال والسياسة «عندما انظر الى الوراء، اتساءل ماالذي دفعني الى ذلك العناد، كنت وحيدا، لم يقف بجانبي احد (عدى زوجته، بيرنيس)».اما الذين لا يرغبون لشاهين ان يزرع بذرة رفض الواقع، ومحاربة الظلم الذي رآه واقعا على العرب، ورآه آخرون تهديدا لمصالحهم السياسية والمالية، في بلاد حرية التعبير، فقد شنوا حملة عليه لنزع المصداقية من خطابه. واطلقوا عليه لقب «بروفيسور العرب» بعد ان كان يسمى «ابن بتسبورغ» (المدينة التي نشأ فيها، والمحببة الى قلبه) مع كل ما يعنونه باستعمال كلمة «العربي» من معنى دوني، اذ ان الكلمة كانت، وربما ما زالت، تحمل معنى سلبيا عند الجماهير بمقدار ما تحملة كلمات عنصرية اخرى من قبيل «اسود» او «هسبانيك». وتربية شاهين كانت اصيلة كأصالة جذوره العربية، لذلك تراه يستشهد بكلمة للمدافع الاكبر ضد الاضطهاد مارتن لوثر كينغ «ان الصمت عن الظلم هو الاثم الاكبر» وكأن كينغ يردد ما اعتمل في داخل نفس شاهين من الثقافة العربية عبر قول الامام علي (ع) «الساكت عن الحق شيطان أخرس».
وتربى شاهين في عائلة من الطبقة المتوسطة حيث يكرس الاهل انفسهم ويضحون بالكثير في سبيل سعادة ابنائهم. فقد كانت ام شاهين «تكنس الارض في المدارس.. تنتظر الباص في الصقيع.. تضحي لأجل ان تؤمن لنا حياة كريمة».الا ان شاهين لم يدافع عن العرب الذين ينتمي اليهم فقط، بل شكلت كتاباته ايضا موضوعا للدفاع عن الاقليات الاخرى من أفارقة ولاتينيين وغيرهم وكأن هذا جزء من المبادئ التي تربى عليها «ما تتربى عليه لا يخرج من ذاكرتك.. تعلمت من امي معنى التضحية.. فحنانها، تصميمها، احساسها بالعدالة والذي نقلته الينا نحن ابناءها بتربيتنا على الا يكون اللون او الاثنية عنصرا في تقييمي للناس، كان المسيّر لي عبر حياتي». ويعلق شاهين على اعماله قائلا «لم يقم احد من قبل بانتقاد الاسلوب الذي تنتهجه هوليوود في تصويرها للعربي الذي لا تعرفه الا مجرما دمويا، مغتصبا قذرا، متعصبا دينيا، نفطيا ثريا، مضطهدا للمرأه، او انتحاريا، اما النساء فهم اما راقصات او اكوام من السواد..» مجهولات الهوية، عليهن براقع التصنيف الكمي.ويرى شاهين ان صورة المرأة العربية في السينما الاميركية، وعلى عكس مجريات الحياة، يتقهقر مكانتها اكثر فأكثر: «يظهر انه كلما تقدمت النساء في العالم العربي اكثر كلما شوهت صورتهم هوليوود اكثر».ومن اصل الف فيلم، قام شاهين باخضاعها للبحث، وجد ان هناك 21 فيلما فقط يصور العربي بشكل جيد، بينما يصوره 25 فيلما بشكل عادي، في مقابل 900 فيلما تصوره بشكل سيء. من بين تلك الافلام الايجابية، فيلمين حديثين، الجنة الآن (بَرَدايز ناو)، وجنة السماء (كِنغدوم اُف هافِن) عمل شاهين فيهما مستشارا لما يخص صورة العرب وظهرت صورة العرب في الفيلمين بطريقة جيدة.وشاهين متفائل رغم كل القتامة التي صاحبت احداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) فيما يخص صورة العرب. وتفاؤله متجه الى جيل الشباب الذين يمتلكون الوعي والقدرة على التغيير وسيحملون المهمة على اكتافهم للاستمرار في رسم صورة العرب بشكلها الصحيح ومواجة كل المحاولات لتشوية ثقافتنا
Leave a Reply