ديترويت
نجت طفلة يمنية تبلغ من العمر سبع سنوات بأعجوبة من محاولة ذبحها بسكين على يد رجل أبيض في منتزه ريان بارك بغرب مدينة ديترويت، يوم الثلاثاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، ما دفع منظمة حقوقية عربية أميركية إلى المطالبة بإدارج الاعتداء ضمن جرائم الكراهية المتزايدة ضد العرب والمسلمين الأميركيين على خلفية الحرب الوحشية التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة ولبنان منذ أكثر من عام.
وفي التفاصيل، ترجّل غاري لانسكي (73 عاماً) من سيارته وتوجّه مباشرة إلى مكان لعب الأطفال في منتزه ريان بارك القريب من تقاطع شارع فورد وطريق ساوثفيلد السريع بالقرب من مدينة ديربورن، وتوجّه بدون أية مقدمات نحو الطفلة اليمنية، سعيدة مشرح، التي كانت تلعب برفقة عدة أطفال آخرين، حيث قام برفع رأسها إلى الأعلى وحزّ عنقها بالسكين، قبل أن تتمكن من ركله والإفلات منه، في حين تمكنت الشرطة من إلقاء القبض عليه في اليوم نفسه.
وكانت سعيدة مع جدّتها المحجبة العربيتين الوحيدتين في المنتزه عند وقوع الحادثة، ما دفع المسؤولين في الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية ACRL إلى مطالبة المسؤولين باعتبار الهجوم استهدافاً عنصرياً للطفلة المسلمة التي كانت تلعب مع عدد من الأطفال السود الذين استثناهم لانسكي من الهجوم البغيض.
وبينما لاتزال التحقيقات جارية لمعرفة ملابسات ودوافع الاعتداء التي صدمت المجتمع الأهلي في منطقة ديترويت، قام مكتب الادعاء العام بمقاطعة وين في وقت لاحق بتوجيه تهم القتل والاعتداء بسلاح خطير ضد لانسكي، موضحاً بأنه «لا يوجد في الوقت الحالي دليل كافٍ لاعتبار الاعتداء جريمة كراهية»، وفقاً للمتحدثة باسم المكتب ماريا ميللر.
ومثُل لانسكي أمام محكمة ديترويت (المحكمة 36) خلال جلسة استماع أولية يوم الخميس 11 أكتوبر الجاري، حيث حددت كفالة بقيمة مليوني دولار لإطلاق سراحه، قبل أن تعود المحكمة لاحقاً وتلغي الكفالة.
ازدواج المعايير
عقدت رابطة ACRL مؤتمراً صحفياً مطلع الأسبوع الماضي بحضور سعيدة وأقاربها، مطالبة بإجراء المزيد من التحقيقات في الاعتداء على الطفلة اليمنية بوصفه جريمة كراهية على شاكلة الهجمات المتكررة التي تطال عرباً ومسلمين أميركيين منذ تجدد الصراع المسلح في منطقة الشرق الأوسط، في أكتوبر 2023.
وخلال المؤتمر الذي عقد بمقر الرابطة بمدينة ديربورن، قالت سعيدة –التي ظهرت بعنق مضمد– إنها ماتزال تشعر بالرعب الشديد، وإنها لا تريد الذهاب إلى المدرسة أو الخروج بمفردها إلى الأماكن العامة. كما أعربت والدتها أميرة عن خوفها على أطفالها، وقالت «أنا وأطفالي ننام الآن في غرفة نوم واحدة لأننا خائفون للغاية».
وعبّرت أميرة عن خوفها من عودة لانسكي إلى الحي الذي تقطن فيه، بعدما حددت محكمة ديترويت لإطلاق سراحه كفالة بقيمة مليوني دولار.
من جانبها، أوضحت المديرة التنفيذية للرابطة الحقوقية، مريم شرارة، بأن الاعتداء الذي تعرضت له الطفلة اليمنية «لم يكن هجوماً عشوائياً، وإنما كان اعتداءً وحشياً ومأساوياً»، وقالت شرارة: «لقد كانت (سعيدة) وعائلتها مختلفين بشكل واضح عمن كانوا متواجدين في المنتزه لحظة الاعتداء، ونحن نعلم أنه إذا انقلبت الأمور وكان المعتدي رجلاً أميركياً من أصل عربي، فلن يكون هناك تردد في كيفية التعامل قضائياً مع تلك الجريمة»، في إشارة إلى ازدواج المعايير التي تسارع إلى وصم اعتداءات العرب والمسلمين الأميركيين بالإرهاب والكراهية.
وقال مسؤولون في ACRL إن سعيدة وجدّتها كانتا العربيتين الوحيدتين في المنتزه، لافتين إلى أن لانسكي حاول أيضاً طعن الطفلة في بطنها، قبل تمكنها من الإفلات منه، ليقوم لاحقاً بالاقتراب من جدتها التي كانت ترتدي الحجاب، ما جعلها هي الأخرى «هدفاً لهجوم قائم على الكراهية».
ولفت المسؤولون إلى أنه «كان يتواجد أثناء الهجوم أربعة أطفال سود، وأن لانسكي لم يقترب منهم».
وطالبت الرابطة الحقوقية، مكتب الادعاء العام بولاية ميشيغن ومكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) بديترويت والمحققين بمراجعة سجلات الهاتف وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي العائدة للمشتبه به بحثاً عن أية معلومات قد تفيد عن عدائه للمجتمعات العربية والإسلامية.
ولكن متحدثاً باسم مدعي عام ميشيغن دانا نسل، قال إن مكتب الادعاء في الولاية «لم يستقصِ هذه المسألة بعد»، فيما أكدت الشرطة بأن لانسكي «ربما كان يعاني من مرض عقلي»، لاسيما وأنه يمتلك سجلاً جنائياً من العنف المنزلي، يتضمن الاعتداء على زوجته عدة مرات.
رفض الكفالة
عادت محكمة ديترويت ورفضت الكفالة المحددة بقيمة مليوني دولار لإطلاق سراح لانسكي، وقال رئيس المحكمة القاضي وليام ماكونيكو الثلاثاء المنصرم إن لانسكي مايزال «يشكل خطراً على المجتمع»، آمراً باحتجازه خلف القضبان بدون كفالة إلى حين مثوله مجدداً أمام القضاء.
وظل لانسكي قيد الاحتجاز منذ الهجوم الذي وقع في الثامن من أكتوبر الحالي، وكانت القاضية مالايكا رامسي قد حددت كفالته السابقة بمبلغ مليوني دولار، ما يعني أنه كان من الممكن إطلاق سراحه ووضعه تحت الإقامة الجبرية إذا قام بدفع 10 بالمئة منها (أي 200 ألف دولار).
وقالت مساعدة المدعي العام لمقاطعة وين، ليزا كويل، أمام المحكمة، يوم الثلاثاء الفائت، إن لانسكي يعاني من «مرض عقلي شديد» بما في ذلك، الاكتئاب والذهان، لافتة إلى أنه أخبر أخته بالانتحار في اليوم التالي لهجومه على الطفلة اليمنية، لاعتقاده بأنها قد قضت نتيجة الاعتداء.
وأشارت كويل إلى أن لانسكي متهم بالاعتداء على زوجته «عدة مرات خلال الآونة الأخيرة» بسبب مرضه العقلي، وقالت إنه طعن زوجته وشقيقتها في 3 أكتوبر عندما لم يسمحا له بالدخول إلى المنزل، مؤكدة بأن لانسكي يواجه تهمتين بالاعتداء والعنف المنزلي، بما في ذلك محاولته خنق زوجته في نيسان (أبريل) المنصرم.
Leave a Reply