تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
في بانوراما هذا الأسبوع نتوقف عند خطاب الأمين العام لحزب الله العالي النبرة الذي هدد فيه بقلب الطاولة على العالم كله في حال منع لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية، والمهام الثقيلة على عاتق الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى الشرق الأوسط، وصولاً إلى التحديات المستجدة أمام تشكيل الحكومة في العراق والمتمثلة بالانقسام الكردي حول تسمية رئيس الجمهورية، والختام بإطلالة على الأوضاع في اليمن.
لبنان
عشيّة الذكرى الثامنة عشر لـ«حرب تموز»، أطلق الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، جملة من المواقف العالية النبرة، خلاصتها أن الحزب لن يقف عند حدود حقل كاريش، إذا خلصت المفاوضات إلى نتائج سلبية، بل إنه سيسعى إلى إرساء ما وصفها «بمعادلة ما بعد بعد كاريش»، موضحاً أنه في حال مُنع لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية، فلن يكون بإمكان إسرائيل استخراج الغاز والنفط أو بيعهما.
وعن الهجوم بالطائرات المسيّرة أوائل الشهر الحالي، قال نصر الله -الأربعاء الماضي- إن الهدف من تحليقها فوق المياه اللبنانية كان تنبيه العاملين على متن السفينة بأن المنطقة «ليست آمنة»، بقلب الطاولة على العالم كله، في حين أرادت إسرائيل فرض شروطها بالقوة.
خطاب نصرالله الذي يتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط لم يتوانَ عن التهديد بالحرب مقابل تجويع اللبنانيين والتضييق عليهم في حياتهم اليومية، متوعداً بأن لا تقتصر مفاعيل الحرب الموعودة على الدولة العبرية، وإنما ستمدد آثارها لتشمل أمن الطاقة العالمي برمته.
كلام نصرالله كان مباشراً ولا يحتمل أية تأويلات، وكان مؤداه أن الغريق لا يخشى من البلل، مما سيخاف اللبنانيون إذا أقدموا على الحرب، وماذا لديهم ليخسروه؟ أهي بناهم التحتية المنهالكة أصلاً، أو رغيف الخبز الذي باتوا يحصلون عليه بشق النفس، أم هي العتمة التي كانت تهددهم بها إسرائيل فيما مضى وقد باتوا اليوم لا يرون الكهرباء إلا ما ندر؟
رسائل نصرالله تذهب مباشرة إلى قادة الكيان الإسرائيلي الذي يعلمون علم اليقين بأن الحرب القادمة ستشمل أهدافاً استراتيجية موجعة لتل أبيب التي ماتزال تلعق جراح هزيمتها في حرب 2006، يوم كان الحزب فتياً ومحدود التجربة، فكيف به اليوم، وهو يمتلك ترسانات الصواريخ المتطورة والخبرات التي راكمها على مدى سنوات من الحروب التي خاضها بوجه الإرهاب، دفاعاً عن لبنان في المقام الأول.
كلام الأمين العام لحزب الله يعني أن االمقاومة «المجرَّبة» ليست فقط جاهزة لتعطيل المنصات النفطية الإسرائيلية في حقل كاريش، وإنما مستعدة أيضاً لتدمير منصات استراتيجية في العمق الإسرائيلي، فيما «بعد بعد كاريش» إذا تجرأت على استخراج النفط من المناطق المتنازع عليها قبل الوصول إلى تسوية عادلة مع لبنان تخوّله استغلال ثرواته التي يرى السيد نصر الله أنها السبيل الوحيد لخلاص لبنان من أزمته الخانقة.
والوعيد بقلب الطاولة على العالم كله، جاء بنبرة الواثق المتحدي، في ظل الغطاء الرسمي الذي يوفره الحليف المسيحي المصرّ على تحصيل كامل الحقوق اللبنانية كاملة، مذكراً بأن إرسال المسيرات كان مجرد «رسالة صغيرة»، ومن «لا يصدّق عليه “انتظار الخطوات اللاحقة في حال استمرار تعنّت العدو، ومن خلفه الأميركيون، وعندها سيكتشف الجميع، في لبنان وفي المنطقة، أن منطق التدرج في الردود سيصل الى حدود يبدو أن كثيرين لا يدركون أبعادها».
الخطاب تضمن أيضاً إبراق رسالة إلى جميع أصحاب المصلحة في تعزيز «أمن الطاقة»، بما فيها دول الغرب التي من مصلحتها التدخل للجم إسرائيل وثنيها عن التهور والمغامرة بتحدي «حزب الله»، لمنع الانفجار الشامل في المنطقة.
توقيت الخطاب مع زيارة بايدن إلى الأراضي المحتلة، فرض إدراج لبنان، وبما لا يقبل الشك، على جدول الرئيس الأميركي خلال لقائه بأصدقائه الإسرائيليين، الذين ليس بوسعهم التقليل من شأن قوة الحزب وقدرته على تنفيذ تهديداته، وشل السواحل الفلسطينية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
الوقت يضيق… وبات الخبر اليقين بمعية شهر أيلول القريب!
جولة بايدن
رغم أن الأراضي الفلسطينية شكلت المحطة الأولى لزيارة الرئيس الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الفلسطينيين يجدون أنفسهم غير معنيين بهذه الجولة التي يستبعد أن أي تقدم أو خرق سياسي في القضية الفلسطينية التي يتعامل معها الأميركيون وكأنها قضية داخلية، إسرائيلية-فلسطينية.
لا شك في أن جعبة بايدن تتضمن العديد من الملفات الإقليمية التي فرضتها الحرب في أوكرانيا، مثل الغلاء الصاروخي لأسعار النفط العالمية، والتقارب السعودي الروسي، والملف النووي الإيراني، الذي مايزال يمثل أولوية ضاغطة على الإدارة الأميركية، التي أغضبتها الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيران، الأسبوع المقبل، والتي استبقها البيت الأبيض بالتصريح –الأربعاء الماضي- عن أن «تعزيز العلاقات بين موسكو وطهران تشكل “تهديداً كبيراً» لواشنطن.
وفي السياق، بات لزاماً على الإدارة الأميركية التفكير جدياً في مغزى صفقة المسيرات الإيرانية لروسيا التي تحدث عنها مستشار الأمن الأميركي جايك سوليفان.
وفي الملف الخليجي المعقد، فقد قيل الكثير عن زعزعة الثقة بين دول الخليج وراعيها الأميركي، وعن شراكاتها المتنامية مع روسيا والصين، ومن المتوقع أن يحاول بايدن تجديد الحماية الأميركية ضد التهديدات المزعومة على السعودية من قبل إيران ومحور المقاومة، عبر الدخول في حلف علني مع إسرائيل بإشراف أميركي.
إلى جانب ذلك، سيسعى بايدن إلى استمالة الرياض وجرها إلى المشاركة خلف قيادته في الصراع مع روسيا من خلال الخروج من اتفاق «أوبك» وزيادة إنتاجها النفطي لتخفيض أسعاره المتصاعدة في دول الغرب.
ما من شك في أن زيارة بايدن إلى الرياض ستسبغ الشرعية على طموحات ولي العهد محمد بن سلمان بخلافة أبيه، وستعيد إلى الأدراج العصا التي كان يلوح بها الأميركيون ضد «المملكة المنبوذة»، كما وصفها بايدن نفسه في أحد تصريحاته، وفي مقدمتها الملف الأسود في قضايا حقوق الإنسان، وجريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي عام 2018.
ثمة الكثير من المهام الملقاة على عاتق بايدن في هذه الزيارة المثقلة بالكثير من القضايا الشائكة والممضة، فهل ينجح الرئيس العجوز بفتح كوى في الجدران الصلبة والعالية؟
العراق
تشهد العاصمة العراقية منذ عدة أيام إجراءات أمنية مشددة تستبق صلاة الجمعة الموحدة التي كان قد دعا إلى إقامتها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في مدينة الصدر ببغداد، الذي ورغم انسحاب كتلته من الحياة السياسية، لا يزال لاعباً قوياً علی الساحة العراقية.
وفيما يسود الهدوء جبهة المشاورات واللقاءات في انتظار معاودة عجلاتها إلى الدوران بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى، خرق الأجواء الراكدة تسجيل صوتي نُسب إلى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يهاجم فيه الصدر، ما ينذر بتعقيد الأمور، رغم مسارعة مكتب المالكي إلى نفي صحة التسجيل جملة وتفصيلاً، معتبراً أن بثه وتداوله في هذا الوقت- ضمن إطار مفبرك ومشبوه لزعزعة الثقة بين الأفرقاء السياسيين.
وفي إطار المساعي المبذولة للخروج من الأزمة السياسية، تحدثت مصادر عن اقتراب “الإطار التنسيقي” من تحقيق أهدافه في تشكيل الحكومة المنتظرة وتسمية رئيس للوزراء، بحسب ما نُقل عن المالكي، وأن الإطار كان منفتحاً على جميع الشركاء من المكونات السياسية بعيداً عن سياسة التهميش والإقصاء.
لكن التقدم الذي يتحدث عنه الإطار ما زال يصطدم بأزمة انقسام البيت الكردي حول تسمية مرشح رئاسة الجمهورية؛ فرغم الحوارات والوساطات والمساعي، ما يزال الحزبان، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، متمسكَين بمرشحَيهما ريبر أحمد وبرهم صالح، الأمر الذي يرجّح ما ذهبت إليه كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني في البرلمان العراقي من معاودة اعتماد سيناريو العام 2018، أي ترك أمر اختيار رئيس الجمهورية الجديد في أيدي النواب تحت قبة البرلمان.
وفي ما يتعلق بالأسماء المتداولة، جدد رئيس “تحالف فتح” في العراق، هادي العامري، نفيه للأنباء التي ترددت عن ترشحه لمنصب رئيس الوزراء، مؤكداً دعمه أي مرشح يتفق عليه الإخوة في الإطار، رغم «قرارنا عدم المشاركة في أي حكومة مستقبلية».
هذا في حين نقل موقع «بغداد اليوم» الإخباري عمّن وصفه بـ«مصدر مسؤول في الإطار التنسيقي» قوله إن الإطار أنهى خلال اجتماعاته الأخيرة «الاتفاق على5 شخصيات، على أن يتم التشاور في الخطوة الثانية على تولي إحداها رئاسة الوزراء»، وأن هذه «الشخصيات هي رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وهادي العامري، ومحمد شياع السوداني»، على أن الاتفاق على الاسم سيكون بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى وحسم ملف انتخاب رئيس الجمهورية. وفيما يمضي الإطار التنسيقي في سعيه إلى تشكيل الحكومة، يستمر الانقسام على حاله لدى المكوّن الكردي، وبينما يتخذ «الصدريون» موقع المراقب المتربّص، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور، لا يغيب عن بال كل اللاعبين أنهم جميعاً في مركب واحد، اسمه: العراق!.
اليمن
منذ نحو سبع سنوات، و«اليمن السعيد» لم يعرف طعم السعادة التي اقترن اسمه بها، وأطفاله نسوا فرحة العيد التي غابت أو غُيبت عنهم بسبب الحرب التي تُشن على هذا البلد وأهله، والتي أدت إلى أن تشهد أرض مملكة سبأ أكبر وأخطر مجاعة ومأساة إنسانية في التاريخ الحديث.
وربطاً بمناسبة العيد، قدمت حكومة صنعاء نصف راتب كهدية، فيما تعهد عدد من المنظمات المحلية والهيئات بتوزيع بعض الأضاحي على الفقراء، في حين أن الطرق لا تزال مقفلة والإعلان عن فتحها مجرد فقاعة إعلامية، باستثناء تأمين طريق الخمسين – الستين الذي يربط جنوب مدينة تعز بشرقها، من قبل حكومة صنعاء، في ظل غياب أي إجراء جدي على الأرض من قبل الأطراف الموالين للتحالف السعودي الإماراتي.
من جانب آخر، انتقد مسؤولون يمنيون، الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي بشأن اليمن «هانس غروندبرغ» أمام مجلس الأمن الإثنين الفائت، ورأوا أنها حملت نصف الحقيقة، متهمين الأمم المتحدة بعدم الحيادية وبتغطية جرائم العدوان واستمرار الحصار، وبتجاهل القضايا الجوهرية التي تقف وراء معاناة اليمنيين، كنهب الثروات من قبل التحالف السعودي وقطعه رواتب العاملين في الدولة.
وفي سياق متصل، صوّت مجلس الأمن بالإجماع لصالح تمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في كانون الأول ديسمبر 2018 بين التحالف السعودي وحكومة صنعاء حتى 14 من تموز يوليو 2023. من جانبه، دعا “غروندنبرغ” الأطراف المتحاربين إلى التجاوب مع مقترحه الأخير بشأن الفتح المتدرج للطرقات.
Leave a Reply