احتجاجاً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، أقامت الجالية العربية في منطقة ديترويت -الثلاثاء الماضي- مهرجاناً خطابياً للتضامن مع فلسطين، تحت شعار «القدس لنا».
وقد أجمع خطباء الحفل الذي أقيم في «مركز فورد للفنون» بديربورن على عروبة «زهرة المدائن» ورمزيتها السياسية والدينية والتاريخية، مؤكدين على أنها العاصمة الأبدية لفلسطين، كما اعتبروا قرار الرئيس الأميركي الجائر قراراً متهوراً سيفضي إلى تقويض عملية السلام في الشرق الأوسط.
رموز نضالية
واستعرض ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، في بداية المهرجان الذي حضره المئات من أبناء الجالية العربية والمجتمع المحلي، صوراً لمناضلين فلسطينيين وناشطين أميركيين بثوا ما أسماها «رسائل ملهمة للأجيال القادمة»، مضيفاً «اليوم نتذكر الراحلة مارشا فيدربوش (2017-1934) التي وقفت طوال عمرها إلى جانب الفلسطينيين، كما نتذكر راشيل كوري (2003-1970) التي قتلت بطريقة وحشية وهي تحمي حياة المتظاهرين في رفح بقطاع غزة».
أضاف «فجر هذا اليوم أقدمت عصابات الاحتلال على اعتقال الفتاة عهد التميمي من منزلها (في بلدة النبي صالح برام الله) بتهمة صفع جنديين من قوات الاحتلال». وبعد عرض مقطع مصور يظهر التميمي وهي تقاوم عسكريين عبرانيين حين كانت في الـ12 من عمرها، علّق السبلاني قائلاً: «هنالك جيل جديد لم ولن يستسلم للإسرائيليين ولا للأميركيين الذين يدعمونهم.. إننا واثقون من أنّ فلسطين سوف تتحرر بكفاح الجيل الجديد من أمثال عهد التميمي.. هذا الجيل هو الذي سيحرر الأرض المغتصبة وليس هؤلاء القادة القابعين فوق عروشهم».
وتعليقاً على صورة الشهيد المبتور الساقين ابراهيم أبو ثريا الذي تحدى الإعاقة والاحتلال وقضى شهيداً في مواجهة مباشرة مع الجنود الإسرائيليين على حدود غزة، الجمعة قبل الماضية، قال السبلاني «هذا المجاهد الذي قصف الاحتلال منزله في 2008 وبترت القذائف ساقيه، لم يخشَ بطش العدوان، وأصر على المقاومة واقفاً بلا ساقين، لقد بقي يقاوم الاحتلال بأظافره وبعنفوانه الفلسطيني المعهود حتى قضى شهيداً وهو يتظاهر ضد قرار ترامب الغاشم». ودعا السبلاني إلى قراءة الفاتحة على روح الشهيد أبو ثريا والوقوف دقيقة صمت إجلالاً وإكباراً لنضاله وشجاعته في مقاومة الآلة العسكرية الإسرائيلية.
الناشط الفلسطيني خالد ترعاني الذي شارك السبلاني في تقديم الحفل، ألقى الضوء على الرمزية التاريخية للمدينة المقدسة التي عاش فوق ترابها المسلمون والمسيحيون واليهود طوال 14 قرناً في سلام ووئام، ووصفها بأنها «مدينة السلام» و«مهد الرسالات السماوية» مشدداً على عروبتها وعلى أنها «كانت وستبقى عاصمة الفلسطينيين».
وانتقد ترعاني الإدارات الأميركية المتعاقبة التي حرصت على دعم الكيان الإسرائيلي في جميع المحافل الدولية، إضافة إلى فشلها في لعب دور وسيط نزيه في محادثات السلام، منذ انطلاقتها الأولى في سبيعينات القرن الماضي، مشيراً إلى أن بيانات مجلس الأمن تؤكد على أن معظم المرات التي استخدمت فيها الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن كانت لدعم إسرائيل وحمايتها.
وأكد على جدوى «النضال الإلكتروني» داعياً الحاضرين إلى تكثيف منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفاً تفعيل «حركة مقاطعة إسرائيل» (بي دي أس) بأنه أفضل جواب على قرار ترامب. وقال «إن نهاية نظام الفصل العنصري في إسرائيل هي مسألة وقت».
السياسيون خذلونا
من جانبه، انتقد رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي قرار ترامب، مشيراً إلى أن «الموقف الصحيح» يتمثل في تفحص العواقب التي تنشأ عن اتخاذ قرار ما، وقال «لقد فشل رئيسنا في ذلك».
وتساءل أورايلي «ما هي الحاجة الملحة لاتخاذ ذلك القرار؟»، مضيفاً «إن الرؤساء السابقين من كلا الحزبين قالوا إن هنالك شيءاً ينبغي فعله، ونحن كمدينة متأثرون بشكل كبير إزاء ذلك القرار وعواقبه.. لقد توقعنا أن يستمع قادتنا لمجتمعاتنا، ولكن أحداً لم تتم استشارته» (فيما يتعلق بهذا القرار).
ووصف المدير التنفيذي لـ«مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير)-فرع ديترويت داود وليد قرار الرئيس الأميركي بأنه «ليس أكثر من كشف عن مرض خطير»، «فالولايات المتحدة لطالما دعمت بلا قيد ولا شرط، الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية».
وحث المسلمين الأميركيين في الولايات المتحدة على مواصلة جهودهم لنصرة القضية الفلسطينية، مشيراً إلى نجاح «اللجنة الأميركية الإسرائيلية» (أيباك) في حشد الدعم السياسي الأميركي لدولة الاحتلال «في جميع مفاصل القرار»، وقال «إن عدد المسلمين في أميركا يصل إلى 6 ملايين شخص، وإذا استطعنا أن نحشد 10 آلاف شخص، كما تفعل «آيباك».. فعندها يمكننا أن نصنع التغيير الذي نتطلع إليه في واشنطن»، داعياً إلى تسيير التظاهرات في العاصمة الأميركية احتجاجاً وتنديداً بقرار ترامب.
النائب العربي الأميركي في مجلس نواب ميشيغن عبد الله حمود، أكد على أن «القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية». وفي إشارة إلى إحباط الولايات المتحدة لمشروع قرار مصري في مجلس الأمن، الاثنين الماضي، عبر استخدامها لحق النقض (الفيتو) مقابل موافقة جميع الدول الـ14 الأعضاء في المجلس، قال حمود «ذلك التصويت يظهر أن العالم كله ليس مع ذلك القرار وإنما في الحقيقة هو ضده».
أضاف متسائلاً «هؤلاء الذين يعارضون بناء الجدار في جنوب بلدنا، أريد أن أفهم لماذا لا يرفعون أصواتهم ضد جدار الفصل العنصري وراء البحار (في إسرائيل).. هؤلاء إذا كانوا لا يستطيعون مجابهة التمييز والقمع الواقع على الأقليات هنا، كيف لهم أن يجابهوا الاضطهاد والظلم المستمر؟».
مدينة السلام
إمام «المركز الإسلامي الأميركي» في ديربورن، الشيخ محمد مارديني، أكد على أن «القضية الفلسطينية لا تخص الفلسطنيين فقط».. بل هي «مسألة إنسانية تخص المسلمين والمسيحيين واليهود جميعاً الذي عاشوا جنباً إلى جنب طوال قرون في المدينة المقدسة».
ووصف قرار ترامب «بالخاطئ على جميع المستويات»، وقال «إننا نفهم أن ترامب يحاول الإيفاء بوعوده الانتخابية ولكن قراره بنقل السفارة الأميركية إلى القدس مخالف للقانون الدولي، كما أنه يمنح لحفنة من الإرهابيين ذريعة إضافية لتهديد حياة الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين».
وعزا إمام «دار الحكمة الإسلامية» في ديربورن هايتس، الشيخ محمد علي إلهي، التظاهرات ضد قرار الرئيس الأميركي إلى فشل «أصحاب القرار في العالمين العربي والإسلامي في أخذ زمام المبادرة والعمل على إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية»، ووصف الحكام العرب بأنهم «عاجزون عن رفض قرار ترامب أو التنديد به.. ولهذا ما تزال القدس محتلة».
كما أدان النظام السعودي «الذي يشيح النظر عما يحصل في الأراضي المحتلة ويواصل حربه ضد اليمنيين المدنيين الذين يفتك بهم الفقر والأمراض».
فصل عنصري
وشدد الناشط الإفريقي الأميركي كريستيان ديفيس بايلي على أن «عاصمة فلسطين ليست القدس الشرقية، وإنما كامل القدس هي عاصمة الدولة التي عاش فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون بسلام»، مؤكداً على أن «آلة الاحتلال هي وحدها من مزقت ذلك النسيج المتآخي وفرقت بين المجتمعات على أساس الدين والتمييز ضد الفلسطينيين».
أضاف «لقد زرت القدس وعاينت بنفسي الفصل بين جزئيها الشرقي والغربي، بين المستوطنات والقرى الفلسطينية، ولا يوجد كلمة لوصف ذلك الوضع سوى كلمة أبرتهايد (فصل عنصري)».
وحثت تيري أحول، الرئيسة السابقة لـ«اتحاد رام الله الأميركي» الحاضرين على متابعة جهودهم لدعم أشقائهم في فلسطين المحتلة، وقالت «لا تكونوا خائفين.. نحن بحاجة إلى أصواتكم».
وأشارت أحول إلى أنها «ممنوعة من السفر إلى البلد الذي ولدت فيه»، وختمت كلمتها مخاطبة الرئيس الأميركي بالقول: «أيها السيد ترامب.. القدس ليست ملكك لتعطيها للإسرائيليين».
التخاذل العربي
واستنكر الناشط اليمني وليد فدامة الصمت العربي الرسمي إزار قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وانتقد بشكل خاص إمام المسجد النبوي في المدينة المنورة الذي تمحورت خطبته المتزامنة مع إصدار الرئيس الأميركي قراره بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، حول «الفصول الأربعة». وقال «ذلك الإمام لم يجرؤ، لا هو ولا حكومته، على النبس ببنت شفة اعتراضاًعلى قرار ترامب».
الزميل الصحافي علي منصور، من ناحيته، أكد على عروبة القضية الفلسطيية وإنسانيتها، وقال: «فلسطين قضية إنسانية وأخلاقية أصحابها عرب وأهلها عرب قبل أن يكونوا مسلمين ومسيحيين، وهي تعني المسلمين بالقدر نفسه الذي تعني فيه المسيحيين، ولا يجب احتكارها تحت أي من المسميات الدينية، حفاظاً عليها وحفاظا على شمولية القضية واستمرارها».
أضاف «هي قضية شعب تم الاعتداء عليه وعلى أرضه وممتلكاته.. هي قضية شعب ارتكبت عصابات البالماخ والهاغانا والأرغون الصهيونية أشنع المجازر والجرائم بحقه قبل أن تعترف الأمم المتحدة بالكيان الإسرائيلي الغاصب عام ١٩٤٨ وتضفي «شرعيتها» على أكبر جريمة أخلاقية وإنسانية في التاريخ الحديث، وهي تجريد شعب من أرضه ومنحها لعصابات من القتلة والمجرمين وقطاع الطرق وشذاذ الآفاق».
وشدد بالقول «لا يجب أن نختصر قضية فلسطين بالقدس أو بقسمها الشرقي وكأن فلسطين بخير، وإنما المشكلة تكمن في أين تكون عاصمتها؟ ما تريده إسرائيل هو أن لا يكون بجوارها دولة أو شبه دولة أو حتى دويلة فلسطينية مستقلة، ما تريده الدولة العبرية هو تجريد الشعب الفلسطيني من مواطن القوة، والقضاء على هويته الوطنية والثقافية والقطع بينه وبين تاريخه وحضارته لأنهما مرتبطان بالأرض».
وحث على مقاومة التطبيع مع الدولة العبرية، وقال «التطبيع -بكل أوجهه الإعلامية والاقتصادية والسياحية والفنية- هو أولوية لنا جميعاً أينما كنا وأنى تواجدنا» داعياً إلى العمل «في أُطر منظمة هادفة لمحاربة التطبيع ورفع الصوت بوجه إسرائيل والعالم للتأكيد على أن حقنا -في أرضنا العربية المحتلة من فلسطين الى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في لبنان الى الجولان المحتل في سوريا- لن يموت أبداً».
تلاحم مسيحي إسلامي
وروى الناشط والكوميديان الفلسطيني عامر زهر فصلاً من تجربته الشخصية للتأكيد على تلاحم المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وقال «ولدت لأب مسيحي لاجئ وأم مسلمة لاجئة، تقابلا قبل أكثر من 40 عاماً في مظاهرة بكاليفورنيا.. بعدها بعدة سنوات ولدت، ومنذ كنت طفلاً بدأت بالنشاط والتظاهر ضد الاحتلال».
أضاف «لقد ذهبت إلى القدس وسمعتها تتكلم.. إنها تتكلم العربية.. مطاعهما تقدم الوجبات العربية. في شوارعها تجدون البضائع العربية.. تجدون النساء يبعن الزعتر والنعناع.. الكثير من النعناع.. هؤلاء لم يأتين من روسيا وبولندا.. هؤلاء فلسطينيات.. القدس عربية منذ أكثر من 14 قرناً من الزمن».
وأشار إلى أن اليهود طردوا في 1948 أكثر من مليون فلسطيني ولم يبق منهم داخل الأرض المحتلة سوى 400 ألف ممن باتوا يعرفون بـ«فلسطينيي الـ48.. اليوم صاروا 1.7 مليون فلسطيني»، وفقاً لزهر الذي يدرّس القانون في «جامعة ديترويت ميرسي».
وشدد «نحن ندعم ونقف إلى جانب كل من يدعم حقوقنا سواء أكانت حركة «حماس» أو «حزب الله».
وختم «إذا كان نيلسون مانديلا هنا في ديربورن، ومارتن لوثر كينغ، ومالكوم أكس، والنبي محمد، وعيسى المسيح.. هؤلاء إن كانوا هنا اليوم فجميعهم سوف يطالبون بالعدالة والحرية لفلسطين».
Leave a Reply