«صدى الوطن» تتشارك الإفطار مع أسرة سورية لاجئة
الفرح ينبع من القلب
اسمها فرح. لكن الطفلة السورية ابنة السبعة أعوام لم تختبر السعادة إلا في الفترة الأخيرة، بعدما استقر المقام بعائلتها اللاجئة في مدينة ديربورن.
ولدت مع بداية الحرب في سوريا، ولجأ والداها إلى الأردن عندما كانت في الثانية مع أخيها الحديث الولادة محمد، حيث عانوا الضنك والمشقة لما يزيد على أربع سنوات. وقبل نحو عام ونصف دخلوا الأراضي الأميركية ليبدأوا حياتهم من جديد، من الصفر، مواجهين تحديات العالم الجديد واختلافاته الاجتماعية والثقافية، لا يبدد تعبهم ومعاناتهم سوى إقامتهم في مدينة ذات وجه عربي لافت، ما قلل من حجم الضغوط والعراقيل والغربة على رب الأسرة الذي سرعان ما وجد عملاً يعيل به أسرته الدمشقية.
التقطت العائلة أنفاسها، وبدأت تشعر بالارتياح والتأقلم مع المحيط الجديد. فرح تتحدث الإنكليزية وسعيدة جداً بأصدقائها في المدرسة. أصدقاء كثيرون بينهم العرب والأجانب، وهي تحبهم جميعاً لأنهم «ودودون ومحترمون». تهوى الطفلة الرسم والتلوين، وتطمح أن تصبح في المستقبل أستاذة في الفنون.
«صدى الوطن» استضافت العائلة السورية على إفطار رمضاني في مطعم «مانغوز» بديربورن، الأربعاء الماضي، حيث تشارك خمسة من الزملاء العاملين في الصحيفة طعام الإفطار مع الأسرة السورية، والاحتفال معها بحلول الشهر الفضيل، للمرة الثانية في الوطن الجديد، بعيداً عن الأهل والأقارب والأصحاب والجيران.
رمضان في ديربورن
يؤكد أكرم الشالاتي (40 عاماً) وكذلك وزوجته ديانا على أن رمضان، العام الماضي، كان صعباً جداً عليهما، حيث افتقدا الأجواء الرمضانية الدمشقية «الساحرة» على حد وصفهما.
وقال أكرم: «في رمضان الماضي لم يكن قد مضى على وجودنا هنا سوى أشهر قليلة.. لم نكن نعرف أحداً.. ولم نكن نعرف الأسواق والمطاعم.. لقد قضينا شهر الصوم في البيت». واستأنف «رمضان الحالي.. مختلف كثيراً.. لقد أعددت شجرة ميلاد مزينة بالأضواء وكتبنا عليها عبارة «رمضان كريم» احتفالاً بالشهر المبارك». مضيفاً «من الصعب أن تجد الأجواء الرمضانية السورية هنا.. لكننا نحاول قدر الإمكان أن نعيشها.. نتسوق بعد الإفطار.. ونذهب إلى تناول الحلويات.. ونقضي السهرة في أحد المقاهي».
وأشار إلى أن ديربورن تتمتع بجو عربي يبدد مشاعر الغربة لدى القادمين الجدد، حيث «الأطعمة والمشروبات العربية، وحتى أسماء المحلات، والموسيقى، والناس حولك يتحدثون بلغتك.. تشعر وكأنك في بلدك».
وعن شهر رمضان في دمشق، قال «في الشام كل شيء مختلف.. الأسواق تبقى مفتوحة إلى ما بعد أوقات السحور، وتلاوة القرآن تصدح في جميع المساجد، وجبات الإفطار والسحور مع الأهل والأصدقاء.. عالم آخر».
حياة جديدة
فور وصولها إلى الولايات المتحدة، أقامت العائلة السورية في مدينة ديربورن هايتس لبضعة شهور ثم انتقلت إلى مدينة ديربورن بمساعدة الناشطة الأميركية ماريا قباني.
قباني التي أطلقت –العام الماضي– منظمة خيرية باسم «أيتام الحروب»، وساعدت مالياً ومعنوياً عشرات اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة، أشادت بالأسرة السورية، لافتة إلى أنها ساعدت أكرم وزوجته على استئجار بيت في شرقي ديربورن، وقالت: «ما حاز على إعجابي.. هو أن أكرم حصل بسرعة على عمل ككهربائي وبدأ يعيل أسرته بنفسه، وعندما حصل على راتبه الأول قام بالتبرع بـ100 دولار لمنظمتي لمساعدة العائلات الفقيرة الأخرى، وما يزال مستمراً بتقديم التبرعات رغم إصراري على الرفض».
وفي العام الماضي، أقامت إفطاراً لعشرات الأطفال السوريين في مطعم «فايموس هامبرغر»، وهنا يقول أكرم: لقد كان ذلك الإفطار هو المناسبة الأولى للالتقاء بالناس.. تعرفنا على بعض العائلات وكذلك تعرف طفليّ على أطفال آخرين.. كان الإفطار فاتحة لحياة جديدة. وقد بدأت العائلة الوافدة بالتعرف على الكثير من العائلات الأخرى ويتشاركون معهم الاحتفال في مختلف المناسبات، مثل «عيد الشكر» و«عيد الميلاد». وقال أكرم «أصبح لدينا أصحاب من مختلف الخلفيات، وقبل عدة أيام استضفنا صديقة يهودية في بيتنا وتشاركنا معها طعام الإفطار».
رد الجميل
رغم ذلك، ما تزال الأسرة تفتقد الكثير من أجواء رمضان الشام وبعض الأكلات الرمضانية، ولكنها تفعل ما بوسعها لكي يشعر طفلاهما بخصوصية الشهر المبارك. وتقول ديانا «في سوريا، ليس من تقاليدنا إضاءة شجرة ميلاد في الشهر الفضيل، ولكننا فعلنا ذلك هنا، لكي لا يشعر الأطفال بالغربة.. نريد أن يفهما أن لهذا الشهر مكانة خاصة عند العرب والمسلمين». ويستدرك أكرم: «لا أعتبر أن شجرة الميلاد هي رمز ديني، بل رمز للفرح والسعادة».
تشعر العائلة السورية بضرورة رد الجميل للبلاد التي استقبلتهم ووفرت لهم مكاناً آمناً لبدء حياة أفضل، وفي هذا الإطار، لا تقتصر مساهمة أكرم على تقديم المساعدات والتبرعات –بقدر ما يسمح الحال– وإنما قام الشهر الماضي بزيارة إلى أحد مراكز «الصليب الأحمر»، من أجل التبرع بالدم. وهنا يقول «عندما وصلت إلى ميشيغن، شعرت وكأنني ولدت من جديد.. لكن سواء كنت في أميركا أو في سوريا.. فالفرح ينبع من داخلك».
رغم جميع النكبات والصعوبات.. ورغم آلاف الأميال بعيداً عن الأهل والوطن الأم: في حياة العائلة السورية.. فرح!
Leave a Reply