ما الذي يدفع الشباب المسلم الأميركي إلى ترك الدين الحنيف؟
توصل استطلاع جديد أجراه مركز «بيو» للأبحاث أن حوالي ربع الأميركيين الذين ترعرعوا كمسلمين (23 بالمئة) تخلوا عن دينهم ومعتقداتهم عندما أصبحوا بالغين.
ووفقاً لنتائج المسح، فإن حوالي 55 بالمئة من المسلمين الأميركيين الذين تخلوا عن الإسلام، لم يعودوا يرتبطون بأي دين، فيما بلغت نسبة الذين تحولوا إلى المسيحية منهم 22 بالمئة.
كذلك اعتنقت النسبة المتبقية (21 بالمئة) من تلك المجموعة ديانات أخرى كالبوذية أو الهندوسية أو اليهودية أو ديانات أقل انتشاراً.
غير أن الدراسة التي استندت إلى بيانات جمعت عام ٢٠١٤ و٢٠١٧، أشارت إلى أن المتحولين إلى الإسلام يشكلون حوالي ٣٢ بالمئة من المسلمين في الولايات المتحدة.
لماذا؟
وعند سؤال هؤلاء الذين تركوا الإسلام عن الأسباب التي دفعتهم لاتخاذ هذه الخطوة، أجاب 25 بالمئة أن ذلك يعود لأسباب تتعلق بالدين بشكل عام، إذ قال 12 بالمئة منهم إن فكرة الانتظام في دين لم تعد تروق لهم، وقال ثمانية بالمئة إنهم لم يعودوا يؤمنون بوجود الله، فيما قال خمسة بالمئة إن قراراتهم كانت نتيجة عدم التزامهم بممارسة الشعائر الدينية.
وعزا 19 بالمئة تقريباً سبب تخليهم عن دينهم إلى تجربتهم مع الإسلام أو الاختلاف مع التعاليم أو عدم وجود روابط تجمعهم مع الإسلام بالرغم من أنهم ولدوا مسلمين.
فيما قال ١٦ بالمئة إنهم فضلوا تعاليم ديانات أخرى، و١٤ بالمئة ذكروا أن قرارهم جاء نتيجة أسباب شخصية، و٢ بالمئة لأسباب عائلية.
وتشير الدراسة إلى أن النسبة الأكبر من الذين تركوا الإسلام هم من المهاجرين من إيران الذين قدموا إلى الولايات المتحدة إبان الثورة الإسلامية في بلادهم (١٩٧٨–١٩٧٩)، حيث بلغت نسبة هؤلاء 22 بالمئة من الذين تركوا الإسلام.
المتحولون إلى الإسلام
وأظهرت الدراسة في المقابل، أن 77 في من المتحولين إلى الإسلام كانوا يعتنقون المسيحية، 53 بالمئة منهم كانوا من البروتستانت، و20 بالمئة منهم كانوا من الكاثوليك.
وبينت أيضاً أن 19 بالمئة من المتحولين إلى الإسلام قالوا إنهم لم يكونوا معتنقين لأي دين، وأن نسبة صغيرة من المتحولين كانوا يهوداً أو بوذيين أو هندوساً.
ومن الأسباب التي دعت هؤلاء إلى اعتناق الإسلام، تفضيلهم الدين الحنيف على معتقداتهم الدينية السابقة (٢٤ بالمئة)، أو الاقتناع بتعاليم الإسلام ونصوصه (٢١ بالمئة)، أو الرغبة بالانتماء إلى مجتمع إسلامي (١٠ بالمئة)، أو الزواج (٩ بالمئة)، أو عبر الأصدقاء (٩ بالمئة)، أو العائلة (٨ بالمئة)،أو من خلال البحث عن إجابات روحية شافية (٨ بالمئة)، أو اكتشافهم الحقيقة في الإسلام (٥ بالمئة).
وحسب دراسة سابقة لـ«بيو»، فإن عدد المسلمين الأميركيين تزايد بشكل مطرد، بحوالي 100 ألف سنوياً، مشيرة إلى أن عدد من يتركون الإسلام يتساوى تقريباً مع عدد من يعتنقونه.
وأجري الاستطلاع بين ٢٣ كانون الثاني (يناير) و٢ أيار (مايو) ٢٠١٧.
ماذا عن المسلمين في منطقة ديترويت؟
وفي محاولة لاستجلاء المشهد المحلي الذي قد تشوبه بعض الأسرار والتحفظات بسبب الحساسيات الثقافية والاجتماعية، بادرت «صدى الوطن» إلى تقصي هذه المسألة في منطقة مترو ديترويت التي تشهد تنامياً ملحوظاً للمساجد والمراكز الدينية في مجتمعاتها العربية والإسلامية.
وقد أكد عباس –الذي رفض الكشف عن اسمه كاملاً– على أن الأرقام والنسب التي كشف عنها استطلاع «بيو» تشمل بلا أدنى شك مجتمع الجالية الإسلامية في منطقة ديربورن التي تشهد، بحسب قوله، «تحولات إيمانية» مماثلة للتحولات على المستوى الوطني، «إن لم تكن بوتيرة أكبر»، مؤكداً أنها تبقى في معظم الأحيان سرية وطي الكتمان أو ضمن حلقات مغلقة تفادياً للحساسيات الاجتماعية.
وأضاف «في أوساطنا العربية تحديداً.. معظم المهاجرين جاؤوا من نفس القرى والمناطق وهم يعرفون بعضهم بعضاً ومن الطبيعي في بيئة كهذه أن يتكتم الناس على بعض السلوكيات غير المقبولة اجتماعياً»، مؤكداً أن «ترك الإسلام في مجتمعات كهذه يعتبر فضيحة».
عباس، وهو من أصل لبناني، على تواصل بكثير من «المسلمين سابقاً» المنتشرين في مختلف الولايات الأميركية، وقد أفاد في هذا السياق بأن الذين «تحولوا عن الإسلام في الولايات الأخرى هم أكثر استعداداً وانفتاحاً عن التعبير عن تجاربهم، مقارنة بالمقيمين هنا في منطقة ديترويت»، مضيفاً أن هؤلاء في معظمهم يتحولون إلى الإلحاد، وفي حالات نادرة يتحولون إلى عقائد أخرى.
الأسباب
وعزا عباس أسباب ترك الشباب المسلم للدين الحنيف إلى عدة أسباب، منها الموضوعي ومنها الشخصي، مؤكداً على أن العلم يأتي في مقدمة الأسباب التي تدفع أتباع الديانات على إعادة التفكير بعقائدهم وتصوراتهم الدينية «والمسلمون شأنهم شأن غيرهم في هذا المجال»، وقال: «العلم أسقط الأدلة التي تقوم عليها الأديان عموماً.. وبالتالي فقد أصبح التدين مسألة اختيارية، لا يوجد أي دليل عقلي على ضرورة الالتزام بها».
وأشار إلى أن المبادئ الإسلامية لم تعد تلقى قبولاً لدى الكثير من المسلمين، مثل «القضاء والقدر، وتأجيل تحقيق العدالة إلى الحياة الآخرة، والحجاب، والتمييز على أساس الجنس، والمثلية، وغيرها الكثير من المسائل الأخرى»، مضيفاً أن «النظرية الأخلاقية الحديثة لا تتناسب مع منظومة القيم الإسلامية التي تعتمد على مبدأ الترهيب والتخويف من العذاب الجسدي لضبط سلوكيات المسلمين».
وتابع: «كما يمكن أن نضيف سبباً آخر لتفسير هذه الظاهرة، ألا وهو فشل التجربة الإسلامية سياسياً واجتماعياً في الدول والمجتمعات المسلمة، ونجاح التجربة الإنسانية في الدول والمجتمعات العلمانية».
واستبعد أن تتمكن المساجد والمراكز الدينية –التي تزداد أعدادها باضطراد في منطقة مترو ديترويت– من تطويق هذه الظاهرة، لـ«وجود شرخ بين الشباب وبين المؤسسات الدينية من ناحية، ولقصور رجال الدين عن مواكبة النظريات والاكتشافات العلمية من ناحية ثانية، ناهيك عن الحاجز اللغوي حيث أن معظم أئمة المساجد لا يجيدون التحدث بالإنكليزية التي يتواصل عبرها النشء في مجتمعنا هنا».
وقال «بالإضافة إلى ما سبق، هنالك مشكلة لغوية من نوع آخر، وهي أن معظم التراث الإسلامي مكتوب باللغة العربية وترجماته الإنكليزية لا تروق ولا تستقطب الأجيال الجديدة، إذ رغم الترجمة تبقى المفاهيم والأفكار قديمة وقروسطية لا تجتذب الشبان الذين يترعوعون على قيم الثقافة الأميركية في المدرسة وفي الشارع وعبر وسائل الإعلام، وبالتالي حتى ولو حاول الشباب البحث عن أجوبة لأسئلتهم فلن يجدوها في تلك الترجمات، وإذا وجدوها فلن تقنعهم».
تشكيك واتهام
من جانبه، شكك إمام «المنتدى الإسلامي في أميركا» السيد حسن القزويني بنتائج استطلاع «بيو» ولم يستبعد وجود «نوازع عدائية ضد الإسلام تدخل في حسابات هذا المركز البحثي»، وقال: «إن النتائج التي خلص إليها الاستطلاع لا تخلو من المبالغة وعدم الواقعية».
ولدى سؤالنا له عن الأسباب التي تدفع مؤسسة بحثية مرموقة في الولايات المتحدة للتحيز ضد الدين الحنيف، أجاب: «في النهاية هذا المركز هو جزء من منظومة الـ«ثينك تانك» الأميركية، وهذه المنظومة الفكرية لا تتورع عن خلق مفاهيم معينة وترويج أجندات لتحقيق أهداف مرجوة»، مضيفاً «اتفق مع ما وصل إليه الاستطلاع في أن النسبة الأكبر من الذين تخلوا عن الإسلام هم من المهاجرين الإيرانيين في أعقاب الثورة.. لقد عشت في ولاية كاليفورنيا وعاينت المجتمع الإيراني هناك، وبالفعل فإن نسبة كبيرة منهم قد تركوا الإسلام وفي تقديري أنهم فعلوا ذلك كردة فعل سياسية على الثورة الإسلامية ضد شاه إيران خاصة وأن معظمهم من مؤيدي الشاه».
واستدرك «لكنني لا أوافق على النتائج الأخرى التي تقول أن 22 بالمئة ممن تركوا الإسلام اعتنقوا المسيحية، وأن 21 بالمئة منهم اعتنقوا البوذية أو الهندوسية أو اليهودية أو غيرها.. أنا هنا في أميركا منذ ربع قرن وعلى تواصل مع معظم الجاليات المسلمة ولست أعرف حالة واحدة تحول فيها مسلم إلى البوذية أو اليهودية أو الهندوسية».
وأضاف «من خلال تجربتي يمكنني القول.. نعم هنالك بعض الحالات التي يتحول فيها مسلمون إلى المسيحية، وأعرف بعضاً منها في مجتمعنا هنا، والسبب في ذلك هو نشاط الكنائس والمبشرين.. أعرف شخصاً كان يعاني من مشكلات نفسية اعتنق المسيحية، إضافة إلى عائلة فعلت الشيء ذاته بسبب فقرها المدقع الذي دفعها لطلب المساعدة من بعض المراكز الإسلامية، لكن لم يساعدها أحد، فاتجهت إلى إحدى الكنائس التي قامت بمساعدتها، وكانت النتيجة أن اعتنق أفراد العائلة الدين المسيحي».
وشدد «في جميع الأديان، يحدث أن يتخلى الناس عن عقائدهم.. هذا أمر طبيعي.. بالنتيجة لكل إنسان إرادته الحرة، وهذا لا يعني أن المشكلة في الدين.. هنالك مسيحيون يتحولون إلى الإسلام ومسلمون يتحولون إلى المسيحية، ومن خلال تجربتي في الولايات المتحدة يمكنني التأكيد على أن أعداد المسيحيين الذين يعتنقون الإسلام هي أكبر بكثير من أعداد المسلمين الذين يعتنقون المسيحية».
تقصير ومبادرة
ووافق القزويني على ما قاله عباس، بأن «العلم» (ساينس) يشكل التحدي الأكبر «ليس بالنسبة للإسلام فقط، وإنما لجميع الأديان»، مشيراً إلى انتشار موجة الإلحاد في العالم أجمع، خاصة وأن الكثير من الأوساط العلمية والأكاديمية تروج لهذه الظاهرة. وقال «هذا التحدي أقل صعوبة بالنسبة للإسلام كونه ديناً عقلياً ويتسق مع الفطرة البشرية».
ورغم اعترافه بأن القائمين على المراكز الدينية في منطقة مترو ديترويت مؤهلون لتفنيد النزعات الإلحادية إلا أن «رجال الدين مقصرون والمؤسسات الدينية لا تضع مواجهة الإلحاد ضمن أولوياتها وإنما تهتم بقضايا ثانوية ومن هنا تتسع الهوة بين الشباب والمراكز الدينية التي تركز في معظم الأوقات على أداء الشعائر والطقوس ولا تهتم بترسيخ العقائد الإسلامية».
وختم القزويني بالإشارة إلى أن «المنتدى الإسلامي» في ديربورن هايتس وضع خطة مدروسة لتدريس العقائد (ميثولوجي)، أو ما يعرف بـ«علم الكلام»، بهدف تربية النشء وتحصينهم من الشبهات التي تثار حول الإسلام.
وقد بدأت دروس العقائد في «المنتدى الإسلامي» في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بإشراف مدرسين مختصين ومجازين بالعلوم الشرعية.
Leave a Reply