قلّة هم المسؤولون الفدراليون الذين ينسجون علاقة وطيدة مع الجاليات العربية الأميركية في منطقة ديترويت. ومدير فرع مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) في ديترويت، ديفيد جيليوس، هو واحد من هؤلاء القلة.
هذا ما أكده منظمو الحفل التكريمي الذي أقيم مساء الثلاثاء الماضي في قاعة «مطعم لابيتا» بمدينة ديربورن، تثميناً للعلاقات المميزة التي جمعت جيليوس بالمجتمع العربي الأميركي، منذ توليه قيادة المكتب في ديترويت عام 2015.
الحفل حضره عدد كبير من المسؤولين الحكوميين وقضاة، إضافة إلى فعاليات عربية أميركية، وتخللته كلمات أشادت بمناقبية المحتفى به، ونجاحه الملموس في تبديد الشكوك والمخاوف بين الوكالة الفدرالية ومجتمعات الأقليات والمهاجرين في منطقة ديترويت الكبرى، وفي مقدمتها المجتمعات العربية والكلدانية واللاتينية.
كسرنا الجليد
اعتبر عريف الحفل، ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني أن الاحتفاء بتوديع جيليوس هو إشارة واضحة الدلالة على العلاقة المميزة التي نجح جيليوس في نسجها مع الجاليات العربية والإسلامية خارج إطار العلاقات الرسمية الجافة بين المواطنين ومسؤول أمني رفيع، وإنما تعدت ذلك وأصبحت علاقة «صداقة وطيدة».
وأضاف «عندما جاء إلى منطقتنا لم نكن نعرف عنه شيئاً، واليوم نودع صديقاً نكنُّ له كامل الاحترام والمودة».
وأشار السبلاني في سياق كلمته، إلى الجهود التي بذلتها الجالية العربية للانفتاح على الوكالات الفدرالية من منطلق الرغبة الوطنية في خدمة البلاد وتبديد سوء الفهم بين المجتمعين العربي والإسلامي وبين المؤسسات الأمنية، معتبراً أن العلاقات المتوجسة والمتعثرة بين الطرفين لها مبرراتها، إذ لطالما حكم «سوء الفهم» العلاقة بين الطرفين.
وتابع «من ناحية يساء فهم العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الذين ينظر لهم في كثير من الأحيان على أنهم أرهابيون محتملون، ومن ناحية أخرى يساء فهم «أف بي آي» بسبب تاريخ هذه الوكالة منذ عهد مؤسسها إدغار هوفر».
وأكد السبلاني أن علاقة المجتمع العربي الأميركي في منطقة مترو ديترويت بالوكالات الفدرالية قد تغيرت بصورة دراماتيكية في الآونة الأخيرة، وقال «لقد كسرنا جدار الجليد بيننا وبينهم وبين مختلف المؤسسات الأمنية.. لأنه ليس لدينا ما نخفيه، وعليهم بدورهم أن يعملوا من أجل خدمتنا والتوقف عن مضايقتنا».
التعاون بدلاً من التشنج
وذكّر السبلاني بأن «العلاقة المميزة مع جيليوس ليست فريدة من نوعها كما أنها ليست معزولة، وإنما جاءت في سياق جهود الجالية العربية لمد جسور التواصل والتفاهم مع المسؤولين الحكوميين الذين كان من بينهم المدعي العام الفدرالي السابقة لشرق ميشيغن باربرا ماكويد، وخلفها المدعي العام الفدرالي بالوكالة دانيال ليميش، والمدعي العام الفدرالي المؤقت ماثيو شنايدر، وكذلك مدير مكتب «أف بي آي» السابق في ديترويت بول آباتي وغيرهم الكثيرون»، معللاً رغبة الجالية وانفتاحها على التواصل مع المؤسسات الحكومية والأمنية بالحاجة الملحة «للتعاون والتفاهم، بدلاً من التشنج والتربص»، مضيفاً أنه كان يتم في السابق «إلصاق تهم الإرهاب جزافاً بأفراد عرب ارتكبوا مخالفات جنائية.. أما اليوم فقد تغيرت الصورة تماماً».
وفي السياق أشاد السبلاني، بجهود جيليوس ومبادراته لتفهم ثقافة العرب الأميركيين وحرصه المتواصل على التواجد في مناسباتهم العامة، مما كان له أكبر الأثر في تحويل العلاقة معه إلى «علاقة أسرية.. اليوم نحن نعرف عائلته.. ونعرف ابنه وابنته اللذين يحرصان على التواجد بيننا في العديد من المناسبات».
السبلاني الذي سلّم المحتفى به شهادة تقديرية باسم الجالية العربية «لخدمته أميركا وميشيغن والجاليات الإثنية»، تمنى لجيليوس أن ينعم «بالتقاعد المريح وأن يستمر بالتواصل مع الجالية العربية»، وخاطبه قائلاً: «تذكر.. أنت مرحب بك دائماً هنا».
ويستعد جيليوس للتقاعد من منصبه في نهاية الشهر الجاري، بسبب بلوغه سن ٥٧ عاماً في أيلول (سبتمبر) القادم، وهو سن التقاعد بحسب قواعد الـ«أف بي آي»، ولم يتم الإعلان بعد، عمن سيخلفه في إدارة فرع الوكالة في ديترويت.
شكر وامتنان
وفي كلمة مقتضبة، شكر جيليوس الحضور ومنظمي حفل التوديع مؤكداً على أن «الثقة هي أمر حاسم»، وقال «إننا نواجه بعض المشاكل الخطيرة ولن نكون ناجحين في مهمتنا إذا كانت قطاعات هامة من المجتمع لا تثق بالـ أف بي آي»، مضيفاً أن «الأمور قد تؤول إلى الأسوأ حين نشكك في بعض الأفراد الذين من واجبنا خدمتهم».
ونصح جيليوس من سيخلفه بأن «الأولوية هي للتعرف على المجتمعات التي نخدمها»، وقال «هذه المنطقة متنوعة بشكل رائع ومفتاح نجاحنا في المستقبل هو بناء علاقات وثيقة مع الناس الذين نخدمهم».
ولفت إلى أنه احتاج لبعض الوقت لكي «يفهم المجتمع»، مضيفاً أنه تعامل مع تجربة «التعرف على الثقافات المختلفة كما لو أنها شهادة جامعية»، وقال «لقد نضجت في فهمي وتقديري.. الناس يحبون فرز المجموعات بحسب الأصول الإثنية وغيرها من العوامل الأخرى، ولكن كلما تعرفتَ أكثر على الناس كلما وجدت الخطوط الفاصلة بينك وبينهم وهمية»، مؤكداً أن «جميعنا لديه نفس الاهتمام بالعائلة والمهنة والسلامة العامة».
إشادات
من جانبه، وصف رئيس قضاة المحكمة الفدرالية في ديترويت المتقاعد جيرالد روزين ميشيغن بالولاية «المحظوظة تحت قيادة جيليوس للوكالة الفدرالية في ديترويت»، وقال «إنه رجل موهوب وفريد من نوعه.. لقد كان دائماً على استعداد للاستماع والتزام الأدلة خلال البحث عن الحقائق».
وأضاف «نزاهته وشموليته واهتمامه بالتفاصيل، والأهم.. إنصافه، أسباب تجعله يجسد ما هو جيد في مكتب التحقيقات الفدرالي.. لاسيما في كم الجهد الذي بذله لكي يصبح جزءاً من المجتمع المحلي!».
وفي السياق ذاته، أكد المدعي العام الفدرالي المؤقت لشرق ميشيغن ماثيو شنايدر، على أن «التواصل الذي حققه جيليوس لم يكن له مثيل»، وقال «ما كان ديفيد قادراً على القيام به بنجاح هو الوصول إلى المجتمع وتفهم حياة الناس عن كثب»، مؤكداً أنه يأمل أن يسير على خطاه.
ومن جانبه، أشاد مساعد الادعاء العام الفدرالي لمنطقة شرق ميشيغن، العربي الأميركي عبد حمود، بـ«الفرق الإيجابي الملحوظ الذي تحقق في العمل مع مكتب التحقيقات الفدرالي بقيادة جيليوس»، علماً بأن حمود سبق وأن عمل مع مديرين سابقين لفرع الـ«أف بي آي» في ديترويت، من خلال منصبه كمساعد للادعاء العام الفدرالي.
وقدم حمود لوحة تكريمية بإسم الجالية العربية إلى ليميش، الذي وصفه بأنه قائد يستحق الاحترام والتقدير، مثنياً على دوره في تحمل مسؤولية مكتب الإدعاء الفدرالي بعد استقالة ماكويد.
وفي السياق، وصف دانييل ليميش –الذي خدم كمدع عام فدرالي بالوكالة لمنطقة شرق ميشيغن خلال الشهور العشرة الأخيرة من العام ٢٠١٧– جيليوس بـ«الصديق.. والقائد الذي قرّب بين العديد من مجتمعات جنوب شرقي ميشيغن»، وقال «أبعد من العمل، يعرف جيليوس أن مواصفات المسؤول في وكالات إنفاذ القانون تتطلب ثقة أفراد المجتمع المحلي.. لاسيما هؤلاء الذين غالباً ما يشعرون بأنهم مستهدفون بطريقة غير عادلة»، مثنياً على مهارات جيليوس في مكافحة الجريمة والفساد، لاسيما في توجيه التهم لـ١٩ شخصاً في قضايا رشى لمسؤولين في مقاطعة ماكومب، بينهم 15 اعترفوا بأنهم مذنبون، من ضمنهم خمسة مسؤولين بلديين أقروا بتلقى رشى.
وأضاف ليميش «من خلال مشاعر الحب والمودة والاحترام التي تتدفق في هذه القاعة تجاه دايف، نعرف أنه قد نجح في تحقيق هدفه المتمثل في التأكد من أن الشرطة ووكالات إنفاذ القانون الفدرالية قد تصرفت بشكل عادل ووفقاً للدستور».
وخلال الحفل قدّم المحامي نبيه عياد، مؤسس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» جائزة تقديرية نيابة عن المنظمة لجيليوس، لتكون «بمثابة تحية خاصة وامتنان لخدمات جيليوس للجالية العربية وصداقته لها».
تجدر الإشارة إلى أن جيليوس سيسافر عقب تقاعده إلى ولاية كاليفورنيا لمدة ثلاثة أسابيع، قبل أن يعود إلى العمل مع شركة «بنسكي» لخدمات النقل في ديترويت حيث سيتولى منصباً أمنياً في الشركة العملاقة.
Leave a Reply