في الوقت الذي تتوالى فيه ردود الأفعال الدولية الرافضة لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة للدولة العبرية، تزايدات موجات السخط والغضب في الشارعين العربي والإسلامي، وكذلك في أوساط الناشطين الداعمين للقضية الفلسطينية حول العالم.
وبالتوزاي مع دعوة العديد من القوى والفصائل الفلسطينية إلى الانتفاضة الشاملة في جميع أنحاء فلسطين، سيّرت منظمات أميركية، عربية وإسلامية، مظاهرات منددة بقرار ترامب في العديد من الولايات الأميركية، في الوقت الذي يجري فيه الإعداد والتحضير لإقامة فعاليات متنوعة في ديترويت وواشنطن وديربورن وغيرها من المدن، بحسب ما أفاد نشطاء فلسطينيون لـ«صدى الوطن».
في الأثناء، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات تضامن واسعة مع القدس، واستبدل الكثيرون من متصفحي السوشال ميديا صور حساباتهم بصور للمسجد الأقصى، أو بعبارة «القدس عاصمة فلسطين»، وكتب أحد الفلسطينيين المقيمين في الولايات المتحدة على صفحته على «فيسبوك»: «رب ضارة نافعة.. ترامب بقراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس أعاد قضيتنا إلى واجهة العالم وهو بذلك يكون قد أعلن موت «حل الدولتين».. هذه فرصة للسلطة الفلسطينية لطي صفحة الماضي وإعلان حكومة وحدة وطنية جديرة بتضحيات الفلسطينيين».
خربها وقعد على تلها
من جانبه، اعتبر رئيس «رابطة الصحفيين العرب» بواشنطن محمد دلبح أن قرار الرئيس الأميركي «يظهر الوجه الحقيقي لواشنطن الذي حاولت الحكومات الأميركية المتعاقبة إخفاءه برتوش مزاعمها بأنها وسيط نزيه في مفاوضات تسوية الصراع العربي الإسرائيلي منذ 1974». أضاف: «إن أفضل وصف يمكن أن يطلق على إعلان ترامب في هذا الشأن أنه «خربها وقعد على تلها» وهو بذلك ينهي أسطورة الوسيط النزيه ويؤكد لمن كانت لديه أوهام التسوية الأميركية في الساحة الفلسطينية تحديداً أن يعيد حساباته وأن ينخرط في مشروع المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي بقصد التحرير».
ووصف الزميل دلبح ما قام ترامب بأنه «لا يقترب أبداً إلى مستوى قرارات رجل دولة»، وقال «على الرغم من كل القرارات الدولية التي ترفض إحداث أي تغيير في وضعية الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بما فيها القدس ومرتفعات الجولان، إلا أنه –ترامب– وغالبية السياسيين الأميركيين يعتبرون أن للقوانين الأميركية أولوية على أية قرارات دولية، بل وصل الأمر بمدى استهتار المسؤولين الأميركيين إلى الحد الذي يعتبر فيه ترامب أن تعهده في حملته الانتخابية بنقل السفارة، له أفضلية على كل قرارات العالم».
وشدد دلبح في حديث مع «صدى الوطن» على أن «وضع استراتيجية مقاومة هو الخطوة الأولى لمجابهة النتائج التي تترتب على قرار ترامب وفي مقدمتها إقرار الجميع في المنطقة العربية بعبثية المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي بوساطة أميركية، وأخذ العبرة من تصدي المقدسيين لإجراءات الاحتلال ضد الأقصى والمصلين قبل أشهر قليلة».
لا بديل عن الكفاح المسلح
في السياق ذاته، أكد رئيس فرع «شبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة» بديترويت جورج خوري على أنه «لا بديل عن الكفاح المسلح لتحرير فلسطين»، وذلك بغض النظر عن رعونة القرار الترامبي المخالف للقانون الدولي، الذي يمنح الفلسطينيين الحق بإعلان القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة.
خوري، اعتبر أن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تتفادى تنفيذ القرار الذي أقرّه الكونغرس الأميركي منذ 22 عاماً «لإداركها التداعيات المحتملة»، والتي أقلها «انكشاف الولايات المتحدة وزيف وساطتها غير الحيادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في مجمل محادثات السلام منذ محادثات أوسلو».
وشدد على أن قرار ترامب يضع الفلسطينيين أمام امتحان جدي «فهم إما جادون بتحرير أرضهم أو غير جادين، وهذا الوقت ليس مناسباً للمزايدات السياسية، فإذا أردنا تحرير فلسطين فيجب أن نبني خياراتنا الاستراتيجية على هذا الأساس».
ولفت إلى أن «النضال السياسي مطلوب في عملية التحرير ولكن لا يجب الاعتماد عليه وحده في الصراع مع إسرائيل، لأنه لن يفضي إلى النتائج التي يطمح الفلسطينيون إليها».
وأشار خوري إلى أن الفلسطينيين الأميركيين يتداعون في كل المناسبات إلى إظهار معارضتهم لمواقف مسؤولي واشنطن وقراراتهم، كالاتصال بممثليهم بالكونغرس، وإبراق الرسائل إليهم، وجمع التواقيع وغيرها، و«لكن هذه الخطوات لن تفضي إلى أية نتائج إيجابية».
وطالب خوري العرب المقيمين في أميركا بمقاطعة النظام الأميركي وعدم المشاركة في الانتخابات، مؤكداً أن «الديمقراطيين ليسوا أفضل من الجمهوريين.. أما المظاهرات والفعاليات المتنوعة فجدواها تنحصر في أنها تظهر للجاليات العربية أن الناس مهتمون بما يجري في أوطانهم ولكنها في نهاية المطاف لن تبدل شيئاً من الواقع».
وأردف أن «النضال الفلسطيني والعربي عموماً لا يجب أن يقتصر على المناسبات، وإنما يجب أن يكون نضالاً مستمراً، خاصة لناحية إعداد الأجيال الجديدة وتربيتها على حقيقة أن فلسطين دولة عربية عاصمتها القدس، وأن لا بديل عن ذلك».
أما الناشط الفلسطيني محمد عبد السلام، العضو في «جمعية النجدة الفلسطينية»، فقد استبعد قدرة السلطة الفلسطينية على اتخاذ قرار بالكفاح المسلح على خلفية القرار الأميركي الذي وصفه بـ«الأرعن»، وقال «قرار ترامب أهدى القدس إلى الإسرائيليين وألغى القدس من المحادثات المستقبلية في حال حدوثها»، وشدد على أن «القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية ولا سلام في الشرق الأوسط بدون القدس».
أضاف «الفصائل الفلسطينية، بما فيها منظمة «فتح» لم تتخذ قراراً بوقف الكفاح المسلح الذي يحتاج بالدرجة الأولى إلى قرار سياسي.. لقد أثبتت حروب إسرائيل على قطاع غزة أن هذا الخيار مجد ومثمر.. لكن في ظل الانقسامات السياسية من المستبعد أن يتخذ هكذا قرار».
النضال مستمر
وعزا عبد السلام القرار إلى «استهانة الرئيس الأميركي واستخفافه بكل حلفاء الولايات المتحدة العرب والمسلمين» وتوقع أن يكون للقرار تداعيات خطيرة وكارثية على أميركا وإسرائيل. كما اعتبر أن «الفرصة باتت سانحة لإنهاء السلطة الفلسطينية الحالية كونها من مخلفات أوسلو»، مؤكداً أن الأفضل للفلسطينيين هو «إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وعودة جميع الفصائل إليها تحت عنوان الواجب الوطني لا المحاصصة كما هو حادث اليوم»، حيث يستقوي «أبو مازن» بالأميركيين ويعتمد عليهم لإتمام ما يوصف بـ«صفقة القرن»، بحسب عبد السلام.
وطالب الناشط الفلسطيني الأميركي بمواصلة «النضال على جميع المستويات»، لأن «قضية فلسطين مستمرة وطويلة الأمد»، لافتاً إلى أن النشطاء الفلسطينيين يتشاورون من أجل إحياء فعاليات وتنظيم مظاهرات «ينبغي دعوة حلفائنا إليها من اليهود المناصرين لفلسطين والسود واللاتينيين وعدم الاكتفاء بإسماع أصواتنا لبعضنا البعض».
وعلى عكس خوري، أكد عبد السلام على أن الاتصال بالمسؤولين والنواب الأميركيين «أمر مجد بلا شك»، وأن «الواقع أثبت أن التظاهر وحملات السوشال ميديا هي جهود مفيدة.. فضلاً عن أنها الطرق الوحيدة المتاحة أمامنا في هذه البلاد».
تجدر الإشارة إلى أن «شبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة» قد دعت إلى تسيير مظاهرة في الساعة الخامسة من عصر يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد) في ساحة «هارت بلازا» بديترويت، وذلك احتجاجاً على «مخالفة القرار للقانون الدولي، وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره».
Leave a Reply