ديربورن – رغم العديد من دعوات المقاطعة السابقة، ظلت مقاهي «ستاربكس» في منطقة الديربورنين ذات الكثافة العربية، قبلة للكثيرين من عشاق القهوة والعلاقات الاجتماعية، غير أن الصورة سرعان ما تبدلت مع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الخريف المنصرم، إذ شهدت فروع السلسلة في ديربورن وديربورن هايتس تراجعاً ملحوظاً في عدد روادها على وقع المجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.
ويأتي تراجع إقبال الزبائن على منتجات سلسلة المقاهي الأكثر شهرة في الولايات المتحدة وحول العالم، بالتزامن مع تصاعد حملات المقاطعة عبر منصات التواصل الاجتماعي رفضاً لدعم الشركة المتواصل لجيش الاحتلال.
وكانت «ستاربكس» التي تمتلك أكثر من 35 ألف فرع في 86 دولة، من بينها ما يربو على تسعة آلاف فرع في أميركا، قد تضررت بشكل بالغ من جراء حملات المقاطعة العفوية والمنظمة احتجاجاً على جهر العلامة التجارية الشهيرة بدعم الاحتلال الإسرائيلي، ما أسفر مؤخراً عن تسريح أكثر من ألفي موظف في فروع الشركة بمنطقة الشرق الأوسط.
محلياً، وخلال الأشهر القليلة الماضية، توقف الكثير من زبائن «ستاربكس» المعتادين عن ارتياد مقاهي السلسلة المنتشرة في جميع أرجاء منطقة ديترويت، مفضلين الإقلاع عن شراء مشروباتهم المفضلة واللجوء إلى البدائل التي توفرها المقاهي الأخرى المنتشرة بشكل واسع في عموم المنطقة.
في الإطار، أوضح حازم، وهو من زبائن «ستاربكس» «القدامى»، بأنه «أخيراً تحرر» من عبء مشواره اليومي للحصول على كوب القهوة ذي الحجم الكبير الذي دأب على شرائه لأكثر من عقدين من الزمن.
وقال الشاب الذي يتحدر من أصول فلسطينية: «لقد توقفت عن الذهاب إلى ستاربكس بسبب فداحة الكارثة الإنسانية في قطاع غزة»، مؤكداً أنه في الأيام الأولى للحرب كان ينتابه شعور بالخجل كلما قصد المكان لكنه قرر بعد فترة وجيزة «التوقف نهائياً عن شرب قهوتهم، حتى ولو كانت ستعيد الروح له».
وأضاف: «كل دولار يُدفع في صندوق ستاربكس، يذهب جزء منه لدعم القتلة في فلسطين المحتلة، وإن أقل شيء يمكن أن نفعله هو أن لا نساهم في تمويل جرائم الإبادة الجماعية التي تواجه استنكاراً عالمياً غير مسبوق»، لافتاً إلى أن حملات المقاطعة المتزامنة مع الحرب في غزة حققت نجاحاً جعل «ستاربكس» في مقدمة العلامات التجارية التي تتكبد خسائر فادحة منذ السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم.
حازم الذي كان يواظب بشكل شبه يومي على ارتياد مقهى «ستاربكس» في غرب ديربورن لأكثر من عقدين، أشار إلى أنه علم بشأن حملات المقاطعة للشركة الشهيرة منذ عام 2014، غير أنه واظب على زيارة مقهاه المفضل بسبب تعلقه الشديد بقهوة «ستاربكس» وعدم إيجاد بديل عنها، منوهاً بأن الأوضاع قد تبدلت خلال الفترة الأخيرة مع افتتاح الكثير من «المقاهي اليمنية»، التي وصف قهوتها بأن «أطيب مذاقاً»، وأن أسعارها «معقولة».
على نفس المنوال، أكد حسين، وهو من أصول لبنانية، على مقاطعته لمنتجات «ستاربكس»، مثنياً بلهجة تمزج بين الألم والطرافة على تضحيات الفلسطينيين الذين كانوا سبباً في شفائه من هذا «الإدمان». وقال حسين الذي يعمل في محطة وقود: “كان نهاري يبدأ يومياً من مقهى ستاربكس في الساعة السادسة صباحاً لأشتري قهوتي المفضلة، ولكنني توقفت عن ذلك، لأن حجم الألم الذي تشعر به وأنت تشاهد فيديوهات القتل والدمار في غزة لا يتصوره عقل».
وأضاف حسين: «هذه المقاهي تحقق أرباحاً طائلة في المدن التي تنتشر فيها، ولكنها لا تسهم مطلقاً في مساعدة المجتمعات التي تخدمها على عكس الكثير من الأعمال التجارية الأخرى التي تحترم نفسها وتحترم زبائنها»، مردفاً بالقول: «لا نريد منهم رد الجميل لمجتمعنا، نريد منهم أن يشعروا بالحياء قليلاً، وأن يتوقفوا عن دعم إسرائيل.. يا أخي الأميركيون الذين لا تربطهم أية علاقة بفلسطين يقاطعون ستاربكس، ولكن بعض العرب والمسلمين للأسف يستمرون في ارتياد هذه المقاهي».
وكانت نقابة العاملين في مقاهي «ستاربكس» بالولايات المتحدة قد أدانت جميع أشكال الاحتلال والتهجير والفصل العنصري، وكذلك مخاطر الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في أعقاب تجدد الحرب في الأراضي المحتلة، ما دفع السلسلة الشهيرة إلى رفع شكوى أمام المحكمة الفدرالية بولاية آيوا، زعمت فيها بأن موقف النقابة لا يمثل «ستاربكس»، وأنه أضر بمصالحها.
وقالت إحدى العاملات في أحد مقاهي «ستاربكس» بمنطقة ديربورن، إن الفرع الذي كانت تعمل فيه منذ أكثر من 10 سنوات يعاني من تراجع لافت في عدد الزبائن، مضيفة: «كان المقهى مزدحماً على الدوام، وكان الزبائن ينتظرون في الطابور لنصف ساعة في بعض الأحيان، ولكن الأوضاع تردت كثيراً خلال الفترة الأخيرة».
ولفتت العاملة التي فضلت عدم الكشف عن هويتها التزاماً بسياسة الشركة، إلى أن انخفاض عدد الزبائن اضطرها إلى الانتقال للعمل في فرع «ستاربكس» الكائن على تقاطع شارعي وست شيكاغو وتلغراف، بسبب تقليص ساعات العمل وتغير برنامج الموظفين «الذين يشعر معظمهم بالاستياء»، مشيرة إلى أن اثنين من زملائها قد توقفوا نهائياً عن العمل في مقاهي السلسلة.
أما حسام الذي كان مدمناً على قهوة «ستاربكس» طوال سنوات، فقد استنكف بشكل قاطع عن ابتياع مشروبه المفضل، إذ قرر العودة مجدداً إلى صنع قهوته منزلياً، حيث قال: «قبل نحو شهر اتخذت قراراً بالتوقف عن الذهاب لمقهى ستاربكس الذي كان بالنسبة لي محطة يومية، تشبه فرض الصلاة»، مضيفاً: «لقد اشتريت ماكينة متطورة، وقهوة كولومبية من النوع الفاخر، لأنني لم أعد أحتمل الذهاب إلى هناك».
وأردف حسام قائلاً: «في واقع الأمر لقد اتخذت قراراً نهائياً بوقف التعامل مع جميع العلامات التجارية التي تدعم إسرائيل، وليس ستاربكس فقط».
Leave a Reply